أرشيف - غير مصنف
التطبيع الخليجي مع إسرائيل: فتح المطارات والأجواء والسفارات والسياحة مقابل وقف الاستيطان!
رئيس تحرير صحيفة خليجية عرف بصراحته التامة في الجلسات الخاصة بخلاف ما يكتبه أو يتحدث به أمام الفضائيات، قال كلاماً غير مباح في جلسة جمعته مع مجموعة من الصحافيين الأجانب الذين يقومون بزيارة استطلاعية للمنطقة تعليقاً على المفاوضات والمباراة القائمة بين إسرائيل وبعض العرب والأميركيين حول «مشروع السلام المنتظر»، لماذا لا نتبع تجربة «ويكييبديا» بتلوين الموضوعات غير الموثوق بها بحيث يستطيع المستخدمون الفصل بين الصدقية وعكسها».. وعندما استوقفه أحدهم طالباً المزيد من الإيضاح، قال: دعونا نلوّ.ن الكلام الذي يصدر عن بعض المسؤولين الخليجيين بأنه لا تطبيع مع إسرائيل قبل أن يكون هناك اتفاق سلام مع الفلسطينيين، والانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 إلى أن يثبت عدم صحة هذا الكلام»!
فماذا على الارض؟
الـ«بي بي سي» تنقل عبر إذاعتها خبراً مفاده أن أربع دول عربية (ولم تقل خليجية) سمحت للطائرات المدنية الإسرائيلية بالتحليق فوق أجوائها في إشارة إلى التجاوب الذي تبديه هذه الدول مع «حزمة المطالب» الأميركية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
حدث آخر في السياق نفسه، اشادات متتالية بالمقالات التي كتبها ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في الصحف الأميركية قبل أسبوعين تقريبا ودعوته القادة العرب لمخاطبة الإسرائيليين من خلال وسائل إعلامهم لـ«التعبير عن خيار غالبية الشعب العربي لتطبيع العلاقات» وهو ما يمكن الوقوف عنده في حديث «موران با ناي» من مركز «أميركان بروغرس» للأبحاث والتي اختارها الرئيس اوباما مديرة لمجلس السياسات المحلية الجديدة وتشجيعها للقادة العرب على التحدث مع الصحافة الإسرائيلية مباشرة لنقل رسالتهم إلى الشعب الإسرائيلي كما فعل الشيخ سلمان.
ما تطالب به الإدارة الأميركية القيام بخطوات إيجابية من قبل العرب، وهذا لا يعني من وجهة نظر موران التطبيع الفوري للعلاقات بل إشارات إيجابية نحو فتح باب السلام.
خمسة مطالب
الواقع أن تلك الخطوات التي عنتها الخبيرة بقضايا الشرق الأوسط والمشاركة بوضع الخطوط العريضة لسياسات أوباما الداخلية والخارجية، سبق أن روَّجتها الإدارة الأميركية في زحمة الضجيج والحديث عن قرب ولادة مشروع للسلام يجري إعداده والتحضير له، وهي عبارة عن خمسة مطالب:
أولاً: تحليق الطيران «المدني» الإسرائيلي فوق أراضي دول الخليج.
ثانيا: إعادة فتح «مكتب مصالح»، وهو الاسم المهذب للممثليات الرسمية في عواصم قطر وعمان وغيرهما التي عملت تحت مسميات أخرى.
ثالثاً: استقبال السواح الإسرائيليين ومن يحمل جواز سفر عليه تأشيرة إسرائيلية إلى الديار الخليجية.
رابعاً: تشغيل الهواتف النقالة الإسرائيلية على الشبكات العربية.
خامساَ: تسهيل الاجتماعات بين المسؤولين من كلا الطرفين في المناسبات الدولية وفي إطار التبادل الثقافي.
تلك هي «الخطوات الصغيرة» التي يحملها جورج ميتشل لدول المنطقة، ويسعى لتسويقها من أجل أن يكون بمقدوره إبلاغ حكومة نتانياهو، أن توقف الاستيطان – ولو مؤقتاً – في الضفة الغربية والقدس.
ملف التطبيع هذا لم يغلق بعد وان امتعض منه أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، مطالباً بانهائه، معلناً عدم وجود حكومة عربية واحدة يمكن أن تقدم هدية مجانية على طبق من فضة الى اسرائيل، وان حصل شيء من هذا القبيل فرد الفعل سيكون «عنيفاً جداً في العالم العربي».
