كلام في السياسة والاقتصاد

زكريا النوايسة
  من يدرس جيـدا الشارع الأردنـي سيقف على حقيقة لا يمكن إغماض العين عنها،بـأن مكونـات هذا الشارع لا يمكـن تصنيفهـا في مدارس سياسيـة أو اقتصادية محددة ، فمشاربها متعددة ونظرياتهـا شتى،فما نراه ونعاينه ليس إلا سياسة رد الفعل على حدث حال حدوثه ،وفي أحسن الأحوال الامتداد قليلا إلى ذيول هذا الحدث مع بعض الخجل ، وبالتالي يمكن تأكيد مقولة البعض بأن شكلنا الحزبي والسياسي ما زال في طور النضوج ،وقد يتعذر في المدى القريب أن يكون لنا مدرسة سياسية واقتصادية تمتلك القدرة على تحديد وجهتها منطلقة من فلسفة ونظرية خاصة بها.
 
 إن غيـاب الإطار السياسي الواضح والذي يمكن أن يشكل جاذبـا للأردنييـن لتشكيل أطيافهم السياسية، سيدفع الأردني إلى مزيد من حالات التجريب السياسـي، وهذا ما لمسناه خلال العقدين المنصرمين ،فكانت النتيجة عبثا سياسيا وتخريفا فكريـا ومراهقة حزبية، يُشكُّ أنها ستصل إلى مرحلة البلوغ.
 
 ويرى البعض أن الحديث عن مسيرة أو حالة حزبية في الأردن ليس إلا فبركة إعلامية ، وإن هذا الهلام الحزبي الذي تشهده الساحة ليس مؤهلا لصياغة حالة فكرية لها ورؤاها الواضحـة وبرامج تمكنها من الوصول إلى هدف منطقي ومحدد.
 
وفي محاولة للاقتراب من ( الحالة ) الحزبية الأردنية،حتما سنصاب بصدمة حين نستدعي حالة كالولايات المتحدة التي يشكل سياستها حزبان رئيسيـان مع عدد ضئيل من الأحزاب الصغيرة التي قد لا تذكر أحيانا لهامشيتها ومحدوديـة تأثيـرها في السياسـة الأمريكية ، أما الساحـة الأردنيـة فتعج بعشرات الأحزاب وعشرات النظريات الفكريـة ،ولا يكـاد يمر شهر إلا ونسمع عن تشكيـل حـزب جديـد،أو تيـار سياسي ،أو عن خلوة سياسية تجمع عددا من المنظرين، لتنتج لنا بعد ذلك مولودا حزبيـا يصرخ صرختـه الأولـى ،ولا يلبث إلا هنيهة حتـى يدخل دائرة الهلام ذاتـها.
 
 ومن المضحك أن دولـة عملاقة سياسيا واقتصاديـا مثل أمريكا يتحدث مواطنوها عن حزبين فقط ونحن نتحدث عن العشرات منها ،وأجزم أن ماكنتنا الحزبية لن تتوقف شهيتها لتفريخ أحزاب جديدة بمقاسات مختلفة وألوان جذابة ونكهة حسب الطلب .
 
   أما الحديث عن شكلنا ومعاناتنا الاقتصادية فالأمر ليس ترفا،لأنه يمس وجع الناس وهمهـم ، ففـي حيـن يمكـن التغاضـي عن بعض المقامـرات والولدنـات السياسية ، لا يمكن الصمت وتجاهل الأمور التـي هي على تماس مباشر مع مرارة الجوع التي أصبحت في فم الغالبيـة،فمقامرة الاقتصادي أشد وطأة على المواطن،ومحـاولات البعض استخـدام الشعب الأردني كفـأر تجارب لنظريات اقتصادية الكثيـر منها لم ينجح في بلد المنشأ،فإن ذلك سيكون نتائجه مزيدا من الجوع وارتفاعـا مضطردا في الأسعار وزيادة متناميـة في معدلات البطالة ،فضلا عن السماح غير المبرر لاحتكار السوق من قبل فئات محددة ستكون هي صاحبة الصوت الأوحد كما هو ملاحظ هذه الأيام.
 
 فإن كنا نحرص على إصلاح ما فسد من أمرنا ،فمن باب أولـى أن نبـدأ بخطوات جادة لإعـادة رسم خارطتنـا السياسية والاقتصادية ، بعيدا عن هفوات وسقطات الماضي ،على أن نتلمس منها العبر والدروس التي تجعلنا في مأمن من الدخول مجددا في دوامة التجريب العبثي التي أورثتنا ما نحن فيه من ضائقة اقتصادية وسياسية على حدٍ سواء.    
Exit mobile version