أرشيف - غير مصنف
(عراقيون) وقعوا في (غرام) أميركا فرفستهم بعيداً عن (جنّتها).. أصدقاء الجنرال ديفيد بيتريوس متّهمون في واشنطن بالانتماء للتمرّد وبإعدام الآخرين!!
رفستهم أميركا بقدميها، ورفضت إدخالهم (جنّتها) برغم أنهم وقعوا في (غرامها) وخدموها وعملوا لها مخبرين ووكلاء، بحسب اعتراف أحدهم (سعد عريبي غفوري) الذي عرف باسم (أبو العبد).. هذا بالنسبة لمن أعطاهم الجنرال ديفيد بيتريوس القائد السابق للقوات الأميركية في العراق، وعد (الصداقة والحماية) و(عدم التنكـّر لخدماتهم).. لكن القضية تختلف بالنسبة للداخلين في نسيج (أبناء العراق) هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل من جهة، ومن جهة أخرى مجبرين على حماية مناطقهم السكنية في إبان النزاع الطائفي!. لكن الحقيقة (شبه المطلقة) في قوانين الهجرة الأميركية هي أنهم (واقعون في شبهة التمرّد سابقاً) من جهة، ومن جهة أخرى (يواجهون شبهة قتلهم للجنود الأميركان).. ويعني هذا أنهم (مطرودون مسبقاً من جنّة الغانية التي وقعوا في غرامها)!.
وثمة ضباط أميركان يساندون (أبو العبد)، ويعترفون بخدماته لهم، لكنهم يتوقفون عند هذا الحد، ويخشون حتى من كشف أسمائهم. وفي قصة انتظار (أبو العبد) لأكثر من سنة في العاصمة الأردنية بانتظار قبوله من خلال منظمة الهجرة الدولية لاجئاً إلى أميركا، ورفض طلبه ما يضع الكثير من علامات الاستفهام بصدد من يخدمون أميركا. لهذا يحذر عقيد في الجيش الأميركي من عواقب وصول رسالة (غير مقصودة) إلى جميع (المتعاونين) مع برنامج مكافحة الإرهاب في العالم، أثارها رفض واشنطن للجوء (أبو العبد وعائلته). ثمة تفاصيل أخرى، ومفاهيم أخرى لهذه القضية التي تعرضها (النور) في هذا التقرير:
ومن العاصمة الأردنية كتب نيد باركر مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز يقول: إن الرجل الذي كان قد قاتل في العراق، كان يجلس منتظراً في غرفة بمكتب الهجرة. كان يراقب الآخرين، وهم ينهضون أمامه، وبعد ساعات عدة، نادوا باسمه: ((سعد عريبي غفوري)). وبطريقة ما كان قد (اكتوى) من فرط الانتظار..كان ذات يوم يقود أكثر من 600 رجل في بغداد؛ والمسؤولون العراقيون والقادة الأميركان، كانوا يأتون إليه يطلبون المساعدة. والآن يعيش في بيت لا ملامح له في عمّان مع زوجة منزعجة، وطفلين قلقين (الولد 9 والبنت 6 سنوات). وهو لأكثر من سنة ينتظر دعوة للرحيل الى أميركا.
وكان قد دخل صفوفاً تُعدّها منظمة الهجرة الدولية، ليتعلم شيئاً عن أسعار استئجار الشقق في الولايات المتحدة، وكيف يقدم طلب الحصول على (المساعدات الغذائية). كان جاهزاً ليعمل أي شيء يطلبه منه الأميركان: إذا رغبوا فهو يستطيع تدريب قواتهم التي تذهب الى العراق، وهو يريد أن يفعل ذلك؛ وحتى إذا طلبوا منه أن يقاتل في افغانستان، فإنه سوف يذهب. طبقاً لما يؤكده المراسل باركر.
وداخل مكتب الهجرة في ذلك اليوم من شهر تموز، كان سعد عريبي غفوري (35 سنة)، زعيم المجموعة شبه العسكرية السابق، قد استُدعي أخيراً الى منضدة المسؤول عن حاله كان صريحاً في إعلان النتيجة: غفوري قد رفض من قبل الولايات المتحدة، وليس هناك أي مجال للاستئناف!. الرسالة جاءت من دائرة الهجرة والجنسية الأميركية..تقول: ((كمسألة تقدير، طلبك للاستيطان كلاجئ في الولايات المتحدة…رفض)).
ويروي مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز انعكاس الخبر عليه قائلاً: نظر غفوري الى العراقيين من حوله..تلوّى ألماً. كان الآخرون يعرفون من كان هذا الرجل؛ عرفوه باسم (أبو العبد)..قيل إنه الذي أشعل ثورة بغداد السُنّية ضد القاعدة. ويصف أبو العبد ذلك اليوم بقوله: ((لقد انكسرت، ورأيت نفسي الخاسر الأكبر في العالم)).
السنة الماضية، كانت الولايات المتحدة قد أزالت الكثير من الموانع التي تصعّب الطريق أمام مستخدميها العراقيين الذين يواجهون المخاطر للجوء الى أميركا. كما تجاوزت عقبات مشابهة بالنسبة لقبول العراقيين الذين يعملون في الشركات الأميركية. وعدد العراقيين الذين قبلوا من خلال برنامج مساعدة اللاجئين التابع لوزارة الخارجية الأميركية،قفز من 1,600 الى ما يقرب من 14,000، ويُتوقـع أن يصل الى 18,000 هذه السنة.
لكن حال (أبو العبد) أو (غفوري) كما يسمّيه الأميركان لم تُعامل بموجب هذه السياسة. إذن ما هي المعالجة التي يجب أن تواجه بها الولايات المتحدة مشكلة نحو 100,000 مقاتل شبه عسكري في إطار من يُطلق عليهم ((أبناء العراق))، علماً أن الكثيرين منهم كانوا متمردين سابقين، والذين لهم القليل من المواصفات على غرار المترجمين العراقيين، والموظفين المدنيين الذين جرى تصميم برنامج المساعدة لإنقاذهم. على حد تعبير المراسل.
ويتساءل نيد باركر قائلاً: هل هناك التزام لرجال مثل غفوري الذي كانت الولايات المتحدة ذات يوم تموّله للقتال ضد عدو معروف؟. سياسياً مثل هذا الأمر ضعيف جداً!. وحتى الآن، فإن قبول رجل كان قبل ذلك قد قاتل ضد الجيش الأميركي، رجل اعترف أنه قتل الأعداء، يعدّ في الاعتبارات السياسية أمراً ضعيفاً للغاية في أميركا ما بعد 11 سبتمبر-أيلول، إذ أصبحت سياسات الهجرة تقاد بهاجس الخوف من هجمة إرهابية أخرى على التراب الأميركي.
وأبو العبد يفند سياسة الخارجية الأميركية الساذجة والإجرائية، طبقاً لما يقوله كيرك جونسون، محامي المستخدمين المدنيين العراقيين، ممن عملوا مع جيش الولايات المتحدة أو وزارتها الخارجية. وأوضح قائلاً: ((نحن نريد نقاتل الشر، ونعود منتصرين، وذلك هو مدى فهم معظم المواطنين الأميركيين..لكنهم لا يدركون أن في تلك العملية ثمة أنواعاً من الولاءات المتحوّلة، والظلامية، والقذارة. وفي سؤال مراسل لوس أنجلوس تايمز له عن (الحيرة) التي وقع فيها مقاتلون سابقون مثل غفوري، وكيفية نظر إدارة الأمن الداخلي إليهم خاصة أنها تفحص مع طلبات اللاجئين، قال إنه قد لا يستطيع التعليق على حالات معيّنة، ويود أن يرجع القضية إلى وزارة الخارجية.
وتقول وزارة الخارجية الأميركية إنها لم تصُغ بعد سياسة معينة بصدد قضايا (الزعماء شبه العسكريين) الذي يمنع تاريخهم تمرّدهم السابق في العراق بشكل كبير من الانتقال الى الولايات المتحدة، حيث يرفض القانون أي شخص قام بإعدام الآخرين. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية: ((ليس هناك حتى الآن أية سياسة محددة للتعامل مع أبناء العراق أو عناصر أخرى من الميليشيات التي ساعدت الجيش الأميركي)). وأعاد المسؤول -الذي رفض الكشف عن هويته- هذا الأمر الى عملية قبول اللاجئين الاعتيادية، وأكد من شبه المؤكد أن المقاتلين سيرفضون، بسبب ماضيهم المثير للجدل.
إن زعماء مثل غفوري –يقول باركر- الذين يجدون أنفسهم مستهدفين من قبل المجموعات الشيعية والسُنّية، وكذلك من قبل عناصر في الحكومة العراقية ببغداد، لهم خيارات أقل من الآخرين، لأن استمرار عيشهم في العراق، محفوف بالمخاطر، كما أن منفاهم غير ثابت في دول الجوار. وغفوري مازال يأمل أن يجد طريقة لنقض قرار رفضه، بمساعدة من أصدقاء في الجيش الأميركي.
