أرشيف - غير مصنف
لو كنت مكان الرئيس محمود عباس ؟!
دكتور ناجى صادق شراب
أولا هذا مجرد حلم من أحلام اليقظة المتأخرة فى العمر ، وثانيا لا أتمنى أن أكون رئيسا لسلطة وهمية على الورق تحدد صلاحياتها سلطة ألأحتلال ألأسرائيلى ، فالأحتلال لا يصلح معه رئيس بالمعنى المؤسساتى السياسى ، الأحتلال يريد زعيم وقائد ثورى حتى يزول الأحتلال ، ومشكلة الفلسطينيين وليس الرئيس عباس فقط أنهم قبلوا بذلك قبل أزالة الأحتلال ، ومشكلة الرئيس عباس ان قد جاء بعد زعامة الرئيس عرفات الذى جمع فى يد المقاومة ، وفى يد اخرى السلطة ، لأن السلطة فى ثقافتنا السياسية مطلوبة حتى ولو فى زمنا الأحتلال . وأريد منذ البداية أن احدد بعض النقاط ولا أذهب بعيدا فى ردة الفعل والغضب الذى صاحب تأجيل التقرير الذى جاء مثل الصاعقة الكهربائية على السلطة ، لكن وقبل أن أسترسل فى الموضوع ،لآ بد من أبداء هذه الملاحظات الأساسية ، وأولها لآ أنكر ولا أبرئ السلطة وحتى أبومازن نفسه من مسؤولية التاجيل ، ,ان هذا كان خطاءا سياسيا كبيرا لكن فى الوقت ذاته يمكن أستدراكه وأحتواء آثاره المدمرة على مستقبل النظام السياسى الفلسطينى كله ، وليس فقط على السلطة ، وثانيا أنا لا أتفق مع توصيفات الخيانة ، وغير وطنى ، ولا أشكك فى صدق النوايا للرئيس وأنه قد تعرض لضغوطات كبيرة قد لا يقوى عليها رئيس تحكمه سلطة إحتلال حتى فى تنقاله وعبوره من حاجز إلى آخر، ومن غير المقبول أيضا اـهام الرئيس بالعملة والتواطؤ والخيانة ،فالأمور أذا ما قرأت بتأن وهدوء وبعيدا عن حسابات سياسية غير التقرير قد توصلنا لنتائج غير ذلك ، وعلينا ان نناقش قضايانا بحسابات وطنية فنحن أصحاب قضية وطنية وعالمية ، ولا أقلل أن الرئيس عباس يفهم العقلية الأسرائيلية جيدا إما بالدراسة والمعرفة أوالأحتكاك المباشر ،ألا أن هذه المعرفة قد خانته هذه المرة وخصوصا مع حكومة يمينية متشدده ، هدفها ألأساس أضعاف السلطة ألى اقصى درجة وخلق حالة من الفوضى الفلسطينية العارمة داخليا ، وبالتالى هى تحرر نفسها من عبء التفاوض ومن الضغوطات الأمريكية التى لا تقدر عليها . لأدراك أسرائيل انها هى التى تحدد من يحكم فى الضفة الغربية ، وأذا تركت غزه وحماس فيها ، فأعتقد جازما أن المسألة فى الضفة الغربية مختلفه تماما وهذا لم يفهمه المتخاصمون الفلسطينيون انفسهم ، والملاحظة الأخرى أن حركة فتح التى يرأسها الرئيس عباس قد اخذت نفس موقف حركة حماس من حيث ادانة ورفض تأجيل التقرير والمطالبة بمحاسبة المسؤوليين عن ذلك بما فيهم الرئيس عباس نفسه ، ومن هنا المزايده السياسية مرفوضه ،لأن المصلحة الوطنية ومصلحة القضية الفلسطينية اكبر من تقرير يدين أسرائيل بجرائم حرب ، وليس هو التقرير الأول ولا الأخير ، وعليه ينبغى وضع التقرير فى سياقه الصحيح وعدم الذهاب الى حد خلق حالة من الفوضى السياسية الفلسطينية ومن فراغ شرعى نحن فى غنى عنه . ولا شك ان الحالة الفلسطينية تؤكد لنا الحاجة الماسة الى الأنتخابات حتى نحقق التغيير المطلوب ولو كان على مستوى الرئاسة ، ولا خلاف أنها لحظة التغيير السياسيى الفلسطينى ولكن بطريقة الأنتخاب وتحمل الشعب الفلسطينى لمسؤولياته السياسية ومحاسبة الجميع دون إستثناء . ولا أخفى أننى قد التقيت الرئيس عباس أكثر من مرة ليس لوحدى ولكن مع مجموعة من المثقفين والأكاديميين والكتاب فى منتدى الرئاسة بغزه الذى لم يتبقى منه الا ركام التدمير الذىخلفته الحرب الأخيرة على غزه ، لذلك يفترض ان الرئيس هو اول المنددين بهذه الحرب ، ومن خلال هذه اللقاءات تعرفت عليه اكثر وفهمت كيف يفكر ، هو من الرئيس المؤسساتى السياسى الذى يسعى لبناء المؤسسات ومن النمط الذى لا يؤمن بالمقاومة المسلحة ، ويدرك اهمية المقاومة السلمية التى قد تكشف وجه اسرائيل الأحتلالى واللاأخلاقى الحقيقى ، وكان له فى تقرير جولدستون فرصة كبيرة . ولذلك هو من المنط الذى قد يصلح بعد أنهاء الأحتلال لأن اسرائيل لن تسمح له أن يحقق ما يريد وهذا ايضا ما لم يتم فهمه ، ولعلى وقبل الذهاب ماذا أنا فاعل لوكنت مكان الرئيس ،أن الرئيس قد احاط نفسه بعدد كبير من المستشارين السياسيين والبلوماسيين وبقى محتفظا بنفس الوجوه القديمة التى لا تسعى إلا كيف تحافظ على مكاسبها ، ويبدو ان هناك علاقة بين العمر والتمسك بالنفوذ والجاه ، فلا يعقل ان يبقى هذا مستشارا إلى أن يموت وهذا خطا آخر ساهم فى عدم ترشيد القرار السياسيى الفلسطينيى رغم معرفتى انه فى نظمنا السياسية الحاكمه يبقى الرئيس هو محور صنع القرار ومن هنا تأتى المسؤولية المباشرة على الرئيس . وهذا يتعارض مع مبدا الرئيس المؤسساتى وهو ما يفسر لنا ضعف وهشاشة مؤسساتنا السياسية بما فيهامنظمة التحرير التى يهيمن عليها أشخاص مؤبدون . ومن ألأمور التى تلفت النظر ليس فى عهد الرئيس عباس بل فى عهد الرئيس عرفات كثرة السفر للخارج ، وأنا لا أنكر أهمية الزيارات الدولية والأقليمية والعربية حتى نجلب التأييد للقضية الفلسطينية لكن بالنسبة لنا هذا فيه قدر من المبالغة كبير . وهذا من شأنه أن يترك فرصة للآخرين من المستشارين ان يقرر ما يشاء أو ان يتصرف فى القرار السياسى .
أعود لسؤال مقالتى اليوم ، لا شك أن الرئيس يمر فى أصعب لحظات حياته السياسية لكنى أدرك أنه قادر على معالجة الموضوع بهدوء وعقلانية اكبر ، فهو أولا الرئيس المنتخب المسؤول أما شعبه والشعب انتخبه وهو يعرف برنامجه السياسى ، لذا هنا لا يوجد خداع للشعب ، وهذا ألأنتخاب يجعل منه المسؤول مسؤولية مباشرة امام شعبه وليس أمام أى تنظيم أو حزب ، ولذا عليه أولا أن يتجه لشعبه مباشرة بخطاب سياسى وطنى يستعرض فيه ليس فقط ملابسات تأجيل القرار ، بل كل التطورات التى صاحبت القضية الفلسطينية منذ توليه الرئاسة ،وأن الشعب الذى أختار يملك من الوعى السياسيى ما يميز به بين الحقيقة والوهم أو الكذب ، وهذه المسؤولية تعنى تحمل كل التبعات والآثار الناجمة عن تاجيل التقرير ، وليس عيبا ان يعلن تحمله هذه المسؤولية والأعتذار لشعبه ، فأعتذار الحاكم لشعبه هو أعلى درجات تحمل المسؤولية والديموقراطية ، وأن يترك لشعبه أن يقرر بقائه من عدم بقائه ، ولو كنت مكان الرئيس لقدمت أستقالتى لهذا الشعب الذى يتحمل أخطاء كل قادته وسياسيه , وأنا اعرف أن الرئيس عباس يفكر فى ذلك وان الحال السياسى قد وصل به إلى هذه القناعة ، لكن هذا القرار يحتاج الى بيئة وظروف سياسية تعالج الخطأ الذى وقع ، ولا تدفع فى إتجاه تعقيد ألأمور ففى الأحوال العادية هذا الخيار هو المطلوب لكن المشكلة فى القرار أن قد يأتى فى وقت ألأنقسام ، ودستوريا سيأتى رئيس المجلس التشريعى ,الأمر قد لا يكون مقبولا فى ظل ظروف الأنقسام ، مما يزيد الحالةالفلسطينية تصعيدا وحربا أعلامية وقد تنتهى بزوال السلطة وعودة أسرائيل لأحتلال الضفة الغربية ، ومن ثم بروز الخيارات الأقليمية وخصوصا البديل الأردنى وهذا هو ما تسعى أليه حكومة نيتانياهو ،.وعليه مطلوب منه وبصفته الرئيس المنتخب والمسؤول امام شعبه أن يعمل على عودة الوحدة الوطنية الفلسطينية باتخاذ مبادرات وطنية وشجاعه ، وأن يعلن صراحة أنه لا يرغب فى الرئاسة ثانية ، وتحقيقا لهذا الغرض عليه تهيئة ألأجواء الفلسطينية لفتح الطريق أمام انتخابات رئاسية يدعو اليها من الأن حتى تحسم السجالات السياسية العقيمة ، ولو كنت مكان الرئيس وأحتراما للأستحقاق الدستورى ان أعلن بمرسوم رئاسى عن اجراء ألأنتخابات الرئاسية فى موعدها ، ولا مانع وفى نفس المرسوم تأجيل أنتخابات المجلس التشريعى لثلاثة او أربع أشهر أخرى أذا كان فى هذا أنقاذا للمصالح وأن كان ألأفضل الدعوة للأنتخابات الرئاسية والتشريعية معا ، وعندها لا يكون أمام حماس أو غيرها أى مبرر للرفض طالما ان المصلحة هى مصلحة القضية الفلسطينية وليس مصلحة التنظيم ، وليكن معروفا أن المسألة ليس قضية تقرير من عدمه ، وعى الرئيس أتخاذ من القرارات والأجراءات ما يعيد للسلطة مصداقيتها ، وان يقوم مثلا بأقالة كل المستشارين الذين تجاوزهم العمر والزمن والتطورات السياسية ويعلن عن مبادرته الكاملة للمصالحة ، وأن ينزع كل المبرر من طريق المصالحة مثل إطلاق مبادرة لأطلاق كل المعتقلين السياسيين ، وان يعيد النظر فى كل السلك الدبلوماسى الفلسطينى ، وأن يدعمه بالكفاءات الفلسطينية الشابة ,ان يتم أجارء وتغيير حكومى أقرب فى تشكيله للوحدة والمهنية ، وأن يرفع هو شعار التغييرمن التحرر والأستقلال . واعادة الأعتبار لتقرير جولدستون وتفعيله عبر كل القنوات الدولية . ولو كنت مكانه أخيرا لأعلنت الموقف من قضية السلام والمفاوضات وليتحمل الجميع مسؤوليته ، ولتتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتها والذهاب بالقضية الفلسطينية إلى الأمم المتحده لتتحمل مسؤوليتها المباشرة فى الأراضى المحتله أذا أريد لهذه السلطة أن تفشل ، وأذا حالت أسرائيل دون قيام الدولة الفلسطينية .
وأخيرا استدركت أننى فى غفوة سياسية ذهبت معها فى حلم طويل فى وقت القيلولة السياسية . والله من وراء القصد.
دكتور ناجى صادق شراب /اكاديمى وكاتب عربى