أرشيف - غير مصنف
الفلسطينيون والخوف من الأنتخابات
دكتور ناجى صادق شراب
بدلا من ان تكون الأنتخابات الوسيلة الحاسمه لتسوية الخلافات الفلسطينية ، وادارتها بطريقة سلمية من خلال الأحتكام لأرادة الشعب الذى يقرر لمن يفوض الحكم والسلطة ، وترسيخ مبدا دورية ألأنتخابات ، ومن ثم دورية وتناوب السلطة بين القوى السياسية القائمه ، وترسخا لنظام سياسى يستند على أسس ومبادئ بعيده عن الهيمنة السياسية ألأحادية ، يقوم على شراكة حقيقة ، وألتزام بشرعية سياسية مدنية واحده ، تتحول الى قضية خلاف وجدل يصل أحيانا الى حد العقم السياسى الذى يحتمى وراء الخوف من نتائج ألأنتخابات المتوقعة ، والنظر ألى ألأنتخابات فقط كوسيلة للوصول للسلطة ، وليس مهما بعد ذلك كيف تدار هذه السلطة . دون الفهم الحقيقى لوظيفة ألأنتخابات ودورها فى ترسيخ القيم الديموقراطية التى تضمن للنظام السياسيى ألأستقرار ، والتوالد الذاتى لضمانات حقيقية تحول دون ألأنقلاب على السلطة بالقوة و حتى ألأحتفاظ بها تحت ذرائع واهية ترسخ لحكم التنظيم والشخص الواحد . فى هذا السياق كان يفترض ان يكون ملف الأنتخابات من أسهل الملفات واقلها تعقيدا وخلافا ، لأن ألأنتخابات وكل ما يتعلق بها من قانون أوطريقة أو أجراءات ان تخضع لأعتبارات بعيده عن الحسابات التنظيمية ، فهناك العديد بل مئات التجارب القريبة من الحالة الفلسطينية التى يمكن ان يستفاد منها فى وضع نظام أنتخابى لا اريد ان اقول مثاليا ، بل يكون أقرب ألى ملامسة الواقع السياسيى الفلسطينى ومتطلباته . والمفارقة ان كل من القوتين الرئيسيتين فتح وحماس تتمسكان بموقفهما من قضية ألأنتخاب ، وكانت المسالة أسهل من ذلك بكثير بتحويل الملف للجنة من الخبراء القانونيين وعلماء السياسة حتى تحسم كل القضايا الخلافية ، لكن حسابات السياسة ألأخرى والخوف من هذه الطريقة أو تلك والتى يمكن ان تترتب عليها نتائج معينه ، والمسألة بنيت على نتائج ألأنتخابات ألأخيرة ، وهذا ما يفسر لنا تمسك كل فريق بطريقة معينة لأجراء ألأنتخابات فهذا يريد نسبة اعلى للدائرة حتى يضمن عددا أكبر من الناخبين له ، أعتقادا منه ان قاعدته ألأنتخابية كبيرة وألأخر يريد بالفردية لأنها قد تضمن فوز اشخاص معينيين فى دوائر معينه ، وعموما كل الطرق ألأنتخابية ديموقراطية سواء بالاقتراع الفردى بتقسيم اراضى السلطة الفلسطينية الى دوائر أنتخابية عن كل دائرة ناخب واحد أو بالطريقة المختلطة بين الدائرة والنظام النسبى او القائمة المفتوحة فى النهاية لا توجد طريقة مثالية ، فكل طريقة لها ايجابياتها وسلبياتها ، المهم ماذا يناسبنا من هذه الطرق وهذا لا يقررة السياسيون ، لكن بلا شك الطريقة تحدد شكل ونتائج ألأنتخابات المتوقعة الى حد بعيد . ولا شك ان ألأنتخابات تحدد شكل الحكم وليست مجرد فوز فريق على فريق آخر . فالأنتخابات وسيلة من وسائل النظام الديموقراطى ، وتشكل أرقى درجات المشاركة السياسية ، والمساءلة والمحاسبة السياسية لأى تنظيم أو حزب أو ناخب ، عما قام به خلال فترة حكمه . وهى بمثابة تفويض من الشعب ولذا يقال دائما النائب ممثل للشعب يريد