أرشيف - غير مصنف

تلك النهاية المروعة !!

د/ نصار عبدالله
لم يخطر ببالى قط أن صديق عمرى  الروائى الكبيرتوفيق عبدالرحمن سوف تنتهى حياته هذه النهاية المروعة ، ….طول عمرى وأنا أعرف أن توفيق دائم الحلم بمثل عليا مستحيلة التحقيق .. وأنه رحمه الله كثيرا ما  كان يتوه بين جماليات الحلم الجميل  ومتطلبات الواقع المرير مما كان يضعه أحيانا فى مآزق بالغة الصعوبة .. لكننى لم أتصور قط أن محاولته لتجاوز  للحدود الفاصلة بين جماليات الحلم وقبح الواقع ، أوأن محاولته لكسر السدود التى تزداد فى كل يوم فى مصر سمكا وجسامة  بين: ما هو كائن بالفعل وبين ما ينبغى أن يكون( حتى فى أبسط مستوياته ) ، لم أتصور قط أن إصراره على ما ينبغى ولو فى حده الأدنى  سوف ينهى حياته بتلك الطريقة البشعة  التى انتهت بها . ….مساء الجمعة 11سبتمبر الموافق 21رمضان الماضى ( طبقا لمانشرته الصحف) وقبيل الإفطار بقليل كان توفيق عبدالرحمن عائدا بسيارته إلى منزله بمنطقة المهندسين عندما صدمته بعنف من الخلف سيارة ميكروباص لا تحمل لوحات ولا أرقاما … عندما نزل توفيق وشاهد ما حل بسيارته …..حاول أن يوجه اللوم إلى السائق ….لكن  الأخير واجهه بعبارات نابية طبقا لما هو متوقع من سائق ميكروباص لا يحمل أرقاما (و بالطبع لا يحمل ترخيصا )، وكأنما  هو نسخة من الحكومة ذاتها!، أومن النظام السياسى  نفسه !، أو من  بلطجية الشارع المصرى … لافرق … وقف توفيق أمام الميكروباص لكى يجبره على التوقف وأخرج الموبايل لكى يتصل ( لا ندرى على وجه التحديد بمن ، وهل ما زالت هناك جهة فى مصر بوسعها أن تتدخل تدخلا سريعا لكى تحمى شيخا عجوزا فى الوقت المناسب ؟؟ ) … المهم أن السائق المستعجل الذى رأى ذلك  العجوز المستميت والمتشبث بالوقوف أمامه، هذا السائق فعل ما تفعله الحكومة عادة فى مثل هذا الموقف، أعنى  الدهس !! .. قام السائق بدهس توفيق عبدالرحمن!! … طحن رأسه وهشم عظامه وهو مازال ممسكا بالموبايل حالما بأنه ما يزال فى مصر من يمكن أن يستجير به صاحب حق …. لا شك أن الكثيرين من القراء ممن لم يسمعوا من قبل بإسم توفيق عبدالرحمن يتساءلون الآن من هو ذلك الكاتب وماذا أضاف إلى الرواية العربية وللإجابة على تساؤلا تهم أسمح لنفسى بأن أقتبس السطور الآتية من مقال عنوانه : ” العاشرة صباح الإثنين ” وهو مقال كان صديقنا المشترك الناقد الكبير الدكتور ماهر شفيق فريد  قد كتبه  ونشره فى الأهرام بتاريخ 5 أغسطس 2009 بمناسبة صدور آخر إبداعات الروائى توفيق عبدالرحمن … يقول ماهر شفيق: ” هذه آية فنية من آيات فن الرواية القصيرة تنشرها دار البستاني ويضيفها الروائي توفيق عبدالرحمن إلي آيات له سابقة في هذا الشكل الفني الصعب الجميل‏.‏…… الخطاب السردي هنا يتحرك علي التخوم الفاصلة بين فن الرواية وفن الأقصوصة في توازن حرج رهيف مهدد بالسقوط ـ في كل لحظة ـ بين هاويتين‏:‏ هاوية الإطناب الزائد وهاوية الاختصار المخل‏.‏ لكن حس الفنان المرهف يقيه خطر الوقوع في هذين المزلقين ويمكنه من السير مثل لاعب أكروبات ماهر علي الحبل المشدود بين حبلين دون أن يختل توازنه يمنة أو يسرة‏.‏ هذا درس في إحكام البناء ورشاقة الحركة يحسن بالكثيرين من القصاصين أن يتعلموا منه .
أكثر من نصف قرن تغطيها هذه الصفحات السبعون‏,‏ بل هي ترتد إلي الوراء ـ من خلال إشارات سريعة خاطفة إلي ولاية محمد علي في مطلع القرن التاسع عشر‏,‏ واللورد كتشنر السردار الإنجليزي للجيش المصري ثم قائد الجيش البريطاني في حرب البوير بجنوب إفريقيا في نهاية ذلك القرن‏,‏ حتي إذا كان القرن العشرون وجدنا إشارات إلي ثورة‏1919,‏ وطلاق الملك فاروق والملكة فريدة‏,‏ وزيارة الأميرة فايزة مبرة محمد علي في الزقازيق‏,‏ وقبول الملك استقالة وزارة إبراهيم عبدالهادي‏,‏ ونزول الحلفاء علي ساحل نورماندي في آخر سنوات الحرب العالمية الثانية‏,‏ ومبدأ أيزنهاور لملء الفراغ في الشرق الأوسط‏,‏ وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي علي مصر في‏1956,‏ وإعلان جمال عبدالناصر وشكري القوتلي مولد دولة الوحدة العربية الأولي‏,‏ وصولا إلي يومنا هذا‏:‏ عصر الوقوف في طوابير الخبز‏,‏ والغرق في بحار الهجرة الشرعية وغير الشرعية.”
رحم الله توفيق عبدالرحمن الذى أحتسبه عند ربه شهيدا من الشهداء .
 

زر الذهاب إلى الأعلى