أرشيف - غير مصنف
مع الصحة لا تنفع المساومة.. ولكن!
خالد وليد محمود
كثيرا ما صرخ رأسي، وتسارعت دقات قلبي خلال الشهر الماضي، بحثت عن السبب فلم أجده، ولأن جميع فحوصاتي المخبرية كانت طبيعية، لجأت مطواعاً للمسكنات ولخلفاء ابن سينا ، لاعتقاد مني بأنني في هذه الأدوية والمسكنات سأجد فيها سر خفقات قلبي وصداعي وقلقي الذي سرق مني راحتي…احتار الاطباء في أمري، الى ان جاء التشخيص بأن هناك غدة مشكوكاً بأمرها تسبب لي كل هذه الاعراض وهي “الغدة الكظرية”، وبعد صورة محورية وجد أنها منتفخة وهي سبب كل ما اشكو منه، وكانت النصيحة الطبية استئصال هذه الغدة لمحاصرتها ، وافقت دون تردد فمع الصحة لا تنفع المساومة!
شركة التأمين الصحي رفضت تغطية العملية، لأسباب غير مقنعة بتاتا ، الأمر الذي تأكد لي أن مثل هذه الشركات لا يمكن ان تصنف الا ضمن شركات النصب والاحتيال، ولأنني لجأت لطبيب لا يعمل عملياته الا في مستشفى 5 نجوم ، تحسست جيبي وترددت في البداية لولا أن هاتفتني “زميلتي” من الشركة التي أعمل بها مبشرة اياي أنهم قرروا دفع نصف المبلغ مما اضطرني للحساب بالقلم والورقة والقبول بالعرض.
كانت لدي قناعة أن “البطرانون” هم من يدخلون المستشفيات الخاصة او من يملكون التأمين ذو الدرجات الاولى والأجنحة الخاصة، أما الفقراء فليس لهم سوى رحمة الله.
تجربتي مع المستشفيات الخاصة أكدت لي ان التأمين الصحي ضرورة ملحة لكل مواطن خاصة ذلك الذي ليس له جهة يستند اليها وعرفت ايضاً لماذا يموت الناس بعللهم، وعرفت ايضاً بعض الطرق المتبعة للثراء المباغت الذي نجد اثاره واضحة في عيادات بعض الاطباء.
ومن جملة ما تعرفت عليه ايضاً أن الغرف والأجنحة بدرجاتها وتسمياتها المختلفة في المستشفيات الخاصة، تتوفر فورا عندما تخرج “الفلوس – الكاش” أو “الكريدت كارد” من جيبك، وتبدي الاستعداد لدفع الفروقات بين ما تدفعه شركة التأمين وما يدفعه “مريض الكاش“!
هذا الكلام طبعا لا ينطبق على كل الأطباء وكل المستشفيات ولا كل شركات التأمين وفي كل الأوقات، هناك أطباء نحترمهم ونقدرهم لأنهم يحترمون مرضاهم وهناك مستشفيات أو موظفين في مستشفيات، يتعاملون بالعقلية ذاتها، ولكن مقابل هؤلاء، ثمة من يرى في المرضى مجرد زبائن، وثمة من المستشفيات من يعمل جديا على منافسة ومجاراة الفنادق السياحية في السباق على جيب “المريض” حتى لو كان الاخير بيشحد الملح!
اليوم كان موعد خروجي من المستشفى، قررت كتابة مقالي هذا وما ان بدأت حتى دخل طبيب راسما نصف ابتسامة قائلاً :سلامتك! و تبعه مجموعة من الممرضين والممرضات دخلوا كالقضاء المستعجل سلبوا فكرة الكتابة من رأسي بعد ان لقموني ميزان الحرارة على الرغم من انني كنت ارتجف برداً لغيابي عن دفء بيتي!
لا ابالغ القول أن فاتورتي في المستشفى كانت كفيلة بعلاج عشرات المرضى او اجراء 5 عمليات كبرى في المستشفيات الحكومية ولا ابالغ ان قلت بأنها كانت كفيلة بارسال شحنة أدوية لقطاع غزة،مما تأكد لي انني دفعت ثمن الكلمة “الحلوة” والابتسامة “الصفراء” ودفعت ثمن وجعي ونفسي ، شهيقي وزفيري.
ابتسامة وجع رسمتها على محياي وانا اضع يدي على جرحي مخاطباً نفسي: بأننا نقبل مشارط الأطباء لا لنعيش كثيرا أو لنتألم أكثر،أو لنكبد جيوبنا أو شركات التأمين مبالغ طائلة ، وإنما لتكون نوعية الحياة مقبولة، وليكون عقلنا متوازنا، وخلقنا بهيجا!