لا يوم للقدس إلا بالخطابات و” حتى من يحتفلون به مقصرون ” كما قال السيد نصرالله يوم الجمعة الماضي (الثامن عشر من سبتمبر) .
من يتظاهر ويعلي صوته لأجل القدس، مثل الإيرانيين، يقدم الكثير من السلاح والكثير من المال للفعل المقاوم المباشر، لأنه الأكثر مردودا في السياسة وفي الإستثمار المصلحي، كما إعترف علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني، الذي قال يوم الجمعة في الثامن عشر من سبتمبر في يوم القدس:
” إن دعم المفاومة الفلسطينية مصلحة وطنية إيرانية مثلما هو أيضا عقيدة دينية لذا لن نتخلى عن الفلسطينيين”
ولكن ما الذي تقدمه إيران للقدس ؟
هل تبرعت بشراء اراضي الكنائس العربية التي تباع للصهاينة ؟ هل عرضت دفع بدل الضرائب لإنقاذ بيوت الفلسطينيين المقدسيين من الهدم ؟
هل وضعت بتصرف القوى الفلسطينية أموال تكلفي لدعم المقدسيين على البقاء في القدس ولو كانوا عاطلين عن العمل بوصفهم مرابطون في الخط الأمامي الأهم في مقابل الصهاينة ؟
هذا لا يعني أن إيران تستحق اللوم فقط فهي على الأقل تقدم شيئا مهما كان قليلا إلا أن معانيه كثيرة جدا وخطيرة جدا لان تقديماتها تخذل من يريد إتهامها أنها أخطر من إسرائيل علينا وهو ما يقوله الرسميون العرب في دول الإعتدال .
تحرض دول عربية على إيران بزعم الخوف من تدخلها الإستغلالي للقضية الفلسطينية، وتتدخل بعض الدول العربية في شؤون طائفية لدول عربية أصغر، كما يحصل في اليمن وفي الكويت وفي لبنان، وذلك بحجة مواجهة الإندفاعة الإيرانية التي تستغل الشيعة في تلك البلدان كمواطن نفوذ لتوسعها الأمبراطوري.
لكن وضوح التعامل المشين لدول الإعتدال العربي مع الفلسطينيين في غزة ومع المخاطر التي تحيق بالقدس وبما تبقى من أراضي الضفة الغربية، يجعل من مزاعم الحرص على اهل السنة والجماعة وعلى العرب بمثابة الكذبة المفضوحة لأن معيار الدفاع عن أهل السنة في مواجهة التشيع وعن العرب في مواجهة الفرس هو في فلسطين.
ومن لا يهتم لجوع غزة ومن يلاحق المؤونة والدواء المهرب لأطفال غزة في اراضيه ومن لا يتجاهل إضمحلال الضفة الغربية تحت وطأة الجرافات الإسرائيلية لا يعنيه حتما خطر أقل وبعيد قد تمثله إيران في المستقبل إن تحولت السلطة فيها إلى مرتع لمن يسمون أنفسهم إصلاحيون – ( وهم أهل التعامل السري مع أميركا وإسرائيل ومع حلفائهما العرب ) – أو إن تحولت إلى قوة إقليمية لها القدرة أن تتغلب على أميركا حامية وضامنة أمن إسرائيل من إيران ومن كل الدنيا – في القرن القادم .
مواقف الدول العربية السنية الكبرى في موضوع فلسطين لا تترك مجالا للشك بأن ما يقال عن مواجهة الخطر الإيراني ليس إلا الواجهة التي تخفي خلفها حقيقة التورط العربي الرسمي طواعية و بحماس منقطع النظير في خدمة المخططات الأميركية التي تبغي ضمان التفوق والبقاء للنظام العنصري الإسرائيلي .
الذاكرة العربية ضعيفة وتنسى، فقبل سنوات فقط دعت مراكز الأبحاث الأميركية والإسرائيلية إلى تكثيف العمل مع المعتدلين العرب لمواجهة الخطر الذي تمثله المقاومة الفلسطينية واللبنانية (لا إيران) بدعم إيراني ودعت تلك الأوساط كذلك إلى رفع شعار التعاون الإسرائيلي العربي المعتدل لمواجهة الخطر الإيراني (والمقصود خطر المقاومة في لبنان وفي فلسطين وخطر المقاومة في العراق) .
كانت تلك أضغاث أحلام الأميركيين والإسرائيليين وأصبحت اليوم حقيقة واقعية بفضل التراخي في رد الفعل الشعبي على الإستسلام الرسمي الدولتي التام أمام الأوامر والرغبات الأميركية والإسرائيلية.
مصر السنية هي التي تحاصر غزة السنية ، والأموال الخليجية السنية هي التي تتدفق على إنتخابات- الفتنة المذهبية في لبنان وفي العراق و على المتصارعين في اليمن وهي التي تمنع وتمسك وتقطع عن الفلسطينيين ( ما عدا عن السلطة العباسية الدحلانية المشتركة) والأردن السني الهاشمي المكي الشريف هو الذي طلب من خالد مشعل السني الرحيل بأسرع وقت عن أراضيه بعد تقبل العزاء بوالده .
خالد مشعل هو أحد رموز النضال الفلسطيني في يومنا هذا مهما إختلفنا معه عقائديا أو سياسيا ومع ذلك لم يجد الرجل مكانا يأويه إلا سوريا .
يعرف الفلسطيني كما اللبناني أن لإيران مصالح وطنية تتقاطع وربما تسبق العقيدة الدينية لأهل النظام الإيراني ولكن أي خيار لحزب الله أو لحماس أو للجهاد إن لم تدعمهم إيران ماديا وتسلحيا ؟؟
لو حيدنا العامل الديني للنظام الإيراني ونزعنا عنه صفة الصدق لوجدنا أن إيران تدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية رغبة في نيل موطيء قدم سياسي يجعل منها قوة دولية يحسب لها حساب في صراع الأمم، كما أن طبيعة الصراع والتفاعلات الداخلية لقوى يتشكل منها نظامها تجعل من قضية فلسطين إثباتا على مصداقية من يزعمون النقاء الثوري أمام ملايين المحافظين الإيرانيين من أبناء الشعب الفقراء الملتصقين بالإسلام وبشعارات عالمية رفعتها الخمينية الثورية .
هذه المعطيات توصلنا إلى سؤال مؤلم .
أين القوى العربية السنية الكبرى ولماذا لا تدعم الفلسطينيين أهل السنة والجماعة ضد الصهاينة فتحصل تلك الدول على نفوذ يخولها التحول إلى لاعب إقليمي في الملعب الدولي ؟
أين الزعامات العربية السنية التي تعرف كيف تحل بمالها مكان المال الإيراني وبسلاحها مكان السلاح الإيراني ؟ وأين الدول العربية السنية من إنقاذ القدس ومن الدعوة إلى دعم الفلسطينيين فعلا لا عملا وهي التي تتصرف في موضوع العداء لإيران حتى يبدو للرأي العام العربي وكأن من يحفر تحت المسجد الأقصى هم الملالي الإيرانيين .
سنسلم جدلا بأن إيران لديها مشروع توسعي وهي في الواقع وكما أظهرت الأحداث التي تلت الإنتخابات فيها تكاد لا تعرف كيف تحمي نفسها من محطة فضائية عربية ، ولكن أين دول عربية سنية كبرى من منافسة الإيرانيين بمشروع يضرب التوسع الإيراني إن وجد ويضرب التوسع الإسرائيلي الموجود منذ ستين عاما .
لنأخذ لبنان كمثل حي على نفاق تلك الشعارات التي تستغل الشعارات المذهبية لمصلحة النظام الرسمي العربي أولا ولمصلحة الحليف الإسرائيلي المستجد ثانيا.
كيف يعيش نصف مليون لاجيء فلسطيني في لبنان في ظل حكومة دولة الحريري وفي ظل سيطرة السنية السياسية المدعومة من المملكة السعودية على ذلك البلد ؟
مئات آلاف الفلسطينيين في لبنان محكومون بالعيش في ذل الفاقة والعوز بقوة القانون اللبناني الذي يعامل الفلسطيني بتمييز عنصري مقونن مع أن آل الحريري يزعمون أنهم حماة أهل السنة والجماعة وهم يحكمون لبنان منذ العام 2005 بشكل منفرد بسطوة المذهبية التي تنشرها بين مناصريهم دار الإفتاء السني في لبنان.
سنتان بعد حرب مخيم نهر البارد ولا يزال أهل المخيم في العراء ولا يزال بعض السنة في لبنان ممن يحكمون البلد يتعاطون مع المخيم وأهله بأسلوب التاجر الفاجر والشطارة والسمسمرة .
