يوسف جمل : مَـن حَـفــر حُـفــرةً !
لما قالوا دجاجة حفرت على رأسها عفرت كانوا يدركون أن الدجاجة تحفر بمنقارها وبأرجلها باحثة عن الحب والغذاء والحصى فمن البديهي والطبيعي أن يطال جسدها ورأسها من التراب بعضاً منه . وهذا حال كل من يكد ويعمل من أجل لقمة العيش فالزيات يظهر على هدومه والخباز والبناء والحداد و ………. وحتى أصحاب القمصان والياقات الزرقاء يطالهم التعب والعرق في كواهلهم وأنفسهم وأجسادهم .
ولكننا لما استعرنا ذلك قصدنا به أن من حفر بالمعنى السلبي يناله من حفره وكيده العفار مع أنه كان أولى أن يقال في تأكيد من يعمل ويبحث عن قوته بساعده وعقلة وضميره وحتى أرجله ومنقاره يصيبه التعب والغبار إذا ما كان مؤدياً لواجبه وبإخلاص وأمانة فيكون وسام شرف على جسده ورأسه وملابسه . وبالمقابل لا يسعى في عمله إلى الجلوس ويقوم الغير بالحفر عنه فيصابهم الغبار عوضاً عنه ويبقى نظيفاً قلباً وقالبا .
وكان المفهوم المستعار أن من عمل عملاً يكون مردوده ونتائجه ولو بعد حين على الذي قام بالعمل مهما كان نوع العمل ومهما حرص على تجنب وتحاشي أو حذر أثناء العمل كي لا يصيبه مما عمل رشة من مطر أو قليل من العفر .
وكأن ما جنت الدجاجة من الحفر كان ليس إلا قليلا من الغبار وهي إن كانت تحفر فلنفسها ولمن حولها وليس لمجرد الحفر أو لغرض مبيت أو غاية وكيد !
أما لما قالوا من حفر حفرة لأخيه وقع فيها فإنهم كانوا يقصدون وقع فيها للذي قام بالحفر مع أنه يمكن أن تفهم أيضاً أن الذي وقع فيها الذي أعدت له وهو الأخ المحفور له , ولكن هل يمكن أن يفهم أن الوقوع فيها فقط في حالة حفر الأخ لأخيه أو الابن لأبيه أو الصديق لصديقه وأن هذه العلاقة هي شرط ضروري للوقوع فيها , وبمعنى أوضح أنه في ما لو كانت الحفرة معدة لمن هو ليس أخاً أو قريباً فهل يتحقق الوقوع فيها للذي حفر أم لمن أعدت له الحفرة والمكيدة !
ما بين دجاجة حفرت ومن حفر حفرة لأخيه بون شاسع فالأسلوب والهدف والنتيجة مختلفة لكنها على الغالب تستعمل في نفس الاتجاه ولنفس الغاية بمعنى من عمل عملا يلقى نتيجته إن كان يقصد به الخير يلقاه وإن كان يقصد به الشر كالمكر والخداع والغدر والدهاء فإنه حتماً سيلقاه … يلقاه … يلقاه .