أكد مسئول في الإغاثة الإسلامية بالولايات المتحدة أن العمل الخيري وإن كان يشهد منذ ثلاث سنوات انفراجة تدريجية فإنه شهد خطوات غير مسبوقة في أول رمضان في عهد الرئيس باراك أوباما، لافتا إلى أن توجيه جزء من جهود الإغاثة لمستحقيها بالمجتمع الأمريكي على اختلاف معتقداتهم أدى إلى تحسين صورة العمل الخيري الإسلامي وفتح أمامه الكثير من الأبواب المغلقة.
وبينما لم ينف البعض دور خطاب أوباما للعالم الإسلامي في نزع الخوف من التبرع من قلوب الآلاف من مسلمي أمريكا والذي زُرِعَ بعد أحداث سبتمبر وما تبعها من قوانين شددت القيود على المؤسسات الإسلامية، أكد آخرون أن ما شمله الخطاب من وعود لم يتجاوز الكلمات إلى إجراءات تطبيقية تلمسها المؤسسات الإسلامية بالولايات المتحدة.
وفي تصريحات خاصة لـ”إسلام أون لاين.نت”، قال أحمد شحاتة، مدير مكتب الإغاثة الإسلامية بولاية شيكاجو الأمريكية إن “الضغوط التي فرضت على العمل الخيري في أعقاب أحداث 11سبتمبر بدأت في الانفراج تدريجيا منذ نحو 3 سنوات”، مشيرا إلى أن “تأثيرها كان على المتبرع أكثر من المؤسسات نفسها”.
وأردف: “ففي عام 2006 وصلت قيمة التبرعات العينية والمادية التي حصلتها مؤسستنا 40 مليون دولار، وفي 2007 تعدت الـ 60 مليونا، وزادت العام الماضي عن 70 مليونا، لكنها شهدت خلال أول رمضان في عهد الرئيس أوباما خطوات غير مسبوقة”.
وأوضح شحاتة: “فقبل شهر رمضان الجاري بأسبوع حصلنا على تصريح من الحكومة الأمريكية يسمح لنا بتمويل مشروعات خيرية وإغاثية بشكل مباشر في مجالات محددة داخل قطاع غزة، كتقديم المساعدات الغذائية وكفالة الأيتام والأسر الفقيرة وتأثيث المستشفيات”.
وأكد قائلا: “هذا التصريح يعد الأول من نوعه لمؤسسة إسلامية أمريكية، فضلا عن أننا جمعنا في أحداث غزة الأخيرة ما يقرب من 12 مليون دولار كتبرعات، وفي أحداث وادي سوات بباكستان جمعنا خلال ثلاثة أسابيع نحو مليوني دولار كمساعدات للاجئين” الذين شردهم القتال المحتدم خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة بين القوات الحكومية وعناصر حركة طالبان.
واستشهد شحاتة ببعد آخر يعكس تلك الانفراجة قائلا: “ما بين 60% إلى 70% من التبرعات التي جمعتها المؤسسة خلال السنوات الثلاث الماضية آتية من قبل أفراد وهيئات أمريكية غير مسلمة”، معتبرا هذا “دلالة على مساحة الثقة بالرغم من جميع الحملات الإعلامية التي شوهت العمل الخيري الإسلامي في السنوات الماضية والتي أراها الآن في تراجع مستمر”.
يوم الرحمة
ومن أبرز العوامل التي رآها شحاتة قد أثرت إيجابيا لصالح العمل الخيري الإسلامي بالولايات المتحدة “توجيه جزء من الجهود الإغاثية لمستحقيها في المجتمع الأمريكي”.
وقال: “بدأنا نتجه في المشروعات الخيرية إلى داخل الولايات المتحدة بجانب تمويل المشروعات الخيرية خارجها”، مشيرا إلى وجود 40 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر وفق تقرير أمريكي صدر قبل شهرين.
وفي هذا الإطار أشار شحاتة إلى أنه “خلال رمضان الحالي خصصنا يوما أسبوعيا أطلقنا عليه يوم الرحمة؛ حيث نذهب إلى أماكن تجمع الفقراء في مدن أمريكية مختلفة وتوزيع مساعدات عليهم بالتنسيق مع المسئولين الأمريكيين بتلك المدن”.
