أرشيف - غير مصنف
إيران: شهية التوسع والمأزق التاريخي
زكريا النوايسة
إن المتمعن في الشأن الإيراني هذه الأيام وبعد أن انكشف غطاء التقية السياسية والدينية التي طالما غلفت أهداف السياسة الإيرانية على مدى العقود الثلاثة المنصرمة ،سيقف على عدة أمور تمثل حقيقة الواقع الإيراني ، وأولى هذه الحقائق: هشاشة الدائرة الدينية المذهبية التي حرص صنّاع السياسة في إيران إبرازها على أنها الضابط الأساسي لإيقاع الحراك السياسي في البلاد ، وهو ما ثبت فشله بعد أن تبادلت المرجعيات الدينية الاتهامـات فــي تحريضهـا علـى الرئيس أحمـدي نجــاد أو الانحياز لــــه، وثانيها: أن إيران ليست إلا دولة أمنية تعيش الهاجس الأمني وتتفاعل معه وتبني الكثير من مواقفها وردود فعلها مستندة إلى هذا الهاجس، وثالثها : أن هذه الدولة ليست معنية باستقرار المنطقة كما يشيع بعض ساستها.
فتدخلها في العراق ولبنان والخليج عموما واليمن أخيرا من خلال زرع الفتنة بين مكونات الشعب الواحد، والعمل إحداث شرخ في جسم الوحدة اليمنية بدعمها للتمرد الحوثي ذراعها المذهبي هناك يظهر مدى تنامي الحالة الافتراسية للسياسة الإيرانية في المنطقة.
وقد يصْدقُ التفسير الذي يطرحه البعض بأن ما تعيشه إيران من هزات وتجاذبات سياسية ، ليس إلا استحقاقا عادلا لما صنعته ماكنة السياسة الإيرانية سواء في إيران نفسها ،أومن خلال تدخلاتها السافرة في الشأن الداخلي للعديد من دول الجوار.
أما في الداخل الإيراني فيمكن الإشارة للإقصاء السياسي والمذهبي الذي تمارسه على أبناء المذهب السني ، والتضييق عليهم لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية وهضم الكثير من حقوقهم السياسية والدينية بالرغم من الشعارات البراقة والمزيفة المنادية لبناء الوحدة الإسلامية والتقارب بين مكونات المجتمع الإسلامي التي تطرحها هنا أو هناك.
وفي لبنان وحالته الأمنية الفسيفسائية فإن لإيران اليد الطولى في صياغة وتكوين هذه الحالة ، ومن عدل القدرة الإلهية أنها أرادت أن يكون العقاب مـن جنس العمـل ، فمـا زرعتـــه فــي لبنــان من بــذور للخـــلاف والفـرقة ،تمهيدا لتحقيق أحلامها الشيطانية بالتوسع والتمدد في الشريان العربي والإسلامي ، أصبح حصاده مرا عليها ، وهو ما نلمسه في التكوين ألفسيفسائي الذي بات يظهر بشكل جليّ على سطح السياسة الإيرانية مؤخرا.
وربما أوضح ما يكون التآمر الإيراني نراه ونلمسه يوميا في العراق البلد الجريح ، حيث كان للمخلب الإيراني الحضور الأكبر فيه ، والذي أجزم أنه نافس أوربما فاق دور الاحتلال الأمريكي في تجريد هذا البلد من سيادته وسرقة مقدراته والتآمر على وحدته ، وعلى عكس ما تطلقه إيران من شعارات زائفة ،فإن العلاقة بين الشيطان الأكبر (أمريكا ) وبين نظام الملالي كانت وثيقة جدا ،واستطاعت متكئة على أذرعها المذهبية أن تدخل العراق إلى حظيرة ولاية الفقيه تحت الحراب الأمريكية وعلى بساط من جماجم ودماء أبناء العراق الشرفاء.
ويمكن رؤية دلائل التمدد الإيراني في غير مكان ، فهو متحقق في لبنان والعراق ، ويحاول أن يغرس جذوره في الفضاء الخليجي ، وربما علينا أن نعترف بهشاشة المجابهة الخليجية لهذا التوسع الأسود ، وفي سوريا أصبح الحضور الإيراني متغلغلا في أنساغ السياسة السورية ، حتى بات من الصعب تحديد الموقف السياسي من قضية ما ،هل هو سوري ، أم إيراني الوجه والمنشأ ، أما الورطة السياسية الفلسطينية فهي في معظم جوانبها صناعة إيرانية بامتياز، وربما لو تقصينا أثر الوجود الإيراني في الأرض العربية سنقف على كثير من الحقائق ، التي أفرزها شره المشروع القومي والمذهبي الإيراني وضعف وتهاوي أركان النظام العربي.
وبالرغم من القناعة الثابتــة بأن إيـران دخلت مأزقها التـــاريخي ، إلا أن هذا لن يمنعهــا من ترسيــخ جـــذور مشروعهـــا المتـوحش في المنطقة ، وربما ستنجح في ذلك نجاحا غير مسبوق ، إلا إذا استطاع الإنسان العربـي تحديــد موقفــه بدقـة من جــدوى الارتبـاط بعلاقة حميمة مع إيران،والتـي يحـاول اللوبـي الإيراني فرضهــا قسـرا علـى العقل العربي، وكذلك الدخول في مراجعة قاسية للهدف والغاية من وراء هذا السخاء المالي الذي تفيض قنواته الإيرانية على الأرض العربية ، وإن كنّا نعلم علم اليقين إن ما تقدمه إيران لنا عسلا ،سنجنيه آجلا أم عاجلا دمارا وأشلاء وفرقة قد لا تتحقق لها وحدة إلى يوم يبعثون.