أرشيف - غير مصنف

القدس كشرت عن أنيابها فظنت إسرائيل أنها إليها تبتسم

محمود عبد اللطيف قيسي
منذ وجود مدينة القدس العربية الكنعانية التي سبقت وجود أمم كثيرة طمعت بها وغزتها على مرّ السنين فدمرتها وفتكت بها وبحجرها وشجرها وبأهلها ، حقدا عليهم وطمعا بها وتدنيسا لحرمتها الآمنة وقدسيتها ، ظانين في كل مرة أن القدس لن تقوم لها قائمة وتحيا بعد تدميرها ، وبأنها لن تعود ثانية رمزا للتاريخ العربي الإسلامي الأصيل ، منطلقين من حقدهم الديني التلمودي أو من برنامجهم الأصولي الصليبي ، أو من منطلقات كفرهم وغيهم وتسلط كُبراءهم الذين في كل مرة ينسوا أو يتناسوا أنّ القدس بتاريخها العربي الأصيل ، وانتمائها الإسلامي الحنيف المشرق والمضيء ، وماضيها وحاضرها ومستقبلها الفلسطيني الخالص داست على أعناق كل من حاول تدميرها والتطاول على أهلها وتاريخها ، فانتصرت وسحقت أقوام كثيرة أعتدت عليها حيث ذهبوا دون أن تحزن الأرض والسموات عليهم إلى مكبات التاريخ ، وبقيت هي شامخة راسخة لأنها عبق الماضي وجذوره وحاضرة التاريخ وحقيقته وعنوان المستقبل وواقعه ، فكلما كشرت القدس عن أنيابها أمام كل من أحتلوها متجاوزين حقيقتها العربية الإسلامية وحقوق شعبها الفلسطيني ظنوا خطأ وسفاهة من أنفسهم أنها ترحب بهم وتبتسم لهم ، لكنها دائما كانت وأهلها نعم الوطن الفلسطيني الحر الأبي والأرض المقدسة الطاهرة المعطاءة ، والأهل الطائعين لله الأتقياء الأنقياء ، والرجال الصادقين مع أمتهم ودينهم وقضيتهم الأبطال الأوفياء ، الذين نهضوا دائما كالأسود من بين الركام منتصرين غانمين ، فطردوا الأعداء خزايا ملعونين مرجومين ، خاسرين حتى احترامهم لأنفسهم الأمارة بالسوء ، وذاتهم الماصة لدماء شعب فلسطين المسالم المحب للحرية العاشق للسلام والاستقرار ، كما وعادت مبانيها وأبوابها وكنائسها ومساجدها تزهوا بالعِلم والدين والسلام ، وعادت ثانية راية العرب والإسلام تخفق كما قلوب أهل القدس المؤمنة المسبحة بحمد ربها وجلاله ، وتلعن بلسان شعبها الحر الأبي كل الأعداء مهما اختلفت لغاتهم وأعراقهم ، والعملاء المتخاذلين والمأجورين مهما أختلفت لهجاتهم حتى وإن نطق بعضها اللهجة العربية الفلسطينية أو مثلها الأخرى .
أما ما كان يخجل الناس قبل المؤمنين الموحدين وشعوب الأرض قبل عرب فلسطين ، فهي المواقف البلهاء النكراء تجاه عروبة وقدسية ومصيرالقدس من قبل المقامرين المطرودين من رحمة الله ، الباحثين عن عفو ومال كُبراء العالم المجرم ، التي بعضها كان بثوب سلبي منطلقين من أفكار جحا الأسطوري الباحث عن نجاة رأسه ، والآخر منها بثوب خياني منطلقين من أفكار مؤسس الطابور الخامس وسرب الجبناء ولا نامت أعينهم ، والتي سجلها التاريخ للكثير من قادة الأمة المسلمة منذ ما بعد فاتحها الخليفة عمر بن الخطاب الذي حفظ عهد أهلها وسكانها ومساجدها وكنائسها ومبانيها ، وما بعد صلاح الدين الأيوبي محررها من يد المارقين الصليبيين ، الذي حافظ على عهد وميثاق عمر إلى أن مات وما فرط بالقدس وفلسطين وعلى أثره من سقط شهيدا شهيدا شهيدا ، فخرج على أهل فلسطين قادة صغار من بين أبناءه وأقرباءه نسوا العهد وتنكروا للميثاق ، ونسوا أن القدس وفلسطين كما مكة حاضرة الإسلام والمدينة المنورة رائدتها أو غيرها من بلاد العرب والمسلمين ، هي أرض وقف إسلامي لا يجوز لأحد التفريط بها حتى ولو على حساب الوجود الشخصي له ، أو حتى من خلال اتباع سياسة الخداع والتسويف والمغامرة ، فقد سجل التاريخ الناصع الأبيض الذي لا يدخله الباطل من بين يديه إن كتب بأقلام أهله الأتقياء الأنقياء ، أنّ بعض أبناء أو أقارب صلاح الدين تنازلوا عن القدس للصليبيين أكثر من مرة مقابل بقاء حكمهم ، وشاهد التاريخ والماضي الأليم على مثل ذلك أفعال ومواقف ومقامرات الملك الكامل الأيوبي الذي تنازل عن القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أكثر من مرة مقابل بقاء حكمه في مصر وفناء حكم إخوته وأبناء عمومته في بلاد الشام .
وبقيت القدس حزينة ينخر بها المحتلين ويحاولون تغيير معالمها وتاريخها وإرثها وتراثها سنوات وسنوات ، إلى أن جاء العثمانيون الأوائل الذين أقاموا الخلافة الإسلامية العادلة فأعادوها حرة عربية مسلمة وأفرحوا أهلها وبعثوا بهم الأمل ، حيث رفعوا الآذان في مآذنها ودقوا الأجراس في كنائسها وفتحوا أبوابها على مصراعيها للحجاج المؤمنين من كل الديانات ليدخلوها بسلام آمنين ، إلى أن جاء عهد الدولة التركية العلمانية التي أضاعت الفرد والعهد والراية والخلافة ، فعاد الصليبي المجرم بثوب الإستعمار القاتل للحرية والاستقلال حاضنا وراعيا الملعونين المجرمين الإرهابيين ممن اعتتنقوا اليهودية ولعبوا بسياسة الصهيونية ، المطرودين من بلادهم بعد أن عاثوا بها فسادا وإفسادا ، فاستوطنوا الأرض الفلسطينية المباركة بعد أن دمروا مبانيها واقتلعوا شجرها وارتكبوا المجازر الدموية بحق شعبها ، وكانت القدس ودائما أولى أمانيهم ومبتغاهم ومحط برامجهم وأهدافهم الشيطانية بهدف تهويدها وقلع سكانها العرب منها ، إلى أن منّ الله عليها وعلى سكانها المظلومين بالجيش المصطفوي العربي الأردني ، الذي ما انحنت هاماته للمستعمر والصهاينة ولا كسرت إرادته لبرامجهم ، فدافع عن القدس وتمكن من إبقاء جزء كبير منها تحت الإدارة العربية من ضمنها المسجد الأقصى درة القدس وفلسطين .
وأخيرا كان ما كان بسقوط كل فلسطين وعاصمتها القدس الشريف بيد دولة إسرائيل الكيان إثر هزيمة حزيران عام 1967م ، المعركة التي كان من عناوينها إسرائيليا احتلال كل فلسطين وتوحيد القدس بعد محاولة تهويدها ، وتدمير إرادة الشعب الفلسطيني بالنضال والصمود ، وإخراجه من معادلة التحدي والتصدي والبقاء إلى معادلة الفناء بعد الهزيمة ونكران الذات ، إلا أن الهزيمة مع حقيقة آثارها الحزينة لم تكن نتائجها كما أرادتها دولة إسرائيل الكيان ، فقد أشعل الشعب الفلسطيني ثورته المجيدة براية حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) ، كما وأعاد الأردن ترتيب أوراقه السياسية والعسكرية فأعاد من خلال معركة الكرامة المجيدة التي انتصر بها الجيش العربي الأردني والفدائي الفلسطيني على المكر والخداع والعنجهية العسكرية الإسرائيلية ، المعركة التي مرغت أنف دولة إسرائيل الكيان وعسكرها بالتراب ، وأعادت للوجه العربي النضالي إشراقه ونوره وقدسيته ، كما وأعاد العرب جميعا ترتيب أولوياتهم فكانت حرب رمضان المجيدة التي كادت توصل للانتصار وتحرير كل أرض العرب العزيزة الغالية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوق أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف ، لولا المستعمر المجرم الصليبي الجديد الذي عاد ثانية ليخلط الأوراق السياسية المبعثرة ومحاولة اللعب بمصير العرب والمسلمين ، فأمد زبانية الغدر والقتل والإرهاب من بني جلدته في دولة إسرائيل الكيان بالسلاح وكما ألعاب الأطفال ، بروح إضافية لحين قبضها نهائيا بقدرة الله وتصميم شعب القدس وفلسطين وبتأييد من كل الأنصار العرب والمسلمين الميامين .
