لا ترثوه
ولا تحملوا عبىء الحداد
إنه ثقيل لن تقووا عليه
معاركه كانت كثيره
وعلمته التجارب
قلدوه..
كيف خلق سيفاً لذكراه
ونمى مخلباً لساعديه
أو إنسوه.. لا تشفقوا عليه
لأنه دم
ويعلم كيف يُعاقب
بعد إنتصار تموز المجيد قال السيد حسن نصر الله: “إن المقاومة تقود حملة توعية بالدم “. لم يقصد السيد حينها بأن الدم سيوضع في أقلام سائله لتكتب وتُعلم من تآمر عليه.. بل حسب هذا الدم يعلو فوق من خان ويكشفه ولو بعد حين
وتلك كانت النبوئة كاملة:
فشهداء حرب تموز 2006 سيبقى دمهم يُمانع ويقاتل إلى اللانهاية.. بينما الشيخ الذي حرّم الدُعاء لهم مات كالإبل على فراشه بعدما سال دمه وهو حيّ على عتبات السلاطين, فمات ناشفاً جافاً بلا دم ودون ماء وجه أيضاً.. والقدر أراد أن يموت في نفس شهر تموز أيضاً (شهر أن حاول إقفال أبواب السماء فقط لأنه يملك لحية أطول من لحى المؤمنين) مات بعد ثلاث سنين فكان تموز الشهداء ما زال يتردد بعد أن أنكفىء تموز الشيخ وتمدد. فأنتصر الدم.
أما دم شهداء مصر المجيدة الذي أسقى تراب سيناء في 6 أكتوبر 73 فبقي عائماً في أرض مصر.. نازفاً يُعاتب في السر.. ويلوم قائد المعركه الذي صافح اليدّ التي قتلتهم دون ان يُحقق سطراً واحداً من أحلامهم ولا حرفأ من هتافهم (الله أكبر حتى القدس)
فإذا بالقائد يتوعك وينقلب, خاف وأراد أن يفرض رسالته الخائفة عنوة, فعبر من فوق جثثهم وأتجه إلى القدس مُستسلماً للقاتل, ومُتبرءاً من أحلام المقتولين, إلى أن جآء أكتوبر آخر ولكن بعد 8 سنوات, فترجل دم الشهداء ومشى في عروق أبطال عرفهم, يشبهونه ويشبههم, حتى وصل إلى سواعدهم, فأمر بإطلاق الرصاص على القائد الذي خان جنوده وسامح بدمهم, فوقع القائد ومشى من فوقه دم الشهداء منتصراً في ذات اليوم من ذات الشهر.
وقبل غد وفي ذكرى النصر 6 اكتوبر 2009 كان وعيّ دم الجيش المصري ما زال يطوف في أزقة القاهرة, يتفقد مصير أعلامه وراياته التي رفعها في القتال, إلى أن توقف فوق إستاد رياضي تدور فيه معركة فكاهية بين فريقي مصر وكوستريكا, معركة لهو بالكورة, مُبارة في كرة القدم كل اهدافها نسيان, وإنتصار على ذكرى الدم, جمهور مليوني من ذات الشعب يطمح بإنتصارات طفولية, يرقصون وهم يحملون أعلاماً للعب لا للحرب, ليست للنصر, وليست للحياة بل للتغييب, فغار دم أكتوبر القديم على اهل أكتوبر الحالي, فأمر بإطلاق الحزن, فأنهزم اللاهون(0/2), فعادوا إلى بيوتهم وأعادوا أعلام مناسبات (المرح) خاصتهم إلى الأقبية لتعشش عليها خيوط العنكبوت. هكذا تحايل دم الشهداء على هتافات اللهو التي تضيع تحتها الذاكرة. فانتصر الدم أيضاً وأجبرهم على ذكراه.
أما دم شهداء غزة..آه
من لي لغزة أن يأخذني لاجئاً فأعيش حُراً ولو كنت مُقيداً
كان وحيداً واحداً .. فغدا شهيداً .. ثم أنقسم إلى ثلاقة مقاتلين: روحاً ودماً وجسد
الروح تصعد والجسد يُكلل بالتراب, أما الدم فلا هو ماءاً ليتبخر ولا هو نبع رملٌ لينسجم.. بل بقي يعوم فوق غزة, يضيء ويقاتل. يضيء الطريق أمام من بقي من الرفاق فيشير إلى أعداء الأمل, ويقاتل المعدن بحمرته السائلة, وقت أن غابت حُمرة الخجل.
نعلم يا دم غزة انك كنت وحيداً.. نعلم انهم عزوا عليك دموعهم وأنت تنزف من أجلهم. ونعلم أكثر أنهم كانوا يضربون من (تظاهر فقط) لأجلك.
وقت ان كنت تكتب بذاتك إسمهم قبل إسمك..كانوا يتهامسون مع شياطينهم ويشجعوهم على إستباحتك.
وها هم الآن في كهنوت الخيانة ما زالوا يضربون رؤسهم الخشبية على الأوراق التي فقط حاولت ان تثنصفك. فشكرناك وانت تسيل
وأيضاً الآن نشكرك.. نشكرك لأنك انتصرت مرتين: الأولى على أخلاق قاتلك. والثانية على أنك ما زلت تكشف من حال بيننا وبين دمك.
فها نحن الآن نقرأ إضاءت وصيتك:”يا أخي لن ينفع إغلاق الباب ما دام الشيطان يختبىء في صالة منزلك ” حفظناها وصدقناك.. ومن أصدق من دم الشهداء؟
أنتصرت مرة أخرى يا دم غزة.
فهنيئاً لك شهادتك, ووعيك, وإرثك.
عنان العجاوي