أرشيف - غير مصنف
نتنياهو والرهان الخاسر
جيمس زغبي
ليس صعباً التكهن بردود الفعل التي تلت الاجتماعات الثنائية التي عقدها الرئيس أوباما مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في نيويورك، ثم الخطاب الذي ألقاه أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد بدا الجانب الإسرائيلي منتصراً بينما وجّه الجزء الأعظم من الصحافة العربية الانتقادات لأوباما بسبب ضعفه في مواجهة إصرار إسرائيل على المضي قدماً في سياسات الاستيطان، إلى جانب التعليق على المصاعب التي تعرض لها رئيس السلطة الفلسطينية، الذي بدا وكأن واشنطن قد تخلت عنه في مسألة المستوطنات، التي تمثل شرطاً لابد منه لاستئناف مفاوضات السلام مع الطرف الإسرائيلي. وفي واشنطن كذلك تباينت ردود الفعل بين من أشاد بإبداء الرئيس أوباما عدم صبره إزاء تعنت إسرائيل، وإلحاحه على المضي في خطوات بناء الثقة بين طرفي الصراع، ومن انتقده على ما رأى فيه من ضعف وتراجع أمام العناد الإسرائيلي.
وبين هذين الموقفين تبقى عدة ملاحظات لابد من تسجيلها.
ربما كان صحيحاً إلى حد ما الاعتقاد بأن نتنياهو هو الطرف الرابح في هذه التطورات الأخيرة، بينما بدا عباس طرفاً خاسراً فيها. ومن العواقب السياسية الواضحة لهذا الاعتقاد، تغول موقف اليمين الإسرائيلي المتطرف، على نحو ما عبر عن ذلك بعض ممثليه، إضافة إلى تعليقات نتنياهو نفسه. وفي المقابل تعززت مواقف التيار الفلسطيني المتشدد المعارض للسلطة الفلسطينية، ما دفعه إلى تصعيد انتقاداته وشكوكه في قدرات عباس القيادية.
وربما كان صحيحاً إلى حد ما كذلك القول بتراجع أوباما أمام تمسك إسرائيل بسياساتها التوسعية الاستيطانية، وهو التمسك الذي أحبط آماله في المضي قدماً في خطوات بناء الثقة المتبادلة بين الطرفين وخلق الأجواء الملائمة لاستئناف مفاوضات السلام. ويرتبط هذا الاعتقاد بمحاولة أوباما القيام بأفضل ما هو ممكن إزاء وضع نزاعي سيئ في الأصل بعقده للاجتماعات الثنائية المذكورة أعلاه وتعبيره عن عدم احتماله لسياسات التوسع الاستيطاني التي تتبعها إسرائيل.
وفي هذا السياق علينا أن نذكر أن أوباما عبّر في مرات عديدة -من خلال تعليقاته العامة والخاصة- عن رغبته في استئناف مفاوضات السلام دون شروط مسبقة -ولعل هذا ما أراده نتنياهو- ولكن شريطة أن تتصدى هذه المفاوضات لقضايا الوضع النهائي المتمثلة في: الأمن، والحدود، ومصير اللاجئين الفلسطينيين، ثم القدس. وهذه هي القضايا التي لا يرغب نتنياهو في التفاوض حولها. وفي المقابل لم تعلن واشنطن قبولها للممارسات الاستيطانية الإسرائيلية أو تعلن اعترافها بشرعيتها.
وبعد سرد هذه الملاحظات، فربما يتباهى نتنياهو بما تحقق له من نصر حسب اعتقاده، بيد أنه نصر مؤقت وسريع الزوال. فبينما سعى نتنياهو إلى حصر المفاوضات في موضوعي الأمن والتعاون الاقتصادي، من الواضح أنه لن يحصل على ما أراد في نهاية الأمر، وخاصة أن أوباما هو الذي حدد إطار وأجندة الجولة القادمة من المحادثات.
كما ينبغي الانتباه كذلك إلى نفاد صبر أوباما وتبرمه من سياسات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. وتنشأ هذه الأهمية من سببين. أولهما أن الوقت ليس ملائماً للدفع بعملية السلام، طالما واصلت إسرائيل تغييرها لـ “الحقائق على الأرض” وهي العقبة الرئيسية أمام عملية السلام.
ولما كانت اتفاقية السلام الإقليمي الشامل في المنطقة، ليست أمراً يهم الإسرائيليين والعرب وحدهم، وإنما هي كذلك مسألة لها صلة بمصالح الأمن القومي الأميركي، فإن من المفهوم أن يتحدث أوباما عن مضاعفة جهوده في سبيل استئناف مفاوضات السلام خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وعليه يتوقع أن يواصل مبعوثه الخاص للمنطقة جورج ميتشل محادثات السلام الثنائية الأميركية- الإسرائيلية والأميركية -الفلسطينية لبعض الوقت، على أن يرفع تقريره عما أحرز من تقدم في هذه المحادثات إلى وزيرة خارجية بلاده بحلول منتصف الشهر الحالي، كي يوضع التقرير على طاولة الرئيس في نهاية الأمر. وفيما لو لم يحرز تقدم يذكر -وهذا هو السيناريو المرجح- عندها لابد لأوباما من أن يتقدم بخطة جديدة ويتدخل في مسار المفاوضات شخصياً. وتلك هي اللحظة التي يختبر فيها المعدن القيادي لأوباما وإدارته