وحتى حينه ها هي القدس والأقصى معراج رسول المحبة والسلام والإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تتعرض لهتك قدسيتها ولمحالة تدنيس عفتها وطهارتها من مسوخ الخلق الفاسدين المفسدين الذين لعنهم الله ، والذين قتلوا الكثير من أنبياء الله والصالحين ، ونالوا من عفة مريم الطاهرة البتول وقدسية عيسى أبن مريم ورسالة موسى بن عمران الذين برأهم الله مما قالوا ، ها هي القدس تناديكم أيها العرب والمسلمين وبأعلى صوتها الذي كان صوت العمورية المسلمة التي استغاثت بأحباب الله أخفت منه ، فسمعها الحاكم المسلم الحر التقي ولبى نداءها ، ها هي القدس الجريح تناديكم اليوم وتستغيث بكم لنجدتها وتحريرها وتحرير رقاب أهلها الذي ما عادت إسرائيل تستعمرهم بل تحاول أن تستعبدهم وتهود فكرهم وثقافتهم وأرضهم ، معتقدة بإمكانية فرارهم أخيرا طلبا للحرية والنجاة ، متناسية نهاية من سبقوها بظلمهم كيف فنوا وذهبوا وبقي شعبها العربي الفلسطيني حرا صامدا كما الأقصى إلى يوم الدين ، إلا أنّ دولة إسرائيل الكيان التي تخطىء دائما بقراءة التاريخ وقراءة أفكار الشعب الفلسطيني ومواقفه تظن أن الليث لها يبتسم متناسية قول الشاعر:
( إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أنّ الليث يبتسم ) .
لقد أخطأت دولة إسرائيل الكيان عندما قامت باديء ذي بدء على أراض الغير بمنطق القوة دون سند شرعي قانوني ، وعندما باشرت مخططها الإرهابي التدميري الذي عنوانه كنس الشعب الفلسطيني وطرده وإبعاده عن وطنه وأرضه ناسية أو متناسية بحتمية انتصار الشعب الفلسطيني وكنسه لها لأنه ما قام بناء على أراض الغير بالقوة إلا أزيل بإرادة الشعب وقوة القانون وشرعة الحق والدين .
كما وأخطأت دولة إسرائيل الكيان عندما ظنت أنّ جلبها للمستوطنين من أبناء شعوب العالم الذين يتلحفوا باليهودية للنجاة من القهر أو الفقر أو للغنى إلى أرض فلسطين ، الحجة الباطلة التي تُدرّسها وتُفهمّها لهم على أنها أرض الميعاد ، ناسية أو متناسية حقيقتها أنها ارض الحشر والرباط التي عليها ميعاد نهاية حقبة الظلم وسفك الدماء وأخر فصول الشر والإفساد ، والتي سيهلك على ظهرها الملعونين مغتصبي الأرض الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني قتلة الأنبياء والمرسلين ، وعلى يد القوم الجبارين أهل التقوى والحق ، أصحاب الأرض الشرعيين المعتمدين على قوة المنطق الذين وكما أخبر رسول البشرية محمد عليه الصلاة السلام أنهم موجودين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس .
وقد أخطأت دولة إسرائيل الكيان عندما حاربت وما زالت شرع الله ودينه فمنعها المؤمنين من القيام بواجباتهم الدينية وإغلاقها جميع أبواب بيت المقدس وتغيير معالمها ، لن تكون نهايته إلا ما نسته أو تناسته بأن الله غالب على أمره وصادق وعده رسله ، وأن لا محالة ولا مناص بأنه بالغد القريب سيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون ، وعد مكتوب بالتوراة والإنجيل والقرآن غير مكذوب ، فبشرى لك ياقدس بقرب تحررك من نير الاحتلال وسطوته وفساده وظلامه ، بشرى لك لأن كل أبناءك وشعبك وكل العرب والمسلمين كشروا عن أنيابهم كما أنت ، وإن ظنت دولة إسرائيل الكيان ومستوطنيها وداعميها أنّ الليث ما زال يبتسم ، بشرى لك لأن العهد العمري هو العهد العربي ، والقسم الإسلامي هو القسم العربي الفلسطيني ، والحق الفلسطيني هو الحق العربي ، فحتمية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف موعد أت لا محال وأقرب للفلسطينيين من حبل الوريد إن أريد لليهود أن ينعموا بالسلم والأمن والسلام ، شاء من شاء وأبى من أبى ، وسيشهد بحر غزة وحيفا ويافا وعكا وكل بحر فلسطين نهاية الأعداء المغضوب عليهم المحتلين المغتصبين للحق الفلسطيني ، كما شهد قديما وعلى مر العصور نهاية كل الضالين الذين ذهبوا خائبين خاسرين وبقيت فلسطين وشعبها غانمين منصورين .
 

زر الذهاب إلى الأعلى