أرشيف - غير مصنف

انشغال ..

حسين عجة
مهداة إلى  قاسم مطرود
اخْتَطفتُ أنا وعزلتي، عند نبض القلبِ، الوردة التي جئتَ أنتَ معها راكضاً نحو آذاني الصاغية، في البدء وضعنا ذراعينا لإسناد رقتها الناعسةِ، وفي أعيننا يلمعُ الخوف من تلاشي عطرها السريعِ والمُحيرِ؛ وردة لم تأت من بستانِ أحد، أتذكر ما همستَ به لي لاهثاً، والشوق يهزك كالسعفةِ ذات اليقين المكينِ من أصلها في النخلةِ، تلفتُ أنا ورأيت الطين الندي واليافع يكسي قدميك وما فوقهما، في باحة الكون المُحرمِ عن كل وصف، لم يكن بيننا أحد؛ الصوت بتقلب ألوانه والهواء الذي يمنحه صفة العطاء الأكبر ما حل عقدة التلعثم المشترك، يا أخي الكبير بحكمته المشاعة، قُلتَ بنفس الرقة، أيمكنكَ تسمية الوردة التي خلقتها من الورم يقطن ويدور في
 رأسي كدوران الأرض من حول نفسها؟
سمعتُ حفيف اللهاث، شممت عبق الوردة دون لمسها، اقتربتُ أكثر حتى أرى اللون الذي يغلف كالوشاح المخملي ميدان التساؤل ويزلزل كعبي المرء من تحت تربته قوية المساند، من فوق هامتي صعدت حيرة النطق؛ ثَقيلٌ هو وزن المهمةِ، سررت لنفسي في نفسي، حل طلاسم الوردة، الفكرة، الشوق والصوت؛ بالكاد تجمعت حبات شجاعتي، قبل يقظة خيوطي غير المرئية لالتقاط لهفة الحادثِ، دفعتَ أنتَ بقوة الفتي نحوي بفجيعة قد تتسامى بحلتها وجذورها المتشابكة عطر الوردة.
لم يكن مشهدنا يستعين برحاب الساحة، عطف المارة، لغط الممثلين المُحببِ أو الفلك
 المرسوم لصالح اللعبةِ؛ عن الحوار غابت يومها أنوار خشبة تدعم كالمعهود قوة الفعل. اثنان، بقاماتهما الطويلتين وأمراضها المزمنة، كنا أمام لغز الوردة وجدار الفجيعة، فيما يشبه غطاء الحلم، أو البرق الذي يترك آثاره في جسد السماء المزدحم بالنجوم كما يزدحم بالغيم باهظ الثمن، شرعتَ بفك الصرة، بذات الصوت الخافت رفيق المودةِ والنبل، تجشمت عناء التسمية، ثانية أدرت وجهك نحو عيني وما يمخر في عباب مخيلتي، أردفت نفح الحياة ونسيج شغلها الذي لا يكف عن نحت الحجارة ويغوي الشخوص على تبادل الأقنعة، قطعة بعد قطعة، تليقُ بعمرنا الذي وهبته هدية الإنجاز الدائم، لا شيء عليه التعطل عند لحظة الإضاءة وفيضان المسرح، بصراخ قومه من أقبية الأرض أو شموخ القبة الزرقاء وجه لوجه مع الطفل، القفص والسكين فوق العنق، مواطن، ما زال نزفها ينادي، يا شقيقي الأكبر، على من يرهف السمع ويدع أنامله تلعب على لوحة المفاتيح، لكي تلون شحوب الزمن وتعيد طيف
 النظرة، إيقاع على حركات الجمر، عناق رجل السبعين، قطاره المحجوز في محطة المخيلة، وامرأة الأحلام، عجوز مثله، رقص فيما وراء عتبة الفتوة والعمر، يخرج العالم من ظلاله المعتمةِ.
حينما هدأت ذبذبة الهواء، وودع أحدنا الآخر، لوحتُ إليك بإشارات محبتي، وفي سريرتي حضنت كعاشق وعود الوردة، أريج الفكرة، دون أن أدير ظهري وأتغافل عن حريق الفاجعة.

زر الذهاب إلى الأعلى