المشهد السياسي السعودي الداخلي و الخارجي منه يتموَج في حراك سريع خلال الأسابيع السابقة و بصورة مريبة تجعل المراقب يستشعر حالة قلق متزايد و تخبط سريع لدى صانعي القرار السعودي نتيجة لتخوفهم من مؤامرات ضد نظامهم قادمة من دول الجوار الإقليمي لتردَ للسعوديين نفس البضاعة التي صدَروها لأقاليم و دول المنطقة.
محاولة إغتيال المسؤول التنفيذي الأوَل عن الأمن الداخلي السعودي الأمير محمد بن نايف نجل وزير الداخلية ، يتم الإعلان عنها رسميا في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي بتاريخ 27 أغسطس 2009 و تنظيم القاعدة يؤكد العملية و يتبناها. و هذه إشارة قوية لبدأ تكتيكات نوعية مختلفة لتنظيم القاعدة تستهدف رموز الحكم كأشخاص و من المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، و قبل ذلك بأسبوع أعلنت السعودي ة عن القبض على مجموعة كبيرة من المنتسبين لتنظيم القاعدة بينهم عدد لا يستهان به من الأكاديميين و حملة الشهادات العليا. و سابقا قام النظام السعودي بالتفاوض مع منظمتي القاعدة و طالبان الأفغانية لمقايضة الأمن السعودي و أمن الأسرة الحاكمة مقابل مبالغ من المال قدرت بما يزيد عن 400 مليون دولار أمريكي دفعت لمنظمة القاعدة فقط و ذلك قبل أحداث 11 من سبتمبر 2001 ( ظهرت تفاصيلها في تقرير لجنة الكونجرس الأمريكي عن أحداث 11 سبتمبر). و القاعدة نفسها منظمة غير محصنة من الإختراق إذ تمَ إختراقها من قبل الكثير من أجهزة الإستخبارات الإقليمية و الدولية بما فيها السعودية و إيران و إسرائيل و الأمريكيون أيضا، فلا يستبعد وجود مؤامرة أكبر من القاعدة وراء إستهداف أفراد الأسرة الحاكمة السعودية تجهيزا لخلق ساحة معركة في الداخل السعودي هذه المرة.
رسائل البريد الإلكتروني و أحاديث المجالس المغلقة تتحدث بإسهاب عن محاولة الإنقلاب الفاشلة التي قام بها بندر بن سلطان الأمين السابق لمجلس الأمن الوطني السعودي و المسؤول الأول عن ملف المؤامرات التي تحاك في المنطقة بالتنسيق مع الإستخبارات الأمريكية و الإسرائيلية ضد الخط المقاوم للنفوذ الأمريكي الإسرائيلي، مع صمت إعلامي رسمي تام عن المحاولة الإنقلابية التي دبرت من قبل أحد أفراد الأسرة الحاكمة (توجد شكوك قوية لدى أعمدة الحكم بأن الأمريكيين قد لعبوا دورا للتخطيط لهذه المحاولة الإنقلابية الفاشلة بغرض تسليم الحكم للجيل الثالث من أسرة آل سعود مثل بندر بن سلطان المقرب من التيار المتشدد في أمريكا).
مسؤولون عراقيون يصرحون بتورط النظام السعودي في إمداد و تمويل التكفيريين و البعثيين للعبث بالأمن العراقي و نشر الفتنة المذهبية بغرض عرقلة العملية السياسية في العراق . بينما السعودية تعترض بشدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية على عزم الأخيرة عقد صفقة بيع طائرات إف-16 للعراق . و لايقف الأمر عند ذلك بل تعمل السعودية بكل جدية على بناء سور إسمنتي عازل و مزوَد بالتحصينات الإلكترونية على طول حدودها الشمالية المشتركة مع العراق.
و القلق الكبير الذي يؤرق المسؤولين السعوديين حاليا هو على حدودهم الجنوبية نتيجة للقتال الشرس بين الجيش اليمني و المقاتلين الحوثيين أتباع المذهب الزيدي الذي ينتسب إليه أغلبية الشعب اليمني بمن فيهم أعمدة الحكم هناك مثل الرئيس علي عبدالله صالح ، إذ ترى فيه السعودية تدخلا إيرانيا في شؤون الجزيرة العربية يهدد مباشرة أمنها القومي لدرجة تستدعي تدخلهم المباشر في الصراع العسكري بقصف مواقع الحوثيين ، بينما الإيرانيون ينكرون ذلك و يصفون الصراع اليمني بأنه شأن داخلي و لا شأن لإيران به و ينكرون على السعوديين تدخلهم في الصراع و إشعال فتنته.
أقطاب المعارضة السعودية في الخارج مثل الدكتور سعد الفقيه و الدكتور محمد المسعري من بريطانيا بدأوا يكثفوا حملاتهم الإعلامية ضد النظام السعودي و تعرية النظام بتسليط الأضواء على خلافاتهم العائلية و فسادهم المالي و الإداري.
وزارة الداخلية السعودية تكثف من قمعها للشعب السعودي في الداخل عن طريق ذراعها الديني في الدولة- هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر التي تقوم بأعمال إستفزازية ضد القوى الليبرالية و الأقليات المذهبية ، و تكثف من إضطهاد النساء باعثة برسالة قوية للداخل و الخارج بأن جناح الحكم السعودي المتحالف مع الوهابية سيصمد في أي معركة للتغيير تنتهي بنزع السلطان من أيديهم.
الوضع العام الداخلي كما ناقشته التقارير الصادرة عن البعثات الديبلوماسية داخل السعودية ، لا ينم عن إستقرار و طمأنينة فالفقر يتزايد بين أفراد الشعب و الطبقة الوسطى تتناقص في العدد بإتجاه الفقر ، المشكلة السكنية لا تتوفر لها أية حلول عملية و الغالبية العظمى من الشعب السعودي لا تملك المسكن الخاص بها ، القروض المصرفية أصبحت أكثر صعوبة و حالة التقشف أصبحت القاعدة العامة للعيش للأغلبية بينما فساد الأمراء و بطاناتهم تفوح رائحته ، البطالة بين أفراد الشعب السعودي في إزدياد و لا يوجد برامج واقعية لمعالجة هذه المشكلة ، المناهج التعليمية تتميز بتخلفها عن اللحاق بركب العصر الحديث غالبة عليها روح التطرف الديني الوهابي و بعيدة عن تأهيل المتخرج لسوق العمل ، و الوضع الأمني العام نفسه في تدهور مخيف يشهد عليه إزدياد نسبة الجريمة بشتى أنواعها ، بينما جيل الشباب يغلب عليه التذمر من الوضع البائس إضافة إلى القمع المتزايد لحرياتهم الشخصية من المؤسسات الدينية الرسمية المدعومة من وزارة الداخلية.
كان القادة السعوديون يفتخرون دائما بأن بلدهم يتميًز عن بقية دول المنطقة بتوفر الأمن للجميع و برفاهية المستوى المعيشي التي تتفوق على مستوى المعيشة في البلاد العربية الأخرى ، بينما الوضع الحالي التي تعيشه المملكة السعودية لا يدل على ذلك . و إذا إجتمعت الظروف الداخلية المضطربة مع توتر العلاقات الخارجية سواء مع الأعداء أم الحلفاء ( الشكوك القوية من تصرفات الولايات المتحدة سواء بدعمهم المحاولة الإنقلابية لبندر بن سلطان أم بدخولهم في مفاوضات مباشرة مع الإيرانيين للوصول لحل نهائي عن طريق صفقة شاملة لترتيب شؤون المنطقة ) فإنَ ذلك سيجر لا محالة لتغيير جذري في تركيبة النظام السعودي سواء بالتغيير الشامل في الشكل و الجوهر للجهاز الحاكم و طريقة إدارته لشؤون الدولة ، أو سقوط النظام عن العرش لترسم خرائط جيوسياسية جديدة تتناسب مع النظام العالمي الجديد.
لقد صمد نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين لمدة ثلاثة عشر عاما بعد بدأ الحصار الدولي عليه و ذلك بعد غزوه الكويت و ضمها للعراق، و في النهاية كان القرار لإزالة نظامه قد إتخذ في الغرف السوداء لنظام الرئيس جورج بوش الإبن لأنَ النظام الدولي الجديد بقيادة الشركات المتعددة الجنسيات رأت أنَ الوقت قد حان لينهوا مهمة طال أمدها و كان يمنع من تنفيذها الصراعات الدولية السابقة بالإضافة للإختلافات بين الأمريكيين و القوى الإقليمية المؤثرة في الشأن العراقي و هي إيران، السعودية، سوريا و تركيا إذ أن هذه الإختلافات في إيجاد البديل لنظام صدام قد ساعدت في إطالة عمر النظام.
ما يخص التركيبة الحالية للنظام السعودي فالعامل الرئيسي الذي سيقرر التوقيت لإحداث تغيير جذري في النظام هو تطور الأمور بين اللاعب الدولي الرئيسي في المنطقة- الولايات المتحدة الأمريكية و اللاعبين الإقليميين مثل إيران فإن إستمرت العلاقات الأمريكية الإيرانية في وضع تصادمي كما هي عليه الآن فإن ذلك سيعطي فرصة للتنفس للأسرة السعودية و لكن إذا ما قدِر لهذه العلاقات بالتحسن (و هذا على جدول الأولويات للإدارة الأمريكية الحالية التي تعمل عليها لأسباب جيوسياسية دولية لا علاقة لها بالخلافات الأيديولوجية مع الإيرانيين ) سواء بتغيير النظام الحالي في إيران أو بمصالحة مع النظام الثيوقراطي في إيران فإنَ ذلك سيشكِل ضغوطا هائلة على أسرة آل سعود لتغيير إستراتيجيتهم إذ أنهم سيدخلون في صراع لأجل البقاء و إن فشلوا فليس لهم إلآ الرحيل