أرشيف - غير مصنف
محاكمة الإصلاحيين هل هو إرضاء لأمريكا ؟
صباح الموسوي
ربما لا يشكل خبر الكشف عن تورط عدد من أعضاء البرلمان الإيراني في قضية تعذيب وقتل المعتقلين على خلفية الاحتجاجات التي اندلعت عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ‘ و التي اسماها المعترضون بعملية‘‘ الانتخابات انقلابية ‘‘ مفاجئة‘ فتورط قيادات إيرانية عليا في ارتكاب جرائم بحق معارضين ليس بالأمر الجديد على هذا النظام ‘ فيكفي معرفة ان الرئيس الايراني احمدي نجاد كان مشاركا في عملية قتل الزعيم الكردي الايراني عبدالرحمن قاسملو في النمسا عام1989‘ كما ان العديد ممن تبوئوا مناصب عليا في السلطة والنظام كانوا متورطين بجرائم تعذيب وإبادة بحق أبناء الشعوب والقوميات الإيرانية‘ هذا ناهيك عن مشاركة العديد منهم في عمليات إرهابية خارجية‘ وعلى سبيل المثال تورط وزير الدفاع السابق الأدميرال حرس ثوري ” علي شمخاني ” في تفجيرات الكويت عام 1984م ‘ وهكذا الأمر بالنسبة لوزير الدفاع الجديد العميد حرس ثوري” أحمد وحيدي ” فاسمه يوجد على لائحة المطلوبين للشرطة الدولية “الانتربول” لضلوعه في عملية تفجير إرهابية في الأرجنتين عام 1994.
ولكن المفاجئة تكمن عند ما يعرف الجميع ان الرئيس الإيراني احمدي نجاد الذي لم يفتأ وهو يطلق الشعارات المعادية لأمريكا ويتهم منافسوه بالعمالة للغرب والولايات المتحدة تحديدا‘ أصبح من أكثر المسؤولين الإيرانيين تحمسا للحوار السري مع أمريكا وقد سبق له ان قام بإجراء العديد منها عبر وسطاء إيرانيين و أجانب خلال السنوات الأربعة الماضية‘ وهناك توقعات بإجراء المزيد من هذه الحوارات التي يتوقع ان تشهد تراجعا في الموقف بشأن الملف النووي الإيراني كمقدمة لإنجاح هذه الحوارات السرية خلال الفترة القادمة. فبعض المراقبين يعتقدون ان حملة الاعتقالات التي شنت في أوساط الإصلاحيين قد جاءت في هذا الإطار ‘ خصوصا إذا ما علمنا ان اغلب المعتقلين الذي تجري محاكمتهم حاليا هم من العناصر التي كانت قد شاركت في احتلال السفارة الأمريكية في طهران عام 1980 ‘ و ربما تكون محاكمات المعتقلين المعترضين على ما عرف بالانتخابات الانقلابية‘ هي بالأساس مدخلا لرفع مستوى المفاوضات الإيرانية الأمريكية وإخراجها من طابعها السري الى العلني . فهذه المحاكمات وعلى الرغم من اعتراض العديد من المرجع الدينية وغير الدينية الموالية للنظام عليها ‘ إلا انها مازالت مستمرة و مستهدفة العديد من الشخصيات التي كانت رمزا للاغتيالات والإرهاب السياسي في الجمهورية الإيرانية ‘ ومن بينها ” سعيد حجاريان ” الذي يعد من مؤسسي جهاز الاستخبارات الإيرانية والذي أصبح فيما بعد واحدا من قادة ومفكري الإصلاحيين ‘ بالإضافة الى آخرين كانوا في يوم من الأيام سجانون و جلادين لمعارضي النظام ‘ من أمثال ‘ ميردامادي ‘ نبوي ‘ تاج زاده‘قوچانی و رمضان زادة وغيرهم ‘ فهؤلاء أصبح كل واحدا منهم اليوم في زنزانة انفرادية بعيدا عن الآخر ينتظر مصيره المجهول ‘ خصوصا وان اغلبهم قد أدلا باعترافات عن سعيهم للقيام بانقلاب مزعوم على السلطة للإطاحة بالولي الفقيه . وهؤلاء جميعهم كانوا من كوادر الثورة عام 1979 ومن الذين على أكتافهم قام نظام الجمهورية الإسلامية‘ وبهم أدار النظام البلاد خلال فترة حرب الثمانية أعوام مع العراق ‘ وكان هؤلاء السدنة والأعمدة التي آزرت نظام الملالي في أحلك الظروف التي مر بها . إلا أنهم الآن ‘ وبعد ان غشي الشيب رؤوسهم و لحاياهم ‘ وأصبحت أعينهم مرهقة من قلت النوم ‘ أصبحوا يلاقون التعذيب والمحاكمات على أيدي أشخاص لا احد يعرف اين كانوا أو ماذا كانوا يفعلون قبل سنوات مضت . طبعا المدبر و المدير لكل هذه المحاكمات من خلف الستار هو الرئيس احمدي نجاد . فالرئيس و الادعاء العام وجميع المشتركون معه في هذا المخطط يبذلون جل اهتمامهم لكي يثبتوا للناس انه لم يحدث أي تزوير في الانتخابات الرئاسية ‘ و لهذا نرى ان اعترافات جميع المعتقلين قد تركزت على هذه النقطة تحديدا.
و لكن لو لم يكن هناك انقلابا قد حدث من قبل جناح السلطة ‘ ولم تجري عملية تزوير لنتائج الانتخابات ( حسب رأي الجناح الإصلاحي )‘ فهل كان هناك حاجة لكل هذه الفضائح التي تعرض لها من كانوا سدنة لنظام الجمهورية الإسلامية طوال ال 30 عاما الماضية ؟.
لقد تزامن توقيت محاكمة من ادعت السلطات أنهم كانوا ينون القيام بثورة مخملية ( أي قادة الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية ) نشر خبرين مهمين تناقلتهما وكالات الأنباء العالمية و لا شك أنهما على علاقة بعملية ” الانتخابات الانقلابية ” و المحاكمات الجارية . فالخبر الاول تحدث عن عزم الرئيس الإيراني احمدي نجاد السفر الى الولايات المتحدة الأمريكية بحجة المشاركة بالاجتماع السنوي لمنظمة الأمم المتحدة والقيام بمباحثات سرية يتوقع ان يجريها مع الإدارة الأمريكية وهي مباحثات قد هيئت مقدماتها من قبل وسطاء معروفين . ام الخبر الثاني ‘ فهو يتعلق بالتراجع الإيراني بخصوص الملف النووي ‘ فهذا التراجع وان كان تكتيكا إلا انه بحد ذاته يوحي بوجود أزمة وضعف داخل السلطة و لهذا فان النظام الإيراني مجبر على الإقرار بهذا التراجع وان كان من باب التكتيك . و بحسب هذا الخبر فان النظام الإيراني قد أبلغ وكالة الطاقة الذرية وقف تخصيب اليورانيوم في مفاعل نطنز كمقدمة للحوار مع دول الخمسة زائد واحد .
فهذين الخبرين‘ حسب رأي المتابعين للازمة الإيرانية ‘ هما تأييدا للتوقعات السابقة حول العملية الانقلابية التي قام بها المحافظون و الضعف الداخلي الذي تواجهه السلطة . وهذا يثبت ان السلطة التي تعاني ضعفا في مشروعيتها ليس لها أي خيار أو طريق آخر للحفاظ على وجودها ‘سوى الاستجابة لمطالب القوى الكبرى . ولهذا علينا ان ننظر الى الثمن الذي يتوقع الرئيس احمدي نجاد ان يحصل عليه من الولايات المتحدة الأمريكية مقابل قمعه لليسار الديني و الإصلاحيون من أبناء النظام . فهؤلاء الذين كانوا في يوم من الأيام يسمون أنفسهم “ الطلبة السائرون على خط الإمام ” هم الذين قاموا باحتلال السفارة الأمريكية وتسببوا بالقطيعة التي حصلت ( ظاهريا ) بين طهران و واشنطن .
فهل هناك من ثمن يرجوه احمدي نجاد سوى الاعتراف بشرعية سيده الولي الفقيه وحكومته العتيدة ؟.
صباح الموسوي
كاتب احوازي
06/09/2009