ينتشر في عالمنا العربي مئات المحطات الفضائية غالبيتها العظمى متخصصة في البرامج الهابطة من الرقص الى الفساد تعمل على تسطيح الفكر العربي، يقوم على تلك “البرامج” أشخاص يلقبون انفسهم بـ “إعلامي، صحفي” لا يستطيع احدهم أن يكوّن جملة مفيدة أو يطرح سؤالاً ذات مغزى، تراه يتلعثم إن لم يقرأ المعدّ له مسبقاً أو إن أصاب الشاشة التي امامه خلل ما، مما يؤكد فعلاً أن تلك المهن أصبح غالبية روادها من الراسبين في الثانوية العامه أو الحاصلين على معدلات متدنية تعطيهم فقط فرصة دراسة تخصص كان لا يُقبل على دراسته أحد وبالطبع لا ننسى الواسطة والمحسوبية التي تتفشى كثيراً في مجال الاعلام العربي، ونلمس ذلك بالمستوى الهابط لمعظم البرامج ومقدميها في فضائياتنا، وكذلك لا نجد على امتداد العالم العربي إلا عدة صحفيين جادين ربما لا يتجاوز عددهم اصابع اليد يستحقون المتابعته وقراءة ما يكتبون لا ترعبهم كراهية الانظمة وملاحقة اجهزتها الأمنية ولا يخيفهم الاعتقال ولا التواجد الدائم على أبواب المحاكم، هؤلاء هم من صنع لنفسه المكانة وأعطى لقب “صحفي” الأهمية بخلاف اولئك الذين يحتاجون دائماً لدورات محو أمية، أولئك الذين منحهم اللقب المكانة وأعطاهم الأهمية لكثرة التمسح بأذيال السلطة ويمكنهم بكل سهولة كسر اقلامهم وشراء ذمتهم وتغيير اتجاهاتهم، هؤلاء لا يريدون إلا السلامة والفوز بالأعطية.
حتى نكون واقعيين بالحكم ونحسن المقارنة لا بد لنا من ذكر الصحفي السويدي “دونالد بوستروم” الاسم اللامع والصحفي المدافع عن القضايا العادلة وهو الذي فجر زلزالاً مدوياً واخترق كل المحرمات التي يحيط الكيان الصهيوني نفسه بها ففضح بمقالته (أبناؤنا نهبت أعضاؤهم) سرقة اعضاء الشهداء في فلسطين والاتجار بها، قام بكشف ما لا يستطيع أحد الاقتراب اليه، ولنتسائل بكل براءة أين من يسمون أنفسهم بـ “الاعلاميين” من هذه الجريمة الكبرى التي يضيفها الكيان الصهيوني الى جرائمه؟ بالطبع هم يلهثون خلف حثالات البشر يستضيفونهم ويخفون حقيقتهم، فسقهم وفجورهم، فسادهم، ويقدموهم للأجيال الشابة كنماذج يُحتذى بها، ويبتعدون كثيراً عن قضايا أمتهم وما يزعج أسيادهم فلا يستضيفون على شاشاتهم إلا من يسبح بحمدهم وينافق ويدعو لهم بطول البقاء وتُغلق شاشاتهم بوجه من يُعارض سياساتهم أو يكشف عمالاتهم وخيانتهم لشعوبهم.
دونالد بوستروم صحفي جاء من أخر الدنيا ليؤدي واجب الصحفي العربي الذي يبتلع لسانه ويجف قلمه عن ذكر حقيقة الكيان الصهيوني، قام بواجب المناضلين سابقاً الذين تقاطروا لحضور مؤتمر رشاهم به الصهيوني لإنهاء قضية شعب مشرد في كل بقاع الدنيا، مناضلين صرفت سلطتهم الملايين لتدريب قوات أمن تقتل وتقمع وتكمم الأفواه وتزج بسجونها كل الباحثين عن خلاص منهم وممن جاء بهم، هذا الصحفي السويدي لم ترعبة الأفعى فدخل جحرها كاشفاً ما ترتكبه من جرائم ومحملاً الاحتلال نتائج إجرامه وسياسته العنصرية، لم يدخله كالمناضلين القدماء منبطحاً ولا رافعاً راية الاستسلام، اولئك الذين لم يسمعوا صوت الانفجار ولم تعنيهم تلك الحقائق التي تقشعر لها الأبدان، فالمجرم الصهيوني لا يكتفي بالقتل بل يستمتع بالقتل وامتهان كرامة الانسان حياً وميتاً ويسرق الاعضاء ليبيعها وهم مثله يمارسون القتل والتعذيب في سجونهم فكيف سيعترضون عليه!!!
هذا الصحفي تحلى بشجاعة فائقة ولم يكترث للثمن الباهظ الذي قد يكلفه حياته بعدما تلقى التهديد بالقتل والاتهام بمعاداة السامية وأصرّ على نشر حقيقة ما ارتكبه الصهيوني بحق الشهيد بلال غانم الذي صوره بنفسه وروايات أسر الشهداء التي تسلمت جثث ابنائها وعليها أثار “عمليات تشريح” اجراها الصهيوني بحجة معرفة سبب وفاة شهداء سقطوا برصاص جنوده وتسليم جثثهم ليلاً الأمر الذي أثار استغراب وشكوك الصحفي السويدي بأن هناك جريمة أخرى تُرتكب بحق هؤلاء الشهداء يجب متابعتها والتحقيق بها. والجدير بالذكر أن صحيفة افتون بلاديت التي نشرت المقالة والحكومة السويدية وغالبية الشعب السويدي يرفضون الاعتذار رغم حالة الجنون التي اصابت الكيان الصهيوني بالدعوة لمعاقبة الصحفي وجريدته ومقاطعة السويد وبضائعه.
ما يثير الاستغراب والشكوك صمت الاعلام العربي عن مجرد ذكر ما جرى بخبر وأغلاق شاشاته بوجه هذا الصحفي الشريف في الوقت الذي ضجت لمقالته الدنيا وكأن الأمر لا يعنيهم وغابت سلطة الممثل الشرعي والوحيد عن الوعي حرصاً على “تجميد الاستيطان” وإقامة امبراطورية منزوعة كل شيء على ما بقي من اراضي الضفة فأمام الصهيوني تصمت كل الكلاب النابحة المدافعة كذباً عن حرية الرأي ويقف هذا الصحفي الشجاع وحيداً بمواجهة الاتهام بمعاداة السامية والتهديد بالقتل، فأين من يدّعون الموضوعية ويلوذون خلف الرأي والرأي الآخر ولماذا غاب دونالد بوستروم عن شاشتهم وهو الذي أثبت بمقالته ما عجز عن إثباته كل العربان؟