يزيد الراشد الخزاعي
ملامح أرض تشربت عرق شرفاء ناضلوا في مسيرة البناء والعطاء دون انتظار لأي مقابل، وتلاوين قدر أراد لصفحة الأوطان أن تكون ملاذاً لكل حر مستجير… كان التاريخ.. كان البناء.. كان الجوار لقدس الأقداس.. كانت الآم الحروب والتضحيات وكانت الكرامة.. نعم الكرامة العربية.. هل عرفتموه أيها القراء؟ إنه ذلك الوطن.. إنه ذلك الأردن.
نقف من هنا ونحن على أعتاب أفول عام 2009 بكل استحقاقاته الحلوة المرة ولن نخوض في هذه اللحظات في الحلقات الخارجية لملامح ذلك الأردن الشامخ ولكن سينتفض قلمنا لينثر مداداً لبعض من الوريقات الداخلية لأردن عام 2009!
يتمتع الأردن بحمد الله بجبهة داخلية يسودها الأمن والنظام العام فيما يتعلق بأمن المواطن وسلامته على أراضيه وممارسته لحياته اليومية بإطمئنان على أهله ونفسه وممتلكاته فلا مجال بأي شكل كان لإختراق الأمن الأردني وهذا إمتياز للأردن ويسجل له.
مع إقتراب نهاية عام 2009 ودخولنا عام 2010، لا بد من الإشارة لبعض الإختلالات في المجتمع الأردني، تلك الإختلالات التي تقض مضجع كل أردني حر شريف له استحقاق في بناء وطنه و واجب في تحقيق إصلاح لطالما طال إنتظاره!!
سيتناول مبضعنا جزءاً يسيراً من تلك الألام أو الدمامل المحفورة في القاموس الأردني نسخة عام 2009..
على الصعيد المجتمعي:
لقد سجل عام 2009 بامتياز ظاهرة إنتشار ما يسمى العنف المجتمعي في الأردن وهي بصراحة ظاهرة غريبة عن الأردن وغير مسبوقة حيث أنه لا يكاد يمر يوم حتى نرى ونشاهد ونسمع عن حوادث السرقات وجرائم الإغتصاب حتى الغريبة في تفاصيلها فضلاً عن جرائم القتل بضراوة غير معهودة !
اللافت للنظر هو العنف المجتمعي بشكل عام حتى في تعاملات الناس اليومية ولأسباب أكثر من بسيطة أي تافهة وبشكل غير عادي، فما الذي حدث؟ ولم كل هذا الصخب الأردني؟ هل هو الفقر؟ الجوع؟ البطالة؟ الفساد؟ هل هي سياساتنا الإعلامية والتوعوية الفاشلة؟
بالتأكيد الجواب هو كل هذه الأسباب مجتمعة بالإضافة لغياب منظومة قيمية مجتمعية أردنية واعية فالأسرة الأردنية نفسها أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة منادية بتحقيق شيء أسميته الأمن المجتمعي النوعي.
يعاني الأردن منذ أمد من إعلام سلبي لا يمثل تراثه وقيمه ولا ينقل رسالة هذا البلد الأجمل للدول الأخرى والأسباب طبعاً معروفة وهي تبوء مسؤولين بعيدين كل البعد عن أبناء الشعب الأردني و لا يمثلون النخب الثقافية الأردنية الشابة ولا يملكون حتى ملكة الإبداع الإعلامي الخلاق فضلاً عن إمتيازهم برواتب فلكية بعيدة في سقفها كل البعد حتى عن موظفي الجهاز الإعلامي الأردني فأين هي اذن هويتنا الأردنية؟ وتاريخنا؟ وهل دائماً تنفيذ الإصلاح يتطلب إنذاراً بالتنفيذ من جلالة الملك؟ لماذا لا تتم المبادرة من أصحاب المسؤولية أنفسهم؟
على صعيد البطالة:
رسمياً أظهر مسح العمالة والبطالة في الأردن والذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة ارتفاع نسبة البطالة في الربع الأول والثاني من العام الحالي 2009 بنسبة 0.8%، حيث بلغت 13% بينما كانت في فبراير12.2% و وفق المسح فقد بلغ معدل البطالة لقوة العمل الأردنية 13% وتباين هذا المعدل بين الذكور والإناث حيث بلغ 10.3% للذكور مقابـل 24.3% بين الإناث، كما تباين المعدل بين المحافظات إذ تراوح ما بيـن 11.9% في محافظة العاصمة و 17.4% في معان، كما ارتفع معدل البطالة بشكل واضح بين أفراد قوة العمل من حملة درجة البكالوريوس فأعلى إذ بلغ حوالي 13.8% (8.5% للذكور مقارنة مع 22.8% للإناث).
