أرشيف - غير مصنف

لمصلحة من استحضار ويلات الحرب في العلاقة مع الفلسطينيين ؟! …

فتحي كليب
في رده المنشور في جريدة “النهار” بتاريخ 16 أيلول 2009، حاول القيادي في التيار الوطني الحر مالك أبي نادر مناقشة بعض ما حملته مقالتنا في “النهار” بتاريخ 14 أيلول 2009 من أفكار، والدفاع عن مواقف الجنرال عون، فإذا به يؤكد وبالمعطيات الحسية ما كنت بصدد إثباته في نقاشي لقضيتي التوطين وأزمة مخيم البارد، وعليه لا بد من توضيح الآتي:
أولاً: وضع الكاتب مقالتنا في سياق الحملات الإعلامية المحلية والخارجية التي تستهدفه، دون حتى أن يعرف الخط السياسي الذي ننتمي إليه وموقعنا من الاصطفافات الإقليمية والدولية، وهي استنتاجات اعتاد اللبنانيون على تردادها خلال السنوات الأخيرة. وفي هذه الحالة يصبح الآخر عدواً للجنرال عون لمجرد أنه يختلف معه بالرأي حتى لو انتهى هذا الآخر للخط السياسي نفسه الذي ينتمي إليه، وهنا تصح مقولة “من ليس معنا فهو ضدنا”.
ثانياً: جاء في مقالتنا ما حرفيته: “لا يمكننا قراءة موقف الجنرال إلا من زاوية الأوضاع الداخلية اللبنانية، ومحاولة البعض استخدام الموضوع الفلسطيني لتحقيق مكاسب محلية”. لكن الكاتب لم يكن موفقاً في دحض هذا الاتهام، وجاءت مقالته لتؤكد صحة ما قصدت. وإلا كيف يمكن أن نفسر إقحام تيار المستقبل في هذا النقاش والإشارة إلى الصراعات الطائفية اللبنانية، والأهم من ذلك عدم معرفته بالعلاقة التي تربط الفلسطينيين بـ “حزب الله” والمقاومة في لبنان، خاصة أن النقد الموجه لمواقف العماد عون تجاه الفلسطينيين في لبنان تطال جميع الفصائل الفلسطينية بلا استثناء، وبالتأكيد بعضها يقف في خندق المواجهة نفسه الذي يقف فيه التيار الوطني الحر.
ثالثاً: بدلاً من نقاش الكاتب بموضوعية للأفكار التي طرحت، حاول الهروب إلى التاريخ مستذكراً الحرب الأهلية وما جرته على اللبنانيين والفلسطينيين من ويلات، وبشكل لا ينم سوى عن إصرار على تحميل الفلسطينيين أوزار تلك الحرب، علماً أن الجميع شاركوا فيها، ولكل طرف فيها تاريخه الخاص، والمجازر ارتكبت بحق الجميع ومن قبل الجميع. هنا تبرز خطورة استحضار الحرب، لكن ليس من زاوية استفادة الجميع من دروسها، بل من زاوية حملات تحريض تمارس يومياً ضد الفلسطينيين في لبنان.
رابعاً: في حديثه عن التوطين، لا يمكننا ممارسة السياسة وفقاً لإحساسنا والاستشعار بأن هناك أخطاراً مقبلة. نحن لا نشك في أن هناك مشاريع توطينية، لكن مثل هذه المشاريع عمرها من عمر النكبة، ولا يجوز استحضار هذا الموضوع وممارسة كل وسائل القهر بحجة رفض التوطين، فإذا كانت جميع القوى اللبنانية والفلسطينية ترفض التوطين. وادخل هذا الموضوع في مقدمة الدستور، فما المطلوب من الفلسطيني في هذه الحالة.
إن قضية حق العودة هي القضية الوحيدة المجمع عليها من جميع الفلسطينيين، وجاء إحياء الذكرى الستين للنكبة ليؤكد هذه الحقيقة، عندما توحد الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم تحت راية التمسك بحق العودة. أما الحديث عن تجنيس 60 ألف فلسطيني فننصح الكاتب بالعودة إلى عشرات المواقف والكتابات التي صدرت من سياسيين ومؤرخين لبنانيين تحاول تبرير مرسوم التجنيس لتطال أكبر عدد ممكن ولأسباب داخلية لبنانية، وبالتالي فهذه مسألة لبنانية بإمكان السلطات اللبنانية حلها وفق ما تراه مناسباً.
الأخطر تشكيك الكاتب في موقف الفلسطينيين من حق العودة بقوله: “لماذا تقدم هؤلاء بطلبات تجنيس ؟ ولماذا لا يتخلون عن هذه الجنسية إذا  كانوا يرفضون التوطين ويريدون العودة ؟”. وهنا نجد من المفيد العودة إلى بعض المرادفات والمصطلحات القانونية للتمييز بين مصطلحي التجنيس والتوطين. فالتجنيس يعني الحصول على جنسية دولة ما بإرادة سلطاتها، فيما التوطين يعني استبدال وطن بوطن. وفي الحالة اللبنانية يمكن أن نتحدث عن مئات الآلاف من اللبنانيين الحاصلين على جنسيات أجنبية ولا زالوا يحتفظون بولائهم لوطنهم، وهناك الكثير من الفلسطينيين ممن حصلوا على جنسيات أجنبية ولا زالوا يحتفظون بصفتهم كلاجئين ويمارسون دورهم في إطار حركة اللاجئين من أجل حق العودة.
لذلك؛ فإذا كانت بعض القوى اللبنانية ترفض التجنيس بخلفيات طائفية ومذهبية، كما جاء على لسان الكاتب، فإن الفلسطينيين يرفضون التوطين بخلفيات وطنية وانطلاقاً من تمسكهم بحق العودة. وعلى الكاتب العودة إلى التاريخ القريب والبعيد ليجد أن من أسقط مشاريع التوطين هم اللاجئون أنفسهم وليس الدول العربية المضيفة.
خامساً: أما في ما يتعلق بأزمة مخيم نهر البارد؛ فيبدو الكاتب مصراً على الربط بين عودة أبناء المخيم النازحين وعودة مهجري الجبل إلى قراهم، وهو كلام يتناقض مع ما ذكره الجنرال عون في مؤتمره الصحافي السابق. لكن ما لم أجد له تبريراً هو رفضه عقد مؤتمر للدول المانحة لتوفير أموال إعمار المخيم، بذريعة أنه كان الأجدر بالحكومة أن تدعو لمؤتمر مانحين لعودة أبناء الجبل، فما وجه المقارنة بين الحالتين، وما الذي يمنع عقد مؤتمر للمانحين لعودة أبناء الجبل. وهل كان الكاتب سيوافق مثلاً لو دعت السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير إلى مثل هذا المؤتمر وتولت بنفسها عملية الإعمار دون مشاركة الدولة ومساهمتها ؟
وفي الجانب الآخر من المشكلة، يحمّل الكاتب الفلسطينيين مسؤولية ظاهرة ما يسمى “فتح الإسلام” وتراه غير مقتنع بالتعاون الذي قدمه الفلسطينيون للدولة والجيش من أجل إنهاء هذه الظاهرة، ومجرد سؤاله كيف سمحت المنظمات والكفاح المسلح لهؤلاء بالسيطرة على المخيم ؟ يؤكد أنه ليس على بيّنة مما حدث. فالأمن في منطقة الشمال بشكل عام وفي المخيمات بشكل خاص معروف، ولعل التساؤل المكمل هو كيف عبرت هذه المجموعات الحدود ودخلت إلى لبنان ؟ وغيرها من الأسئلة التي لا أعلم من المعني بتقديم إجابات عنها.
صحيح أن هناك مسؤولية فلسطينية في تغلغل هذه الظاهرة داخل المخيم، لكن هذا لا يعني إعفاء الآخرين من مسؤولياتهم. فلئن جاءت نشأة هذه الظاهرة في سياق تاريخي يمتد إلى أبعد من تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث استفادت في التطورات والمتغيرات التي أعقبت عملية الاغتيال وما رافقها من توتر في العلاقات اللبنانية ـ السورية، وصدور القرار 1559، وانكشاف الوضع الأمني في جميع الأراضي اللبنانية بما فيها المخيمات، فإن الطريقة المجزوءة في التعاطي مع الملف الفلسطيني في لبنان هي التي أوجدت الأرض الخصبة لبروز مثل هذه الظواهر، سواء داخل المخيمات أو خارجها، وهي ظواهر موجودة ليس فقط في المخيمات بل وفي المناطق اللبنانية أيضاً.
وإذا كانت الإشارة بتحميل مسؤولية ما حدث بهدف استمرار الوضع على ما هو عليه، فإن الواقع الفعلي يؤكد أن مثل هذه السياسات والإجراءات لا يمكن أن تدرأ مخاطر التوطين، بل هي لا تنتج سوى بطالة وأمراض وأوبئة واضطرابات اجتماعية، ولا يمكن أحداً أن يمنع تداعياتها على الجوار.
فلينبر الجميع، من لبنانيين وفلسطينيين إلى دراسة السبل الكفيلة بتعزيز الموقف المشترك برفض التوطين والتمسك بحق العودة، واقتراح الآليات الجدية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كملف متكامل، ونقاشه بعيداً عن الاستخدامات السياسية المتعددة الغرض والوظيفة.
 
 
فتحي كليب

زر الذهاب إلى الأعلى