بعد إفشال التصويت على قرار جولدستون, خرج علينا بعض كتبت القصر بمبرراتهم المستفيدة, والتي تقول بأن: (الشرعية, تعلم مصلحة الوطن). لندع هنا مصلحة الوطن المنهوبة جانباً, ولنمسك مستمتين بالشطر الأول من المبرر الذي اخرجوه على أنفسهم, هل يقصدون بالشرعية بأن الشعب أصبح يعيش في حظيرة واسعة مُحاطة بالجدار ومن حق الحاكم بأمر لا أحد أن يتاجر ويغامر ويبقشش على من يشاء من معارفه بحقوقنا!.
والحقيقة أنها ليست حقوقنا بل هي حقوق الشهداء الذين دائماً ما يكونوا كرمانة الميزان في يدي قياداتنا المستهترة,
وإن أراد السيد عباس ان يبقشش ويساوم فليفعل من حقوق عائلة “ميرزا” الكريمة, وليترك هذا الدم الطاهر بعيداً عن حلبات السياسة التي ساروا في ركبها حتى ركبتهم.
وبعد ما قُدم من تخاذل وبصفتي مواطن فلسطيني من حقي أن أقول أنك لا تمثلني أيها الرئيس “الشش …رعي”,
فمن الذي أعطى تلك الأصابع البيضاء كأنامل شجرة الدر هذا الحق الإلهي بالتصرف بالدم؟
الشرعية؟ …إنها بيضة الديك وإذا تحدث أحدهم عن شرعية الرئاسة الفلسطينية ووطنيتها, لا يسعك يا أخي الفلسطيني سوى أن تقلب جيوبك وتصك خدودك وتنفش شعر رأسك في دليل شرعي على إفلاسك المادي والمعنوي والأخوي والعاطفي تجاههم.
ولا ضير لو أعطيت قدميك للريح وركضت بخطى واسعة كمجنون الحارة.. وهذا حقك الذي تكفله لك كل الشرعيات والكوارث الدولية, والجنون حق إنساني يروج له كل رئيس عربي لمواطنيه.
فما الذي كان وما الذي تبقى من شرعية الرئيس الفلسطيني وأبواقه سوى أن بعض أقلام النميمة ما زالت على العهد!.
ومرة أخرى: ماذا بقي من شرعية الرئيس الفلسطيني وكل برنامجه السياسي, الداخلي والخارجي؟
ولنبدأ بالثوابت القانونية, فالسيد عباس مدد لنفسه بعد فترة إنتهاء ولايته القانونية, والسبب طبعاً ليس سلبياً من وجهة نظره, ولكن هذا مرض رئاسي عربي شامل مثل إنفلونزا الخريف, حيث يصل أي رئيس منهم الى مرحلة التخريف والعمى, بحيث يظن بأن الرحم الذي أنجبه لم ينجب سواه, وأنه حالة فردية لا يمكن أن يجود بها الزمن مرتين, ولذلك يفني كل عمره يعصر نفسه من أجلنا حتى يُخرج كل البروتيانات والفيتامينات التي لا يمتلكها أحد غيره من العالمين.
ثانياً, أما شرعية الثقة الوطنية, التي دائما يكتسبها الرئيس من رعاياه, كان السيد عباس قد فقدها مع أول صاروخ أُطلق على قطاع غزة ومع أول سلك مُحاصر للقطاع, ومن ثم مع أول مُباركة لهذا السلك وذلك الصاروخ من قبل أعمدة السلطة المُنكسرة.. من نبيل1 إلى نبيل2.حتى نبيل3. وبعد ذلك تصفية المقاومين وسجنهم إنتهاءاً بإفشال تقرير جولدستون, وهذا وحده جدير بتقديم كل قيادة الصف الأول إلى محاكمة عسكرية وطنية والحكم بإعدامهم بآخر ما توصل اليه علم السباب والشتائم من ذخيرة حية.
ثالثاً, الشرعية السياسية, وحدث عن هذا العار بلا حرج, فمنذ قدوم السيد عباس إلى كرسي الخلود(الحُكم) لم يكسب الشعب الفلسطيني أكثر من بضع سنتميترات مُحررة على خدود أولمرت, ومن بعده ربما سنربح شفايف نتنياهو, فيما نخسر كل يوم الاًف الدونيمات على قمم جبال الضفة التي أستبيحت بالمغتصبات.
رابعاً. الشرعية الدينية, لم نستفد من إيمانهم القوي سوى المزيد من التطنيش للمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينتي القدس والخليل, والذي أتبته مسؤول ملف القدس السيد حاتم عبد القادر حين قدم إستقالته لأن السلطة لم تنفق في اوج كرمها أكثر من 1% من ميزانيتها على تعزيز صمود أهلنا في القدس الشريف.
وأيضاً التمييز العنصر الذي يُندى له الجبين في الوظائف الحكومية ضد من تظهر عليه علامات التدين.
خامساً, الشرعية القومية التي كانت أهم الإمتدادات الوطنية الفلسطينية إلى العمق العربي, حيث تسقط كل يوم عندما تقع السلطة في حفرة واحدة مع الحكومات الرجعية واللاوطنية واللاعربية, المُطبعة, والمتعاونة, والمُنظرة للعدو.
سادساً, الشرعية الإقتصادية, وليبذل السيد فياض أقصى طاقته حتى يسقط شعر رأسه, فهو لن يستطيع قطع يد الشحدة التي مدها السياسي الفلسطيني منذ أول يوم طلق فيه التحرير وسعى فيه للحكم, ولكنها ليست شحدة بالمجان كالتي يمارسها أطفال الشوارع في الأزقـّة والحارات, ولكنها شحدة أشبه بالديّن الذي يكون عليه رسوم الفائدة الوطنية, أي ان تلك الشحدة لو طبقها الاطفال المتشردون فلن تجدهم يقفون على إشارات المرور يسترزقون بدموعهم, ولكن ستسمع أن المُشحدّ أخذهم معه إلى شقته ليقتل إنسانيتهم ببرود,, إنها شحدة بالمقابل, يقتل السياسي الفلسطيني إنسانية قضيته مقابل مال للتجميل العام وسرعان ما ستهدمه جرافات الاحتلال.
أو في أكثر الظروف رفاهية سيحول إقتصادنا إلى هدف بحد ذاته,, ان نبني قصور من رمل البحر, كما وعد المُرابي نتنياهو الذي يمثل الآن دور اليهودي “شايلوك” في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير, حين دعى إلى سلام إقتصادي يحمل فيه الفلسطيني الزاد ويسافر ليُعمر المستوطنات و يبني الكُنس, وربما سيكون سياسيينا هم المقاولون كما حدث في الجدار العازل.
لقد كان الشعب الفلسطيني يعيش أنتفاضته الأولى تحت سيف الجوع وأكملها دون أي حسابات إقتصادية يرسمها له عمال البنوك, كان حسبه يجد قوت اولاده دون مقابل قد يمنع عملية إستشهادية من أجل رغيف السم.
ولم يبني “الفيت من” سياسات إقتصادية على حساب الخنادق التي كانوا ينفذون من خلالها إلى قواعد المُحتل, ولم يكن هناك قصور يخاف على هدمها المقاوم بجنوب لبنان. بل كان الثوار في كل بقاع الأرض يقاتلون جوعى و”على البساطة البساطة” كما تقول الأغنية الحكيمة.
سابعاً, أما الشرعية الثقافية, وهي الأهم, تُعاني يُتماً لا مثيل له, فمعاملة المثقفين في الضفة الغربية تتم على أساس الإنتماء الحزبي, الذي بات يُفضل على الإنتماء الوطني كما يحث في كل ديكتاتوية مجاورة, فالصحفيون دائماً مهددين بالإعتقال من قبل الاجهزة الأمنية, أو الاعتداء عليهم من قبل فحول الولاء, أما الدعم الثقافي فكله منصب على أقدام فرق الدبكة.. حيث أصبحوا يضعون الدبكة والرقص في خانة المُقاومة الثقافية, والأجدر بأن توضع في خانة الغيظ والإستفزاز العلمي لإسرائيل.. – فنحن نستطيع أن ندبك ونطنط وانتم لا أيها الأعداء الصهاينة.. موتوا بغيظكم.
ومن ثم يُخرج الدبيك لسانه إلى العدو ويستفزه.!!
وكل هذا العبث على حساب ماذا؟ على حساب المحافظة على الثقافة الحقيقية (والرجاء عدم دعمها. فقط حافطوا عليها كما هي). والثقافة الحقيقية تكون بربط المواطن بأهم إرث قد يضيع, وهو الجغرافيا وتعميق الإنتماء اليها وتعينها وحتى قياسها بالمللمتر. وأتحدى انه وفي خلال عشر سنوات قادمة سيحولون الضفة الغربية إلى مجتمع دبيك وهزاز بإسم التراث, بعدما يفقد الشباب عرقهم وطاقتهم في الفن لأجل الفن.
مثل الأفارقة الجوعي الذين يسحلون بناطيلهم فقط لتقليد السود بأمريكا عبر حركاتهم الشيطانية, والأصابع التي تصنع قرون, والجماجم المُعلقة على الصدور, وهي مان وتس أب.
أنهم فنانون ومعاصرين نعم, ولكن الأهم أنهم نسوا أنهم جياع ومظلموين, فالشكليات دائماً تغلب إذا أصبحت ركائز وتقليد لا يفيد, مثل الدبكة لأجل الدبكة.
يستطيع الجميع أن يراهم على تلفزيون فلسطين كيف يقاومون بالإستفزاز والغيظ, دون بث أغنية وطنية واحدة من الأغاني التي تجرح وتـُنبه, لأننا فعلاً مجروحين وبحاجة إلى منبه, وبحاجة إلى فن وثقافة ذات هوية حقيقية وليست شكلاً للهو والمرح فقط.
فالرقص والدبكة ليست ثقافة إذا لم يقرأ كل الجيل الفلسطيني رواية عائد إلى حيفا, وإذا لم يستطيعوا عدّ كل ما قـُلع من برتقال يافا.
“لقد هزمنا ثقافياً قبل أن نهزم ساسياً” قالها محمود درويش, والآن فإن المهزومين سياسياً يهزموننا ثقافياً ويروجون لثقافة النسيان والهزيمة, عبر ثقافة اللهو والتغييب.
فهناك عدوان للثقافة وللهوية الوطنية الفلسطينية “العميقة”, لم يستطع الإحتلال الترويج لهما عندما كان يمارس طُغيانه مُنفرداً: الجهل والرأسمالية. فالجهل يعم عن طريق النسيان وعبر ثقافة سطحية تعني أنه لا يوجد ثقافة أصلاً.
أما الرأسمالية فهي أشد خطراً من أموال الغني على إبنه المدلل.. وأكثر قبحاً من حساسية المتعلم الفقير تجاه قصر جاره الجاهل!!.. هل يستطيع أحد من خارج دائرتنا أن يصدق بأن ذوي الشرعية الذين ينتشرون كإنفلونزا الخنازير يركبون سيارة “الهمر” في قرى فقيرة ومُحتلة لا يوجد بها مكتبة عامة واحدة؟! وخالية من أي نشاط ثقافي حقيقي قد يدعمه أحد, فمن سيدعم ثقافة البقاء والصمود؟
شرعيتهم الصفراء؟
حتى تعم وتستشري كالأنيمية في أمخاخ الشعب ربما ستذهب الجارة وتدق باب جارتها بعد الظهر وتستلف منها كيلو شرعية بدل كيلو الملح,
لقد أصبحت كذبة الشرعية تلصق في الطبخة السياسية حتى حولوا الطعام إلى فاسد والهدف منه الشبع الشخصي ومن ثم النوم دون عمل ذو مجهود حقيقي.
ألم أقل أنهم لا يضمنون للإنسان سوى حفنة من الجنون.
أما إلى الشرعية, فهي حتماً ستبقى تلازم القوي والغني والمدعوم على إمتداد الوطن المُستباح, ولكنها حتما خسرت حرف “الشين” ليكونوا “رعية” فقط. لكن لهم راعي يحميهم غير راعينا.
لقد نسيت شرطاً مهماً يضعه علماء الإجتماع كشرط للشرعية ألا وهو الكاريزما.
ربما العجوز التي لا تتقن السياسة ولكنها تعلم معدن الرجال الأُصلاء من أشكالهم, ستجيب حازنة:
-يا حسرة من أين, ألا تراهم مثل رجال الثلج!!
فلم لا تأخذوا شرعيتكم وتنصرفوا؟
عنان العجاوي