ما يريده المواطنون أو الناخبون . ومن هنا تقوم الشرعية السياسية على رضا الناس وليس على القوة ، ومصادرة الحقوق ، واريد هنا ان أؤؤكد على حقيقة سياسية هامه وهى أن شرعية أى تنظيم أو حزب تحددها ألأنتخابات وهذه الشرعية فى حاجة للتأكيد من خلال أعادة ألأنتخابات وليس من مجرد أجرائها مرة واحده ، ومن هنا تبدو أهمية ألأنتخابات لكل من فتح وحماس ، هى بمثابة تجديد وتأكيد لشرعية أى منهما ، فمثلا لو فازت حماس فى هذه ألأنتخابات للمرة الثانية ، فلا بد من التسليم الكامل بحقها فى الحكم للفترة الزمنية المقررة ، ولكن الحكم هنا ليس مطلقا بل مقيدا بشرعية النظام كله ، وبمحدداته ، وبسماته ، فلا يجوز مثلا ألغاء هذه الشرعية وأستبدالها بشرعية اخرى ، وألأمر ألأخر تحمل الحركة لكل مسؤولياتها الوطنية ، وهنا ألأدراك الوطنى بهذه المسؤوليات وأدراك ان النظام السياسيى الفلسطينيى له محدداته الداخلية كما الخارجية , وعلى العالم وقبله الفلسطينيون فى الداخل أحترام هذه النتيجة ، و كما اشرت تحمل مسؤولية الحكم . ونفس الشئ ينطبق على حركة فتح أو اى تنظيم آخر يفوز . وحيث انه من الصعب ان تتكرر نتائج ألألنتخابات السابقة ، وهذا قانون أنتخابى ، فالبيئة والمعطيات التى ستجرى فيها ألأنتخابات القادمة مغايرة تماما لسابقتها ، لذلك قد تأتى نتائج ألأنتخابات بما يضمن أمران مهمان للنظام السياسيى الفلسطينيى ومستقبله ، ألأمر ألأول وجود معارضة قوية ، والثانى اتاحة الفرصة لمشاركة أوسع من قبل القوى ألأخرى بما يضمن شراكة سياسية حقيقية ، بعدم قدرة أى من القوتين الرئيسيتين على حسم ألأنتخابات بالمطلق مهما كانت طريقة ألأنتخابات المتبعة ، وهذا هو المطلوب من ألأنتخابات القادمه .
والسؤال المهم هنا ما المطلوب من هذه ألأنتخابات وما هى ضمانات نجاحها ؟ هذه ألأنتخابات فى يقينى أهم ألأنتخابات وقد تكون مفصلية ومحورية ،لأنها تأتى بعد حالة أنقسام وصراع ورفض ولجؤ للقوة وفرض لقيم غير ديموقراطية عمقت وزرعت الكراهية والحقد بين ابناء الشعب الفلسطينى وقسمته ألى شيع وفرق لذلك المطلوب من هذه ألأنتخابات ألا تكون تهديدية أو تدفع فى أتجاه الأنقسام ، هى أنتخابات وظيفتها أكبر من ان تكون سياسية ، بل وظيفتها مجتمعية تصحيحية لكل السبيات السابقة ، وهى أنتخابات وهذا هو ألأهم تأسيسية لنظام سياسى فلسطينى جديد يقوم على أسس من الشراكة والتوافق الحقيقى ، ولذلك حتى تنجح لا بد من بيئة سياسية تصالحية توافقية ، وبيئة قيمية تسمح بقبول نتائج ألأنتخابات ، وضمانات داخلية وعربية ودولية تضمن شفافيتها ونزاهتها خصوصا أن حالة من عدم الثقة والمصداقية قائمه ، ولعل ما يضمن نجاحها وقبولها ان تأتى بقيادات سياسية جديده لأن القيادات القديمة يبدو انها قد أستهلكت وفقدت مصداقيتها لدى الشعب الفلسطينى الذى عانى دون غيره من ألأنقسام والصراع . ولعل ما قد يضمن نجاح هذه ألأنتخابات أخيرا هو ألأتفاق على جوهر ومكونات النظام السياسيى الفلسطينيى وشرعيته ن وبعدها ليس مهما كثيرا من يفوز فى ألأنتخابات .
دكتور ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه