معالي الوزير بقلم :سهام البيايضة نظر سمير إلى ساعته..الوقت أصبح الآن تمام العاشرة و الوزير لم يصل بعد ..قاعة الانتظار امتلأت بالمراجعين وأصحاب الحاجات. وفوق مكتبه تراكمت ملفات المعاملات الغير منجزه التي تحتاج إلى توقيع الوزير أو رأيه… منذ شهر وهو على هذا الحال, لم توقع معاملة,وقد مضى على التعديل الوزاري الأخير أسبوعان ,انقضت بالتهنئة والزيارات الخاصة والموائد والاستقبالات المرحبة بالوزير الجديد … المكالمات الهاتفية, لم تتوقف ,تتلقاها السكرتيرة الغنوج “لين” بصوتها الناعم الذي يصرف الأذهان عن العمل وعن المعاملات والوزارة, والحكومة ,حتى عن كل السياسات والأنظمة والتعليمات…له سحر أخاذ .. يؤجل ,يؤخر ,يلغي ,يحل ويربط فلا احد, يقاوم صوتها الغنوج الخافت… وفود رسميه وغير رسميه ,تنتظر مقابلة الوزير الغائب عن الوزارة, مواعيد أوجلت واخرى ألغيت, والساعة تقترب من الحادية عشره… “سمير” مدير المكتب, ظهر عليه التوتر والارتباك, كونه أصبح خبيرا, بردود فعل المراجعين خاصة كبار السن, الذين يأتون من اجل وساطة أو طلب خاص من الوزير..حيث يلقون غضبهم عليه, غير مراعين “لبروتوكولات” التعامل أو” اتكيت” السلوك!!… لم ينسى بعد شتيمته وشتيمة” إلى خلفوه ” من ذلك العجوز القادم من قريته النائية في الجنوب, الذي بصق عليه وعلى الوزير السابق, “أبو النسوان”..عندما سمح بدخول سيدتان قبله, حضرتا بعده.وهو جالس في صالة الانتظار, وعندما حان دوره, قال له سمير بكل بساطة:نعتذر يا شيخ ..الوزير لا يستطيع مقابلتك, لأنه مضطر للذهاب إلى رئاسة الوزراء لاجتماع طارئ!!…فما كان من هذا الشيخ العجوز إلا أن شتمه وشتم وزيره..وخرج وهو يتوعد بجولة قاضيه, طار بعدها الوزير السابق بعد أسبوع واحد فقط. – سمير:الناس بدأت تفقد أعصابها ومعالي الوزير لم يحضر بعد..الله يستر من ردود فعلهم الغاضبه.. -السكرتيرة الغنوج لين:ولا يهمك !!.كلها..شتيمة أو شتيمتين وبتمر..هيك عالماشي !!.. سمير متجاهلا تلميحاتها السمجة:الوزير السابق كان يتاخر لانه يحب النوم, والوزير الحالي يتفقد مصالحة وشركاته قبل قدومه إلى الوزارة..!! لين الغنوج : مثله مثل غيره.. , عارف حاله مش مطول..بس .بصراحة ؟ ستايل وكتيير مهضوم!!.. سمير متعاطفاً مع الشعب: ضاعت طاست المواطن في مميعة التغير والتعديل,كل يوم وزير جديد, من كثرتهم أصبحنا معالي الشعب!!.. بعض المراجعين في غرفة الانتظار”شموها “واحتسبوا أمرهم إلى الله تاركين القاعة.والبعض الآخر أسكتتهم الحاجة وضيق الحال وقلة الخيارات, وأمل بفرج قريب, لعل وعسى… البعض الآخر اخذ بالتعليق والتذمر يرفعون أصواتهم محتجين, بعضهم كان متحفزاً لضرب مدير المكتب وتحميله مسؤولية غياب معالي الوزير … رفع سمير سماعة الهاتف:معالي الوزير هل ترغب بإلغاء مواعيدك لهذا اليوم..اكييد معاليك مشغول ..نحن متفهمون لثقل المسؤولية التي كُلفتم بها ..الله يكون في عون معاليكم!!.. الوزير: اه ..ايوه ..نعم.. نعم ..ذكرتني ..المواعيد.الاجتماعات..اووفف!! , ليش ما حكيت من الصبح؟ ,الله يوخذك شو بليد!!..ولا تريد تفضحني مع الناس؟؟.. سمير وقد تلون وجهه أمام السكرتيرة الغنوج ,وكأنها سمعت كلمات الوزير.. . سمير يحاول إخفاء ارتباكه وحرجه .:لقد اتصلت بمعاليك منذ الصباح..على تلفونك الخلوي!!!.. الوزير:تلفوني الخلوي؟..آه ..لحظه .. سبع مكالمات فائته ..هذا رقمك يا قليل الذوق!!.ليش ما كملتهم على عشرة؟…صحيح انك مزعج!.. سمير:معاليك لم ترد على المكالمات والمراجعين ودفتر المواعيد, معاليك ابن البلد,تعرفهم عندما يخرجون عن طورهم وكياستهم ,أرجو من معاليكم تفهم الوضع!!.. الوزير:صحيح انك وقح وما بتستحي..كمان بدك تعلمني مسؤولياتي في الوزارة؟ أنا الآن قادم إلى الوزارة وبتفاهم مع شكلك.!!.. اغلق سمير سماعة الهاتف وقد احمر وجهه واضطربت أوصاله ,شد قامته وامسك بأطراف معطف بذلته الزرقاء الغامقه, يحاول إغلاق أزراره :الوزير يعتذر عن التأخير,وهو الآن في طريقه إلى المكتب!… وصل الوزير المحترم إلى مكتبه ,الساعة الآن تقترب من الثانية عشره ظهرا,دخل إلى مكتبه مسرعا واخذ مكانه خلف المكتب المصنوع من الخشب المهاجوني الثقيل .وكرسيه ذو المسند العالي الوثير,تناول علبة خشب فاخرة من فوق المكتب ,فتحها وتناول منها سيجاره غليظة , أسرع سمير وقدح ولاعته, أمام طرف السيجار الهافاني الغليظ.:._ عنك معالي الوزير..عنك معاليك!!.. اخذ الوزير نفسا عميقا من السيجار وهو يسند ظهره إلى المقعد الوثير, يراقب سمير..ثم نفث دخانه بسحابة كثيفة,سمع سمير من خلفها صوت الوزير:يخرب بيتك شو منافق!!.. سمير يهمس همساً:تلميذ الحكومة …معاليك!!.. الوزير مستنفراً:ماذا قلت ؟؟؟.. سمير متداركا الموقف:معاليك ..أنا.. أنا في خدمة معاليك! الوزير: بسرعة, اذهب واحضر ملف التشكيلات الجديدة..لا احد يعلم ما يخبئه لنا المستقبل القريب!.. توجه سمير إلى مكتب السكرتيرة لين الغنوج, وطلب منها ملف التشكيلات الجديدة..وضعه تحت إبطه متوجهاً إلى مكتب الوزير, اقترب سمير ليفتح الملف على الورقة المطلوبة.. الوزير: كم عدد الموظفين المطلوبين هذا العام.؟.. سمير:اربعة مهندسين اثنان واسطة وزيرين واثنين واسطة نائبين في البرلمان مستشار قانوني, ابن العين أبو شكيب .. مستشارة بيئة واسطتها رئيس الوزراء… خبيرين في شؤون المعارض والمؤتمرات واحد واسطته أبو المقاولات والثاني معرفه خاصة لمعاليك!!.. .ارتبك الوزير قليلا ثم قال ::يلااا.. بسرعة إلي بعده!! سمير وهو يتابع ارتباك الوزير:مديرة علاقات عامة واسطتها زوجة معاليك . خبير في العلاقات الدولية والإقليمية هذا مفروض علينا فرض من الجهة المانحة للقرض الأخير… أربع سكرتيرات , واحدة بنت وزير الصحة والثانية بنت أم جانيت على الحالات الإنسانية والثالثة …معاليك.. الوزير:كافي.. كافي.. عرفت!!… سمير:والرابعة…بلدياتي, الله يخلي معالييك. نظر الوزير لسمير نظرة اصطياد خبيثة:اخخ منك يالنمس.!! سمير:شكرا جزيلا معاليك..!!.. الوزير ضجرا:يلااا.. إلي بعده.. .سمير مستطردا :اربعة مدراء مشاريع . أقرباء معاليك!!! الوزير متهكما: مفهوم…الم يطلب احدهم وظيفة وزير.. سمير: ههههه ما أحلى خفة دم معاليك!! انته الخير والبركة!!… تناول الوزير قلمه الذهبي من جيبه الداخلي وفي أسفل جدول التشكيلات…كتب: أوافق على كل ما جاء بأعلاه..ثم خط توقعيه الذي انتشر على مساحة الفراغ المتبقي من الورقة.. الوزير:من بكره على مكاتبهم, ولا تنسى تنبه شؤون الموظفين والإعلان عن هذه الوظائف في الجريدة الرسمية… سمير:حاضر…معاليك..الإجراءات واضحة لدينا..اطمئن !!… الوزير.ولا تنسى الامتحان. أعطوهم إجازة يوم الامتحان خلي الناس يشوفوهم وهم يمتحنون, مثلهم مثل غيرهم.,وسلم الرواتب الخاص .بكره على مكتبي .. كله حسب الإجراءات الادارية والقانونية …!!!… سمير وهو يجمع أوراق الملف :ما يكون خاطر معاليك إلا راضي!!… رفع الوزير سماعة الهاتف :الو..كيفك لين.؟.شو أخبارك؟؟…اسمعي….اطلبي حرس الوزارة..خليهم يرسلوا ضابط يوزع الناس الجالسين في غرفة الانتظار…عندي موعد خاص لا يحتمل التأخير..!!