اسرائيل في لعبة التفاوض والمناورة أسقطت من حسابها «فكرة المقايضة» مع العرب منذ مؤتمر مدريد عام 1991 عندما وضعت شرطاً واضحاً أمامهم .. اذا كنتم تريدون وقف الاستيطان فعليكم باسقاط المقاطعة من الدرجة الثانية.. وكانت الاستجابة فورية، أسقط العرب المقاطعة ولم يعد أحد يسمع بها ولا بمكتبها الذي دفن وربما الى الأبد ولم تتوقف عمليات البناء الاستيطانية بل زادت وتوسعت الى أن بلغت اليوم نحو 500 ألف مستوطن اسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية موزعين على نحو 121 مستوطنة، وان كانت تحاسب نفسها على الخطأ التاريخي بالانسحاب من قطاع غزة وتركه لحماس وتخليها عن المستوطنين.
معاودة لبيع السلعة من جديد والثمن تطبيع كامل مع دول الخليج العربي مقابل وقف أو تجميد الاستيطان وبشكل مؤقت.
الكويت والرياض
لكن الى أي حد يمكن تحقيق ذلك؟
على المستوى الرسمي هناك موقفان خرجا من السعودية والكويت رداً على «الخطوات الصغيرة للتطبيع»، الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة قال كلاماً واضحاً، ومن واشنطن، أن السعودية ومعها الدول العربية لن تدخل في تطبيع مع اسرائيل دون حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية من خلال منظومة متكاملة بما فيها مسألة القدس واللاجئون والمياه والمستوطنات، وعلى اسرائيل أن تقرر ما اذا كانت تريد السلام حقيقية أم التشويش وقيادة المنطقة الى العنف.
بدوره، أوضح وزير الخارجية الدكتور محمد صباح السالم الصباح أثناء زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الى أميركا أن الموقف الكويتي من عملية التطبيع هو نتيجة وليس سبباً للسلام، وأن الأمر يتطلب مبادرات من الجانب الاسرائيلي للرد على المبادرة العربية.
ما رسمته الكويت والرياض من سياسات خارجية قدم رسالة واضحة ابتعدت عن اللبس والاجتهاد، تمثل موقف الممانعة الحقيقي على المستوى الخليجي من التطبيع، وكأنها تقول: لا تطلبوا منا دفع الثمن لقاء تعهدات لم تف فيها من قبل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بشيء.
ملف التطبيع الخليجي مع اسرائيل أشبه بالسير فوق حقل من الألغام فهو مليء بالحفر والعثرات، وشابه الكثير من اللغط، وان وضعته اسرائيل ضمن أولوياتها وأهدافها في اطار من مسعاها القائم على أن تدخل شريكاً استراتيجيا في المنطقة ومن بوابة الاقتصاد والنفط والعسكر ان استطاعت ذلك.
اختراق محدود
تجربة فتح مكاتب التمثيل لم تأت بثمارها كاملة فقد تعرضت لانتكاسات واقفال في الوقت الذي كانت تمارس فيه العدوان والقتل والحروب ضد الفلسطينيين واللبنانيين وعلى أكثر من جبهة، لكنها حققت اختراقاً محدوداً على الجبهة الداخلية في بعض الأماكن تزامن مع الانفتاح الاعلامي الذي بات هو الآخر جسراً مفتوحاً يتحاور فيه الاسرائيليون مع العرب ويخطفون ودهم واطلالتهم شبه اليومية على فضائيات «الجزيرة» و«العربية» وبعض الصحف الكويتية عدا حالتي الأردن ومصر، اذ تربطهما علاقات دبلوماسية كاملة، وتلك العلاقة سارت بسلاسة ودون ضجيج أو رد فعل من الشارع العربي، أطلقت عليها صحيفة يديعوت أحرنوت وصف «المرأة نصف الحامل»، وهو تعبير استفزازي وغير أخلاقي للايحاء بأنها لم تصل الى مستوى العلاقات الدبلوماسية الكاملة التي تطمح اليها، لذلك لجأت بنشاطاتها الى اتباع سياسة الكتمان والتخفي.