حتى على صعيد المعارضة اللبنانية هناك تقصير ولكن المعارضة لا ترفع شعار الدفاع عن أهل السنة في العالم العربي كما يفعل النظام الداعم لآل الحريري .
في كل عام يحتفل حزب الله بيوم القدس وهو حزب المقاومة الذي لم يعرف حتى الآن طريقه إلى المواقع الرسمية في الإدارة اللبنانية مع أن ذلك لا يعفيه من ذنب التملص من فرض حل واقعي ممكن على الدولة اللبنانية لصالح تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين المتواجدين في لبنان .
آلا يتم الإلتزام بحق العودة إلا إن بقي أطفال المخيمات عرضة لكافة أنواع الأمراض الناتجة عن تجاور منازلهم وغرف نومهم الصفيحية مع المجاري المفتوحة وكأنها سواقي الأمراض المفروضة عليهم ثمنا للضيافة اللبنانية .
الا يمكن رفض التوطين إلا والفلسطيني يائس بائس عاطل عن العمل إلا في المجالات الدنيا والحقيرة ؟
لماذا يمنع الطبيب والمهندس والمحامي والفني الفلسطيني من مزاولة عمل شريف في لبنان ولماذا ممنوع على الفلسطيني أن يعامل مثل اللبناني في موضوع الوظائف والتملك ؟ الا يعيشون بيننا منذ ستين عاما ؟
هل رفض التوطين يعني أن يبقى الجامعيون الفلسطينيون عاطلون عن العمل ؟
هل رفض التوطين يعني أن ندفع بالفلسطيني إلى قبول معاملته بعنصرية قانونية تمنع عنه الوظائف في بلد لم يعرف غيره ولا يريد منه إلا أن يحترم حقه الإنساني بأنتظار العودة إلى فلسطين ؟
في دولة أهل السنة والجماعة في لبنان هدم الجيش اللبناني مخيم نهر البارد لأجل ثلاثمئة مقاتل إنتقل معظمهم وعلى رأسهم زعيمهم إلى مخيم عين الحلوة وإلى طرابلس بعلم أجهزة أمن أهل السنة والجماعة وبقي المخيم مهدما إلى اليوم وبقي أهل المخيم نازحين على لجوئهم ولاجئين فوق لجوئهم إلى هذه الساعة فأين الدفاع عن السنة في وجه التشيع إن لم يكن للأنظمة ومنها نظام آل الحريري في لبنان القدرة على دعم السنة الفلسطينيين في غزة وفي رام الله وفي القدس وفي مخيم البارد .
لو أن السعودية تمول مقاومة غزة ومقاومة حماس والجهاد هل كان خالد مشعل وعبدالله رمضان شلح إختاروا مشاركة الإيرانيين بالفارسية خطاباتهم عن القدس العربية ؟
عار على العرب السنة أن لا يلقى أهل غزة من يهرب لهم المال والسلاح إلا شيعي هو حسن نصرالله في وجود سبعين مليون مصري صامتون إلا من رحم ربي .
عار على المال العربي الخليجي أن يصرف أهل فلسطين من المساعدات الإيرانية المهربة في أنفاق غزة في ظل ملاحقة قاهرة الأزهر لتلك الأموال بدل المساهمة في إيصال أموال سعودية خليجية بدلا عنها .
لو كان فؤاد السنيورة حقا كما قال عنه مفتي لبنان درعا للمسلمين لسن القوانين التي تعطي للفلسطيني السني في لبنان حقوقه الإنسانية .
لو كان المفتي قباني سنيا حقا ومدافعا عن السنة حقا لما قبل أن يتم الإحتفال بيوم القدس في ضاحية الشيعة بل لأقام مهرجانات أكبر من التي في طهران في قلب بيروت السني نكاية بإسرائيل أولا وبإيران ثانية .
لو كان سعد الحريري سنيا فعلا لسعى وهو القادر عبر الكتلة النيابية الأكبر التي يمتلك ” رسنها “ إلى تقديم مشاريع القوانين التي تعطي الفلسطيني اللاجيء ما للبناني في لبنان لأن اللبناني يحصل على نفس المعاملة في كندا وفي أميركا وفي أستراليا فلماذا ينكرون على غيرهم ما يطالبون به لأنفسهم ؟