يوسـف جـمـل :- كـيـف لا …. وأنـتـــم بخـــير
إنه الزحف الذي لا نوليه أي اهتمام بل نتعامل معه على أنه من الأمور الصغيرة والبسيطة
إنه المد المتمادي والمتنامي في حياتنا ومجتمعاتنا الذي بعد غفوة وسهوة سنجد أنه استفحل بل انتشر وسيطر لا بل طغى وعم وساد ولا نملك إلا أن نقول ……. وأنتم بخير !
ربما يحلو للبعض منا أن يطلق على براعم هذا الزحف بالصغائر أو العوارض أو الحالات النادرة أو ” ما هي إلا قلة قليلة ” أو استثناءات أو شواذ …….. وكأن شيئاً لم يحدث وكل عام وأنتم بخير .
هذا الزحف السرطاني الذي يجتاحنا في جميع جوانب حياتنا ونتعامل معه باللامبالاة والتهوين والتغاضي والاستخفاف سرعان ما سنجد أنه قد ملك زمام أمورنا وأصبح نهجاً وأصبحت كل الأمور الثابتة ما إلا أقلية وضعف وسذاجة بل ربما ستصبح رجعية أو دقة قديمة لا تملك إلا أن تمضي في سبيلها وتتابع القول ……. وأنتم بخير .
وما هي جوانب الخير التي نحن فيها حتى نقول …….. وأنتم بخير ؟!
أهي ظواهر العنف التي يوم ما كانت المرة الأولى أو الحادثة الأولى لم نملك وقتها إلا أن نقول بسيطة …… وأنتم بخير .
أم هي الخلافات على أتفه الأسباب التي انقسمنا حينها قسمين قسم يؤيد هذا وقسم يبرر فعل هذا وقسم يعارض وصار الأمر في نظر وقولان ………….. وقلنا وأنتم بخير .
أم هي الاعتداءات على الحرمات التي استهون واستحسن البعض منا حدوثها وقلنا وأنتم بخير.
أهي حوادث السرقة في البيوت والمؤسسات والسيارات والأملاك التي سمعنا بحدوثها حتى في شهر رمضان وعلى أبواب المساجد ومررنا عليها مر الكرام وتابعنا الوهم أننا نحيا بخير وقلنا وأنتم بخير .
أم هي حوادث الطرق التي نجمت عن الاستهتار والإهمال والعربدة والاستخفاف بحياة البشر وخاصة من الفتيان الذين لا يجدون من يمنعهم ويرشدهم لأننا ماضون بالإحساس أننا بخير .
أهي ظاهرة المفرقعات والألعاب النارية والصوتية والمسدسات البلاستيكية التي رافقتنا وواكبتنا طيلة ليالي رمضان والعيد كما صارت منسكاً ونسكاً في احتفالاتنا وأفراحنا وأعراسنا نعبر بها عن سعادتنا المتناهية لأننا بخير وما في ذلك من إهدار للأموال وإزعاج لبني البشر وإصابات وحوادث نجمت عن استعمالها وما زلنا ولم نعتبر فنحن وأنتم بخير .
أم هي الهوائيات التي تتزايد والتلوث بالهواء والماء والغذاء الذي صار يتسبب بالعديد من الأمراض والضحايا وما من يحرك ساكناً فأنا وأنتم – ولو مؤقتاً – بخير .
أهي سوء استعمالنا واستغلالنا للتكنولوجيا وانجرافنا وراء المغريات والجوانب السلبية في الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال والإعلام وانعدام الرقابة والإرشاد والعناية الأسرية وانحطاط الفكر والأدب وتقهقر مراتب العلم والمعرفة والبعد عن الثقافة وانعدام القراءة وانهيار المبادئ والأخلاق فالمهم أن نستشعر ولو وهماً أننا بخير .
