أرشيف - غير مصنف
الدور ألأمريكى: أين من النجاح؟
دكتور ناجى صادق شراب
لا شك أن ألادارة ألأمريكية الحالية تتوفر لها فرص وامكانات نجاح أكبر من سابقاتها فى امكانية التوصل الى تسوية سياسية للصراع العربى الاسرائيلى ، وقيام دولة فلسطينية قد يشكل قيامها مرحلة سياسية جديده فى تاريخ المنطقة وياتى فى مقدمة هذه ألأمكانات تولى الرئيس أوباما الحكم واصرارة على استعادة الصدقية للسياسة ألأمريكية من خلال ايلاء اهتمام أكبر وجدى للقضية الفلسطينية تمثل فى العديد من المؤشرات اهمها تعيينه ممثلا مخضرما فى ادارة الصراعات الدولية السيد جورج ميتشل ، والذى فى زيارات دائمه للمنطقه وفى تصريحاته السياسية التى تؤكد على حل هذا الصراع وفى الظروف ألاقليمية العربية التى ما زالت توفر فرصة للقبول بالتسوية ـ وحتى على المستوى الفلسطينيى ورغم حالة الانقسام والانشقاق السياسى بين القوتين الرئيسيتين فتح وحماس الا ان هناك سلطة سياسية ممثله فى الرئاسه على استعداد للذهاب بعيدا فى خيار المفاوضات لكن دون تنازل عن الحد الأدنى من الثوابت
الوطنية الفلسطينية وفى مقدمتها قيام الدولة الفلسطينية ،ويبقى التحدى ألأكبر الذى يواجه الدور ألأمريكى هو الموقف الرافض للحكومة اليمينية فى اسرائيل برئاسة نيتينياهو ووزير خارجيته ليبرمان ، وفى مقدمة هذه التحديات استمرارها فى عملية بناء الاستيطان الذى ينسف حل الدولتين .وصحيح انه حتى ألأن لم يحدث أى اختراق أو قوة دفع ذاتيه يمكن أن تنطلق بعملية التسوية ، وعلى الرغم من أهمية الدور ومحوريته الذى يمكن ان يقوم به الرئيس ألأمريكى ألا أن هناك معيقات كثيره ستواجه هذا الدور أهمها الدور الذى يلعبه اعضاء الكونجرس ألأمريكى الموالى لاسرائيل وتبنى وجهة نظرها فى مطالبة الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل مقابل تعهد غير مضمون بوقف ألاستيطان وهو ما يعنى ان اسرائيل قد كسبت الجولة ألأولى من المفاوضات حتى قبل ان تبدأ. وهناك الدور الرافض للحركات الاسلامية وخصوصا حركة حماس ، ولعل العامل المهم فى هذا السياق هل تملك الولايات المتحده رؤيةمتوازنه يمكن أن تكون مقبوله من أطراف الصراع ؟ وابتداء يؤخذ على هذا الدور أمران سلبيان ألأول ان المفاوض ألأمريكى يركز على امكانية التوصل ألى اتفاقات للسلام فقط وهو نفس المنهج الذى اعتمدت علية ادارة الرئيس كارتر ، ولا تركز على السلام كعملية قائمه فى ذاتها توفر كل الضمانات لسلام يتولد ذاتيا ،وألأمر الثانى ان الولايات المتحده وحتى ألأن لم تتحرر بالكامل من منهج ادارة حل المشكله ، وتعتمد جزئيا على منهج حل المشكله ، ويتضح ذلك فى تأييد قيام الدولة الفلسطينية ، لكنها فى الوقت ذاته لا تملك الرؤية الواضحة للمشاكل ألأساسية كقضية اللاجئيين او القدس والمستوطنات وهى هنا أقرب الى الموقف الأسرائيلى منه الى الموقف العربى الفلسطينيى .وحتى هذه اللحظة فالأدارة ألأمريكية لا تملك الا رؤية الدولتين ، وهذا غير كاف لضمان نجاح الدور ألأمريكى . ومع ذلك تتوفر لهذه ألادارة رؤية أكثر وضوحا من سابقاتها ، وتتوفر لديها تراثا تفاوضيا كبيرا قد يساهم فى طرح أفكارا أكثر واقعية ومرونة , وأكثر قابلية للتنفيذ ، وتتوفر لديها مرجعيات ومبادرات كثيرة ومتنوعه تسمح لها بامكانية بلورةرؤية ومبادرة أكثر شمولية . وتتوفر لديها ايضا تفهما كاملا عن مواقف ألأطراف ، ولا ينقصها الا الصياغة الأكثر حيادية .