لا ننكر أبداً آثار الأزمة المالية العالمية على الأردن لكن لا نريد أن نجعلها شماعة لإنكار جوانب التقصير والفساد، تلك أرقام رسمية ذكرناها عن نسب البطالة في الأردن أما الواقع الفعلي لتلك النسب فسنتركه لتحليل واستنتاج الأخوة القراء !
على صعيد القطاع العام:
تراجع القطاع العام الأردني كثيراً عن تطبيق مفاهيم إصلاح القطاع العام وأصبح شعار الإصلاح الحكومي كتلاوين من الألعاب النارية أطلقت في ليلة أنس عابرة، فأين الإصلاح وثلة من المسؤولين يتقاضون رواتب فلكية تتعدى (11000) أحد عشر آلاف دينار أردني شهرياً ما بين راتب أساسي وبدل تمثيل يتقاضونه أيضاً كبدل تمثيل لمنصبهم في عدة مجالس إدارات لعدة شركات في آن واحد !!!
وأين الإصلاح ومجمل هؤلاء المسؤولين لا يملكون أي امتياز أكاديمي أو مهني للتربع على عرش المسؤولية الأردنية دون إمتلاكهم لأي تخطيط أو استراتيجية مؤسسية واضحة أو ملكة لغوية أو إدارة بمنهجية علمية مشهود بها وأين الإصلاح ومثل هؤلاء يتحكمون بمصائر قافلة من الموظفين المميزين في كافة الأصعدة ويقومون بإبعادهم وتهميشهم وإخفاء ملكاتهم بطريق ملتوية و رخيصة ؟! وأين الإصلاح وطوابير تتكدس يوما بعد يوم من نخبنا الأردنية المميزة بانتظار أمل فرصة أبداً لن تلوح في سماء أردنية صيفها لاهب دائماً !
إن الأردن يا سادة يرزح تحت نير مديونية عالية حيث أفصح تقرير البنك المركزي الأردني بأن الدين العام للمملكة الأردنية الهاشمية ارتفع مع نهاية الثلث الأول من عام 2009 عن مستواه المسجل بنهاية عام 2008 ليبلغ 8.663.4 مليار دينار أردني (نحو 12.2 مليار دولار أمريكي) فضلاً عن أن الأردن يعتبر من أصغر اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط فما هو رأيكم يا سادة؟
لقد إتخذ الأردن خطوات رسمية في مكافحة الفساد وأنشىء دائرة خاصة به فأين المكافحة لمثل هذه الإختلالات؟ أو ليس هذا بفساد؟ ربما هو رفاه وامتياز وظيفي لنخب أردنية من نوع خاص ربما !!!
على صعيد القطاع الخاص:
القطاع الخاص الأردني برغم إنجازاته التي لا ننكرها إلا أنه لا يمتلك لغاية الآن الحجم النوعي الأمثل لقيادة دفة الأعمال وذلك لعدة أسباب أهمها غياب التنظيم والرقابة التشريعية من خلال تطوير ووضع حزمة من القوانين الناظمة لكل من يعمل في القطاع الخاص والمطلوب بأن يفتح القطاع الخاص الباب على مصراعيه للشباب الأردني المميز بما فيهم حديثي التخرج وعلى أساس المنافسة الشريفة في التوظيف وإختيار الأفضل في ظل عملية تشاركية ما بين القطاعين العام والخاص.
نعم نحن بامتياز بلد الرفاه الوظيفي للنخب الأردنية الخاصة ! … ونعم نحن بامتياز بلد تجار الأوطان!!!
بصوت واحد نرفع لسيد البلاد حفظه الله الكلمة لنردد شعاره الأوحد ونقول كفى.. كفى.. كـــفـــى.
بقلم: يزيد الراشد الخزاعي.