أم هي الحرص على الأموال العامة والحقوق الخاصة وإيتاء أصحاب الحقوق والديون والمستحقات ما لهم علينا لأننا نريد حقاً أن نكون بخير .
أهي المحسوبية والعائلية والعصبية القبلية وهدم أركان وأسس المجتمع وطمس الهيبة والوقار واحترام الكبار والتكافل والتراحم ولا علينا فنحن بخير … بخير .
أم هي المغيبة والنميمة والرياء والنفاق والتملق وشهادات الزور من أجل حفنة مصالح شخصية أو حسد وغيرة أو عجز واستكانة ولا ضرر في ذلك لأننا مع كل ذلك … بخير .
أهي عدم الإخلاص في حمل الأمانة وأداء كل منا لرسالته بأمانة كل من موقعة حتى يصبح العيش في بنيان مرصوص يشد ويؤازر بعضه بعضا لننشد الخير ونكون حقاً بخير .
أم هي البنية التحتية في مدننا وقرانا وشوارعها وطرقاتها والخدمات في مؤسساتها التي ترضخ تحت نير سياسات التجهيل والحرمان والعقاب الجماعي واللعب بالعقول والضحك على الذقون وما في ذلك من شيء فنحن بالنهاية نقول …….. وأنتم بخير .
أهي بوادر الاستهتار بالدين والمجاهرة بالإفطار في رمضان والاجتهادات في البت والحكم والفتوى وسرعة وسهولة التكفير بعضنا لبعض من منطلق انتماء أو تيار أو حزب أو جماعة أو حركة أو مصلحة والعيش بالشعور والإحساس أن كل واحد منا هو “الصح” وما سواه على ضلال وندعو ونتضرع للرب أن يهديهم سواء السبيل حتى تتم فرحتنا ونكون فعلاً بخير .
أم هي الأوضاع الاقتصادية الرديئة البائسة المتزايدة نتيجة الحصار الاقتصادي والغلاء وسوء التصرف والتصريف والتبذير وغلق أبواب الكسب والعمل في مجالات عديدة أمام أبناء شعبنا ونير الضرائب المتفاقم والمتنوع والبطالة المتزايدة والحياة على خط الفقر أو تحته للعديد منا الصابرين الذين ما زالوا يرددون الحمد لله والشكر لله ونِعمَ بالله …….. وأنتم بخير .
أهي العديد من الخريجين والخريجات الذين بذلوا الجهد وتحملوا المشاق وأهليهم وصبروا حتى أتموا تعليمهم وتخرجوا في حفلات مهيبة وانتقلوا إلى الركن الهادئ لا يجدون ما يستهلون به حياتهم وهم شباب وشابات هم أحوج ما يكونون في هذه الفترات الحرجة من حياتهم حتى يؤسسوا أنفسهم ونحن أحوج ما نكون إليهم وإلى الطاقات والعزم والنشاط الذي فيهم وبهم نأمل الخير والتقدم ولكننا لا نكلف أنفسنا حتى عناء التفكير بذلك لأننا ……. بخير .
أم هي النظافة من الإيمان التي نتغنى بها وبيئتنا ومحيطنا القريب وما وصل إليه الحال في الشوارع وعلى جوانب الطرق وبمحاذاة الوديان وفي جوانب السهول فالمهم أن تكون بيوتنا نظيفة حتى نشعر حقاً أننا بخير .
وبالتأكيد هناك العديد من الصور المشابهة التي لم تذكر في السياق لكن مجمل الرؤية للصورة بأنها رمادية وقاتمة ولكن العجيب مع هذا كله أننا نعيشه ونحياه كله وما زلنا نصر على رؤيته بألوان زاهية وردية ونملك القدرة على التحمل والتجمل والتحول والتخاذل والتجاهل والتحايل على كل الظروف حتى نستطيع الاستمرار والبقاء ولو بأسلوب النعامة وما دام الحريق صغيراً وبعيداً فلا علينا فنحن بخير وأنتم بخير ……. بألف خير .