وموضوعية وشفافية . وعليه ، لكى ينجح هذا الدور المطلوب من الولايات المتحده ومن الرئيس أوباما نفسه الانغماس بشكل مباشر وفاعل ومؤثر لامكانية التوصل الى اتفاق للسلام ، وكا أشرت قد يكون ذلك نقصا فى الدور ألأمريكى ، لكن فى الوقت ذاته لا بد من التأكيد على صعوبة الوصول الى اتفاق سلام ينهى كل شئ ، لكن المطلوب هو من نوع الاتفاقات التى يمكن البناء عليها ، اتفاق أساس وفى الوقت ذاته اتفاق مفتوح يحفظ للجميع حقوقهم دون التنازع أو التصادم ، فبعض القضايا قد لاتحلها اتفاقات مكتوبه بل قد تحل عبر نمط من العلاقات والتفاعل والمشاريع المشتركه فى المستقبل وهذا يتطلب اعادة بناء منظومة القيم التى تسمح بالقبول والتعايش المبادل .ويتطلب نجاح الدور ألأمريكى موقفا واضحا ومتميزا عن الموقف ألاسرائيلى حتى يشعر الطرف العربى والفلسطينى بصدقية هذا الدور ، وهنا الحزم من قضية المستوطنات وعدم التراجع فيها والابتعاد عن المواقف الوسطية ، والاصرار على عزم ألادارة ألأمريكية على تنفيذ حل الدولتين بكل الطرق وألساليب بما فيها اللجؤ الى مجلس ألمن أوتسهيل قرار فى ذلك ، وعلى اسرائيل ان تدرك هذا الموقف ، ولعل هذا أحد أهم نجاح الدور ألأمريكى أن تتدرك اسرائيل أن الولايات المتحده جاده هذه المرة الى التوصل الى تسوية سياسية مقبوله للقضية والصراع العربى ألأسرائيلى . وذلك بصرف النظر عن المحددات والمعيقات الداخلية التى قد يمارسها اللوبى الصهيونى وأن ما تقوم به الولايات المتحده لا يعنى التخلى عن التزامها بامن وبقاء اسرائيل . وعلى الولايات المتحده أن تؤكد فى هذا السياق على أن بقاء اسرائيل وأمنها يتحققان عبر عملية سلام حقيقة وعادله بعيده عن مفاهيم ألأمن والاحتلال والتوسع ونكران حقوق الشعب الفلسطينى ، وفلسطينيا على الولايات المتحده أن تؤكد على عزمها على قيام الدولة الفلسطينية بكل الوسائل ، وعلى الفلسطينيين أن يدركوا التزام الولايات المتحده بأولوياتها فى المنطقة ، وان طريق المفاوضات والسلام هو أقصر الطرق للوصول لحل للقضية الفلسطينية ، ويتوقف هذا على جدية الدور الأمريكى ومصداقيته على ألأرض . وعربيا أن تتعامل بايجابية مع المبادرة العربية ، وأن تدرك الولايات المتحده أن هذه المبادرة تشكل تحولا هاما فى السلوك السياسى العربى واستعداد الدول العربية لعلاقات وتطبيع مع اسرائيل مقابل التزام ألأخيرة باستحقاقات السلام بالانسحاب أولا من كل ألأراضى العربية التى تحتلها ، وبالاستجابة لقرارات الشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية . وأن تدرك أيضا أن هذه المبادرة تقدم اقصى ما يمكن قبوله عربيا .ولكى تنجح الولايات المتحده فى دورها عليها ممارسة نفس النفوذ والتأثير على جميع ألأطراف بالتأكيد ان السلام هو ألخيار ألأفضل ،واذا لم تساهمجميعها فى انجاح هذا الدور فالخسارة ستكون كبيرة على المستقبل السياسى لكل المنطقة فى ضؤ التحولات فى موازين القوى التى تشهدها المنطقة . وكل هذه ألأجراءات تصب فى اطار بناء بنية للسلام يمكن ان توفر قوى الدفع الذاتية لاستمرار عملية السلام التى قد تحتاج الى وقت طويل وهذا هو الخطأ الذى وقعت فية السياسة ألأمريكية فى السابق أنها لم تبحث عن بناء حقيقى للسلام وهو ما يفسر التقطع فى عملية السلام لدرجة الدوران حول نفس النقطة . واخيرا بقدر المصداقية والجدية والشفافية فى الدور الأمريكى بقدر نجاح هذا الدور ، وبقدر احساس أطراف الصراع جميعها انها ستقترب أكثر من مطالبها وثوابتها بقدر النجاح أيضا . فالسلام لن تصنعه الولايات المتحده ، بل ستصنعه ألأطراف نفسها وخصوصا الجانب ألأسرائيلى الذى يشكل التحدى ألأكبر للولايات المتحده لأن اسرائيل حتى هذه اللحظة غير ناضجه أيدولوجيا وسياسيا للسلام ؟ ويبقى السؤال كيف ستتصرف الولايات المتحده ؟
دكتور ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه