الخبير السياسي والأمني فيليب جيرالدي، ضابط سابق في ألـCIA وكالة المخابرات المركزية الأميركية. اشتُهر سنة 2005 بكشفه معلومات تؤكد أنّ الولايات المتحدة تخطط لمهاجمة إيران بـ(الأسلحة النووية) ردّاً على هجوم إرهابي ضد واشنطن، بصرف النظر سواء أكانت إيران مشاركة أو غير مشاركة في هذا الهجوم. وحالياً يعمل جيرالدي خبيراً مشاركاً في (مركز الاستشارات الأمنية الدولية) المسمى أيضاً (شركاء كانيسترارو). أعلن في آب 2005، وفي مجلة أميركية محافظة أن نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني قد أصدر أمراً إلى STRATCOM للاستعداد لـ(خطة طوارئ) تُستخدم ردّاً على هجوم إرهابي من طراز 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة، وتتضمن الخطة هجوماً جوياً واسع النطاق، تستخدم فيه الأسلحة النووية، التكتيكية والتقليدية، وليس بالضرورة أن تكون إيران متورطة في ذلك الهجوم بشكل مباشر. وأوضح أن تشيني برّر استخدام (الثوب القصير) كناية عن الأسلحة النووية، بزعمه أن الرؤوس الحربية اللانووية لا يمكن أن تدمّر المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض أو في باطن الجبال. وتجدر الإشارة الى أن “ستراتكوم”STRARCOM هي القيادة الاستراتيجية الأميركية، وهي واحدة من القيادات القتالية الموحدة في البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) وكانت هيئة الأركان المشتركة قد أوجدتها، سنة 1992، بديلاً للقيادة الجوية الستراتيجية SAC. وستراتكوم مسؤولة عن عمليات الفضاء (كالهجمات الفضائية العسكرية) والعمليات المعلوماتية (كحرب المعلومات)، والدفاع الصاروخي، القيادة والسيطرة العالمية، والاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، والضربات العالمية والردع الاستراتيجي (أي الترسانة النووية الأميركية)، وأسلحة الدمار الشامل.
وفي مقال نشرته شبكة (أنتي وور) أو (ضد الحرب) تحت عنوان (مرثية في الإمبريالية) قال الخبير فيليب جيرالدي: لقد عارضت حرب العراق من قبل أن تبدأ، ولم يصبح ذلك (حالة شخصية) بالنسبة لي إلا قبل سنة ونصف السنة من الآن.. تحديداً في 29 نيسان 2008، أتذكر اللحظة جيداً. لقد فتحت صحيفة الواشنطن بوست، فكان على صفحتها الأولى صورة ملوّنة لولد عراقي عمره سنتان، يسمّى (علي حسين) قد أخرج من بين أنقاض بيته الذي دُمّر بهجمة صاروخية أميركية.
الولد الصغير –يقول جيرالد- كان يرتدي بنطلوناً قصيراً وتي-شيرت، كانت إحدى قديمه مقلوبة، ورأسه منكسر الى ظهره في زاوية أوحت لمن رآه أنه ميّت لا محالة. ذلك الولد الصغير كان يبدو لي كحفيدي الصغير، ملابسه نفسها تقريباً، تأملته وهو جالس الى جانبي يتناول فطوره. وعندما هُرعت إلى الصورة، حدّق فيّ حفيدي، واكفهر وجهه متسائلاً ما الذي يجعل جدّه يبكي!.
وبعد 4 أيام، وبالتحديد في 3 مايس، نشر المحلل السياسي دان لورنغ في الواشنطن بوست رسالة باسم امرأة تسمى (فاليري مورفي) اشتكت فيها من أن صورة الطفل الصغير الضحية، يجب أن لا تُنشر في الصحيفة، لأنها ((تثير المعارضة للحرب وتغذي المشاعر المعادية للولايات المتحدة)). يقول جيرالد: لقد افترضت أن الصحيفة اعتقدت أنها كانت نزيهة في نشر رسالة المرأة. وبرغم أنني ما استطعت المساعدة في توضيح ذلك، إلا أنني أتذكر أن الواشنطن بوست لم تكن راغبة في العموم لتغطية أي شيء ضد الحرب، حتى أنها تهمل عمليات احتشاد نحو 300,000 محتج على الحرب في واشنطن سنة 2005.
وتابع الخبير الأمني قوله: إن إعادة قراءة شكوى المرأة، وأيضا التعليق الذي نشر في موقع الصحيفة على الإنترنت، والذي رأى أن صورة الولد الميت تلك، قد جعلتني أتساءل مع نفسي: ((أي نوع من الوحشية قد صرنا عليه في الولايات المتحدة؟)). وفي الحقيقة، لقد صرنا وحوشاً، وحوشاً متلفعة بالعلم الأميركي. ولقد قالت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد الرئيس بيل كلنتون ذات يوم: ((إن قتل 500,000 طفل عراقي بالعقوبات الاقتصادية نتيجة تستحق فرضها)). وكل يوم يمر تؤكد فيه إدارتنا الديمقراطية، أنها مستمرة بسياسات الإدارة الجمهورية السابقة، فهي أيضا تقصف المزارعين وتقتلهم في حقولهم، وتقتل الأطفال في مدارسهم، والأطباء والمرضى في مستشفياتهم، والعوائل في حفلات أعراسها. ونحن نعمل ذلك مستعملين الطائرات من دون طيّار، والهليكوبترات، والطائرات المقاتلة التي تحلق عالياً في السماء، وتوجّه ضرباتها إلى أولئك الذين لا يرونها من الأرض!!.
ويؤكد الخبير الأمني قوله: إن (الذبح) أصبح وبدقة (تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين) الموت المفروض على الناس من أعالي السماء، حيث نقتل ولا نرى دماً، ولا ننظر في عيون أولئك الذين نقتلهم. ونحن نفعل ذلك فقط لأن قادتنا يخبروننا بأننا بحاجة الى أن نقتل الآخرين، لكي نبعدهم عن مهاجمتنا. ولكننا جميعاً نعرف إنّ ذلك (احتيال)!. هل يفكـّر أي أميركي بالذي يجري حقاً في العراق أو أفغانستان، وهل سكان هاتين الدولتين، يمكن أن يشكلوا تهديداً جوهرياً للولايات المتحدة؟.
ويضيف: كلما قتلنا أكثر، أعطينا المبرر لأولئك الذين يكرهوننا، الضمانة بأن حمامات الدم لن تنتهي أبداً. وأيّاً ما كانت قد فعلته الحكومة الأميركية، أو لم تفعله، فنحن بالتأكيد سوف نغادر العراق وأفغانستان ذات يوم، وهذان البلدان سوف يتعلمان بسرعة كيف يعيشان من دوننا. والخميس الماضي كان الجنرال رايان أوديرنو القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق قد أخبر الصحفيين في البنتاغون، قائلاً: ((أنا لست متأكداً من أننا سنرى أي شخص يعلن النصر في العراق، لأنني لست متأكداً في المقام الأول أننا سوف نعرف ذلك بعد 10 سنوات أو 5 سنوات)).. ويعلق جيرالد على ذلك قائلاً: إذا كان الجنرال أوديرنو يتعمد تعريف حربه بمصطلحات يستعيرها من (عبارات الهجاء الوطني)، فإنه لن يستطيع عمل شيء بشكل أفضل. والشيء الوحيد المُتأكد منه أنْ ليس هناك حشود ودّية، في وقت تقلع فيه طائرات C-17 من قاعدة باغرام الجوية، ونحن سوف نترك العراق ولا نبقي خلفنا إلا الكراهية، الكراهية والقتلى، مئات الألوف من القتلى.
وهذه الأيام –يضيف الخبير الأمني- إذ يبدو أن طراز الحرب اللانهائية، سيختم عليه بـ “البصمة الوراثية” لزعمائنا، الديمقراطيين والجمهوريين، فإنني حزين وبخاصة على مواطنينا خلال السنوات التسع الماضية. إنني أتذكر جيداً الوجوه الشابّة لرفاقي السابقين في الجيش الذين قتلوا في فييتنام، وفي حرب لم يفهمها أي واحد منا، وجوه (تجمّدت) في أعيننا لزمن، ثم تلاشت الى الأبد!!.
ويقول جيرالد إن الأرقام تخبرنا أن 4,348 أميركياً قد قتلوا في العراق، وأن 869 آخرين قتلوا في أفغانستان، وحيث لا نهاية قريبة للحرب على الجبهتين، وأن معدلات الموت في أفغانستان تتصاعد بشكل كبير. وأنا أقرأ بعناية مرثيات الجنود وجنود المارينز في الصحف، نساء ورجال مثلي، تركوا وراءهم عوائل مشتتة، ولن يروا أطفالهم وهم يكبرون أمام أعينهم ثانية، ولن تكون لهم أحلام يحققونها. أما العراقيون والأفغان القتلى، فهم يشكلون (تراجيديا إنسانية هائلة لا يمكن تصوّرها) لكنّ الأميركان الذين قتلوا لحمهم من لحمنا، ودمهم من دمنا.
وكما كتب (جون دون) فإن الموتى منّا، لذا ((لا تسأل لمن تقرع الأجراس، إنها تُقرع لك)). إنهم لم يريقوا دماءهم لكي يسقوا شجرة الحرية، ولكنْ بالأحرى ليسقوا (حديقة الخداع) التي زرعها سياسيونا الذي أغفلوا القاعدة الأصلية بأنك عندما تطلب من أي أميركي أن يموت على تراب أرض أجنبية، يجب أن يكون ذلك هو (الملاذ الأخير) وليس (خياراً سياسياً)!. ثماني سنوات من تضحيات أطفالنا، لم تجعلنا أكثر أمناً، ولم تجعلنا أفضل عيشاً، إنها فقط خلقت لنا المزيد من الكره في العالم!. ويتابع فيليب جيرالد قوله: في أخبار الوفيات التي قرأتها هذا الأسبوع، كانت هناك حيوات حقيقية، وناس حقيقيون. جنود قتلوا وعوائل دُمّرت. وليوم الأحد وحده، قتل 8 جنود أميركان في سلسلة من الهجمات في محافظة نورستان، واثنان آخران قتلا في محافظة ورداك في اليوم السابق أطلق النار عليهم رجال الشرطة الأفغان الذين كانوا يدرّبونهم. والجنديان اللذان قتلا في ورداك عُرفا بأنهما العريف مايكل أم. سميث من مانهاتن، وبراندون أونز من ميمفيس. وتعرّفت بالأسماء على 4 من الثمانية الذين قتلوا في نورستان.
وأوضح أن الأميركان يحتاجون الى التوحد ليخبروا (البوشيين) و(الكلنتونيين) و(الأوباميين) أنهم لن يقبلوا بإرسال أولادنا وبناتنا مرة ثانية الى الحروب. لقد حان الوقت لجميعنا كي نقول للجنرال ميكرستال قائد الجيوش في أفغانستان، وللجنرال أوديرنو قائد الجيوش في العراق، وكذلك الجنرال بيتريوس رئيس القيادة المركزية في الشرق الأوسط، وكذلك للذين يمكـّنونهم في الكونغرس وفي وسائل الإعلام: ((كفى!!)). إن أي أميركي يجب أن يقف ليتذكر سميث، وأونز، وكيرك، وغيرهم الذي أعطوا أرواحهم في أيام عطلة الأسبوع. وجميع الأميركان –كما يؤكد فيليب جيرالد ضابط المخابرات السابق وهو يتحدث لمواطنيه عبر مقاله في شبكة أنتي وور- يجب أن يفكروا أولاً بأحفادهم، وأبنائهم، وبناتهم، وأصدقائهم، والأشخاص الذين يحبونهم، والذين قد تزهق أرواحهم في هذه الحرب الطويلة التي يستمر السياسيون وجنرالات الجيش في اعتناقها. وختم الخبير الأمني حديثه بالقول: يجب أن لا يكون هناك موت بلا سبب، سواء بالنسبة للأميركي أو العراقي أو الأفغاني أو الإيراني. لا أحد.. يجب أن نجعل ذلك طلباً ملحاً نتقدم به لسياسيينا، وإذا لم يوافقوا، يجب أن نفعل كل ما نستطيع من أجل أن نزيلهم من مناصبهم. إنهم بلا شك سوف يُستبدلون برجال ونساء فقط أقل قليلاً أحسن منهم، ولكننا إذا ما كرّرنا الدرس، بشكل كاف، فإنهم في النهاية سوف يدركون فحوى الرسالة، ومن المحتمل أن يعيدوا للولايات المتحدة صورتها التي رسمها الآباء المؤسسون منهين حالة (الحرب الدائمة) وبدلاً من ذلك عرض السلام والتجارة والعلاقات النزيهة مع كل الأمم والشعوب.