وشدد على أن “التوجه للداخل يعطي مصداقية للمؤسسات الخيرية الإسلامية الأمريكية؛ فإذا كنا نرفع شعار الهوية الإسلامية بجانب المواطنة الأمريكية فكيف لا نساهم في حل مشاكل المجتمع الأمريكي الداخلية”، مضيفا: “عندما يكتب في سجلاتك أنك أرسلت مساعدات إلى الخارج، وبجانبها أنك قدمت مساعدات للداخل، فإن هذا يجعل المسئولين ينظرون إليك نظرة إيجابية”.
وتابع: “المسئولون كانوا يأخذون علينا أننا ننهل من خير أمريكا ثم نرسله للخارج، وننساها وقت الأزمات؛ وهذا ما دفعنا للتوجه للداخل بمشروعات خيرية تعود بالنفع على المواطن الأمريكي سواء مسلم أو غير مسلم، الأمر الذي من شأنه فتح الكثير من الأبواب المغلقة أمام العمل الخيري الإسلامي”.
يذكر أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يتراوح بين ستة وسبعة ملايين مسلم من أصل أكثر من 300 مليون نسمة.
بلا خوف
من جانبه أرجع د.زاهر سحلول رئيس مجلس شورى اتحاد المؤسسات الإسلامية في شيكاغو انفراجة العمل الخيري إلى “إيجابية المؤسسات الإسلامية في مواجهة القوانين والإجراءات التي استهدفتها بعد أحداث 11سبتمبر، ولا يرتبط ذلك بتغيير الإدارة الأمريكية”، لافتا إلى أنه “رغم ذلك لا يمكن تجاهل أن خطاب الرئيس أوباما رفع معنويات مسلمي أمريكا ونزع عنهم حالة الخوف من التبرع”.
وقال: “بدأنا بتكثيف هذه الجهود منذ عام 2004، ومن بينها حملات بالشراكة مع مؤسسات يهودية وكاثوليكية أمريكية بعنوان (العمل الخيري بلا خوف)، كما تم رفع قضايا ضد القرارات التي استهدفت غلق مؤسسات إسلامية بتهمة الإرهاب، ومن نتائج هذه الجهود أنه منذ آخر عامين في عهد بوش وحتى اليوم لم تغلق أي مؤسسة إسلامية”.
لا انفراجة
وبعكس سابقيه أكد نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، في تصريحات خاصة لـ”إسلام أون لاين.نت” أن “العمل الخيري الإسلامي ما زال يعيش حتى الآن نفس الظروف الصعبة ويعاني الضغوط المستمرة عليه منذ 11 سبتمبر”.
وتابع: “رغم سياسته التصالحية مع المسلمين وإعطائه الوعود برفع القيود عن العمل الخيري، فإن الواقع العملي في أول رمضان في عهد الرئيس أوباما، لا يشير إلى أي تغيير إيجابي في هذا الشأن، وإنما التغيير الأكبر حتى الآن هو في الخطاب فقط”.
وأردف: “بل إن الرئيس أوباما أقر بنفسه في خطابه خلال زيارته الأخيرة للقاهرة أن مسلمي أمريكا ما زالوا يواجهون صعوبات في إخراج الزكاة.. هذه المشكلة ما زالت قائمة إلى اليوم ولم تحل.. هناك حالة من القلق والخوف تسود مسلمي أمريكا من وقوعهم تحت طائلة القانون في حالة تبرعهم لأي مؤسسة خيرية إسلامية”.
وبحسب عوض فإن “هذه الأجواء السلبية دفعت بالعديد من المؤسسات الإسلامية الخيرية إلى مطالبة الرئيس أوباما بالوفاء بوعوده الانتخابية، وسرعة التحرك لمعالجة هذه المشكلة التي باتت تؤرق مسلمي أمريكا، وإرسال رسالة لهم بأنهم ليسوا مستهدفين، وأن التبرع حق دستوري كفله القانون ويمثل أبسط حقوق المواطنة الأمريكية”.
يشار إلى أن أوباما كان قد تعهد في رسالة وجهها إلى المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان بأن يتخذ “إجراءات ملموسة” لتجديد العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، بالإضافة إلى تعهده السابق خلال خطابه التاريخي الذي وجهه للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة في يونيو الماضي، بإنهاء حالة انعدام الثقة بين واشنطن والمسلمين.