وواحدة من الطرق القليلة التي مازالت متوفرة له، الاستفادة من برنامج خاص تابع لدائرة الأمن الداخلي الأميركية، والذي يُدار بارتباط متين مع البنتاغون (وزارة الدفاع) لقبول لجوء أشخاص خدموا جهود حرب يخوضها الجيش الأميركي. لكن هذا البرنامج يعمل بما يقرب من السرية، وبطريقة تشبه اليانصيب، بمعنى أن دعماً من مسؤول إضافة الى الحظ يجب أن يجتمعا معاً. والضباط الذين يعرفون غفوري، ومساهمته في حملة (surge) للقوات الإضافية التي أرسلت الى العراق سنة 2007، قلقون على مستقبله!.
أوضح مراسل الصحيفة الأميركية، أن (أبو العبد) ليس له بلد الآن..عمله حفظ أرواح الأميركان والعراقيين، وهو الآن يعيش في الأردن وحيداً، طبقاً لما قاله أحد كبار الضباط الأميركان، مازال موجوداً في العراق، لكنه غير مخوّل بالكشف عن اسمه أو التحدث للصحافة. وأضاف الضابط قوله: ((من سخرية القدر، إنّ عمله لا يقل شأناً عن المترجمين والمقاولين، وربما يكون أكثر خطورة…لكنه يُرفض بشكل اعتباطي)).
بعد صياغة الشراكة مع الأميركان في صيف 2007، وصل غفوري إلى ذروة سمعته في بغداد، وأصبح شخصية رائدة في أوساط حركة (أبناء العراق). لكنه –يقول باركر- كان واحداً من أوائل الزعماء شبه العسكريين الذي سقطوا. وثمة شخص يعرفه يقول إن (أناه) انتفخت، وأنه كان أعمى أمام حقيقة أن دوره المخلخل، في مسك حي العامرية، قد انتهى في ربيع سنة 2008، عندما أخذت الحكومة العراقية –بدعم من القوات الأميركية- تعزز سيطرتها على الأوضاع في بغداد.
إن منتقدي (أبو العبد) وذامّيه، يسمّونه (وحشيّاً)، لكن غفوري لم يخف أبداً حقيقة أنه قتل العديد من المشتبه بأنهم يعملون مع تنظيم القاعدة في العراق. وقد جُرح في محاولة اغتيال من المحتمل أن تكون وراءها جهة سياسية منافسة، أو القاعدة. وبعدها ترك العراق في نيسان 2008 للعلاج في الأردن. وتلك الرحلة رسمت بداية نفيه. وفي الأردن، هو وزوجته عقدا الآمال على الذهاب الى الولايات المتحدة من خلال برنامج مساعدة اللاجئين..كانت لديهم توصيات، ورسائل مديح من جنرالات أميركان.
ويقول العقيد ديل كوهيل، الذي عمل الى جانب (أبو العبد) معاً في العامرية: ((هو مقاتل…لقد فعل ما كان ضرورياً لاستعادة أمن حي العامرية)). وأضاف: ((كان قد قاتل من أجل بلده))!. وحذر العقيد كوهيل من أن إدارة الظهر لشخصية مثل غفوري، تبعث برسالة سيئة إلى كل الذين (يتعاونون) مع برنامج مكافحة الإرهاب على نطاق العالم. وأكد العقيد قوله: ((إن الرسالة غير مقصودة، لكنها –برغم ذلك- تعني: إذا ما فعلت شيئا لصالحنا، فإننا قد لا نعتني بك)).
ولكنْ –بحسب رأي صحيفة لوس أنجلوس تايمز- يبقى تاريخ غفوري محاطاً بالغموض. البعض يقول إنه كان عضواً في (الجيش الإسلامي)، المجموعة المسلحة التي قاتلت القوات الأميركية، وهو ادعاء يرفضه غفوري. ويعترف بعلاقات قريبة كانت تربطه بالفئات المسلحة، لكنه يصرّ على أنه لم يهاجم أبداً أي أميركي. ويزعم أيضاً أنه عمل كـ(مخبر للأميركان) في بداية سنة 2004. وقال إن أعداءه سيشمتون به بعد رفضه من قبل الولايات المتحدة، ساخرين مما حل به. وشدّد على القول: ((إنهم يسمّونني كلينكس الأميركان، أي المنديل الورقي لحماماتهم. لكنهم يستخدمونني عندما يحتاجون إليّ، ثم يرمونني بعيداً في النهاية)).