ولي عهد البحرين لم يكتم السر كما يقولون واوصى خيرا بمستقبل العلاقات مع تل ابيب، مبشرا ان فتح السوق الخليجي التي وصل حجمها الى تريليون من الدولارات امام دول المنطقة «لن يكون على حساب ظلم الاسرائيليين» اذا تحققت العدالة للفلسطينيين، واضاف بشرح وجهة نظره ازاء التطبيع «من مصلحتنا ان نجهر برأينا وموقفنا لسببين اثنين اولهما اننا سنكون اكثر امانا فيما لو تمكنا من تجفيف بركة العداء التي يسبح فيها مروجو بضاعة الكراهية من كلا الطرفين، والثاني وعود الازدهار الاقتصادي» لذك شدد على مخاطبة الاسرائيليين و«التعبير لهم مباشرة عن رأينا وعبر وسائلهم الاعلامية».
خلفية هذا الموقف لم تكن وليدة الساعة بل امتداد لدعوات شكلت الارضية الصالحة لتلك السياسة، فوزير الخارجية الشيخ خالد بن احمد آل خليفة طالب في حديث صحفي نشر له في جريدة الشرق الاوسط (30/6/2008) بوصول الصحافيين الاسرائيليين للمسؤولين العرب وان هناك من البحرينيين من لا يفهم الفرق بين التطبيع والاتصال مع تل ابيب!
البحرين لا تعترف باسرائيل كدولة، لكنها دعت في اكثر من مناسبة الى قيام تجمع شرق اوسطي يضم اسرائيل وايران وتركيا والعرب اعتبرها نواب بحرينيون «خروجا عن السياسة البحرينية» وانها اي هذه الدعوة تصب في الخطة الاميركية لادخال اسرائيل في المنطقة.
الاتصالات البحرينية ــ الاسرائيلية اخذت عدة اشكال، منها لقاءات على مستوى وزارة الخارجية وارسالها وفدا رسميا بحرينيا الى تل ابيب لتسلم مواطنين بحرينيين اعتقلتهم سلطات الاحتلال الاسرائيلي كانوا ضمن مجموعة من الناشطين المؤيدين للفلسطينيين كانت متجهة الى غزة على متن سفينة التضامن الاوروبية هذا العام.
بدورها، كانت وزارة الخارجية البحرينية تسارع الى نفي التقارير الصحفية التي تتحدث عن سماحها للطيران الاسرائيلي باستخدام مجالها الجوي او فتح سفارة اومكتب تمثيل تجاري لها لانها «ترفض التطبيع قبل التوصل الى سلام عادل وشامل».
البعض من المفكرين العرب والكتاب يثنون على مبادرة ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بالانفتاح على الداخل الاسرائيلي ومخاطبته وينفون ان تكون تلك الدعوات بلا ثمن وعليه سيكون مطلوبا من العرب الاستعانة بقوى الاعتدال والسلام في اسرائيل في مواجهة غلو اليمين المتطرف الذي يستدعي العمل على اسقاطه واجباره على تقديم تنازلات!
التطبيع الخليجي مع اسرائيل يجد له مؤيدين وانصارا حتى في الشارع ولدى نخبة من المثقفين، فهناك من لم يعد يرفض او يستهجن فكرة التواصل والانفتاح معها وفي عدد من عواصم الخليج العربي والتي ينظر اليها الاسرائيليون بعين ثاقبة كونها من المناطق السهلة والتي لديها قابلية لهذا النوع من العلاقات وان كانت هذه الكتلة ما زالت ضعيفة حتى على مستوى الدوائر السياسية العليا لكنها قائمة وموجودة وصوتها مسموع في عدد من المنابر الاعلامية.
تبقى حسبة التطبيع هي الميزان في الاختبار القائم، هل تتحقق الرغبة الاميركية «بخطوات صغيرة» بفتح المجال الجوي وفتح السفارات وفتح المطارات لاستقبال السواح الاسرائيليين في بعض الدول الخليجية، ام انها فقاعات صابون سرعان ما تنطفئ!
اسرائيل تجيد وضع العربة امام الحصان في تعاملها مع العرب وهي احدى التكتيكات التي تمارسها، اي بإثارة قضية تتحول الى مركز استقطاب وتقاطعات واخذ ورد، بعيدا عن تناول القضية الاساسية وهي قضية الاحتلال.
وهذا الامر يُدخل الدول العربية في جدل التطبيع في ما بينهم كما في مواجهة الولايات المتحدة والغرب واعتبار هذه الدول غير مستعدة للسلام ليضيع في خضم هذا الجدل الموضوع الاساسي الا وهو الاحتلال وكيفية تخليص المنطقة من آثاره وكوارثه.
(القبس)