العرب ونظرية الإستحمار

زكريا النوايسة
 حتى لا يتوهم القارئ أنني سهوت عن حرف العين واستبدلته بالحاء في عنوان مقالي ، أقول:إن العرب يستحقون في أواننا هذا المفردتين معا ، وإن كنـت أقصـد في رأس مقالي (الاستحمار) وليس الاستعمار، ولعلي أزداد حرصا فوق حرصي على أن نستبدل نحن العربان اسم هذا العصر ليصبح عصر الاستحمار العربي ،لندخل به في كل موسوعات الدنيا القياسية وغير القياسية كأسرع شعوب العالم الحديث استحمارا.
 
 
 ويرى بعض الخبراء أن الاستحمار مرحلة ساخنة من مراحل الاستعمار، أو بشكل أدق قابلية الاستعمار التي تحدث عنها المفكر العربي الكبير (مالك بن نبي) في كتابه شروط النهضة ، وملخص ما ذهب إليه أن الاستعمار ليس بالضرورة أن يأتي بالقوة ،أو فرض الذات القوية نفسها على الذات الضعيفة، ولكنه قـد يأتـي ناعما وقد تهيـأت له نفوسنا، فنستكين له إلى حدٍ نعاف فيه حريتنا ،لنبدأ بعد ذلك رحلة البحث في الأفاق عن سيـد يستعبدنا،فيتعاقب علينا المستعمرون والمستحمرون ،فما أن يترجل عنا مستعمر حتى يستحمرنا آخر ونحن له من الشاكرين، ويذهب بعض فلاسفة نظرية الاستحمار أن الاستعمار ومن ثم الاستحمار باتت ضرورة من ضرورات بناء الذات ، وإلا كيف ستعمل هذه الشعوب المُستحمَرَة على الوقوف من جديد ما لم يكن هناك مهماز في أقفيتها، ويضيف هؤلاء أن الشعوب العربية استطاعت باقتدار أن تجعل من هذه النظرية قابلة للتطبيق في مختلف جزئيات حياتها.
 
 
 ولأن الاستحمار من شذوذ الحالة الحمارية، ويقابلها الاستغفال عند البشر من غير الشعوب العربية ، فإن الذات الحمارية تأباها وتترفع عنها،ولا تكاد تجد إشارة في الفكر الحماري ، أن ثمة حمار تبنى أو رضي بهذا الفكر الاستحماري،بل ما يؤثر عن المجتمع الحماري أنه نبه إلى خطورة الاستحمار، وشدد على ضرورة تحصين الفرد الحماري من انعكاسات هذا الفكر الشاذ.
 
 
حوارية بين حمار وعربي
—————
    حدّثَ أحدهم: أن حوارا دار بين حمار وعربـي التقيـا في الطريق
قال الحمار: أيها العربي، لما ترضى بهذا الواقع المشين، والذلّ الذي أحالك إلى مجرد كتلة من زيف وطين.
 
رد العربي وقد نفخ صدره كطاووس داهمه زهو مفاجئ: أي واقع هذا تتحدث عنه ونحن بني يعرب من كنّا نعقد للشمس ضفيرتها، ونهدي للأرض زخرفها، ونبعث نفوس العدا إلى حتفها، وكنَّا نضرب
 
 
قطع الحمار حديث العربي ساخر، وقائلاً: أيها البائس، أصابني دوار من حديثك عن ماضيك ، ولكن ماذا بشأن جديدك؟.
 
نظر العربي إلى الحمار غاضبا،وقال: يبدو أن طبيعتك الحمارية ، أعمت بصرك ، فأنا من قوم تهاب الدنيا كلها أن تواجههم، ولكنك لست إلا حمار.
 
نهق الحمار نهيقا عاليا وهو يقول:أيها العربـي ثمـة فرق شاسع بيننا، نعم أنا حمار بالفطرة، ولكن أنت حمار بالرغبة.
 
 في هذه الأثناء نهق جحش صغير نهيقا متواصلا وممزوجا باستنكار كبير، فقال الحمار: أنا مدين لبني قومي ولهذا الصغير باعتذار،أنْ أنسب لهم من يهون عليه طبعه.
يحـرك العربـي قدميه بعصبيه ويقول : أيها الحمار، لقد جاوزت حدَّك، فكيف تجرؤ على أن تنسبني إلى بني الحمير؟.
 
 ينظر الحمار إلى العربي بنصف عين ويقول : نعم لكَ علي حق الاعتذار فأنت لست حمارا وأنَّى لكَ أن تكون كذلكْ، فما أنت إلا مُستَحْمَـرا فقد رشـده، وحتى أعطيك دليلي أنظر إليّ فأنا لي ذيل واحد ، ولكن أنت لما لكَ اثنان؟
 
 
تحسس العربي قفاه فلامست يده ذيلين كما قال الحمار ،حرَّك شفتيه ليقول شيئا ، لكن الكلام عانده أو ربما يأنف أن يطاوعه.
 
 شعر الحمار بحرج العربي فنهق سائلا: ألا تريد إن تعرف أيها العربي لما لكَ ذيلان؟
 
 يومئ العربي بالموافقة ،فيحرك الحمار قوائمه بنشوة ويقول : أما الذيل الأول فلأن نفسك استكانت للاستعمار، وقد قال أحد حكمائكم: من استكان للاستعمار فقد قبله،أما الذيل الثاني فلأنك لبست ثوب الاستحمار،فاستمرأت الهزيمة وعلكت الهوان وشربت كأس المذلة.
 
 أيها العربي ، قل لي: ألم يستحمركم الانجليز والأمريكان وفرنسا والروس والطليان ورأس الشيطان الطالع من إيران؟! ألم تستحمركم كوندا وهيلاري وأوباما والبوشان ؟! فمن بقي إذن لم يستحمركم؟!.
يعود الجحش الصغير إلى نهيقه العصبي، فيزجره الحمار قائلا: وماذا بعد أيها الصغير؟.
 
يرفس الجحش بقدميه رفسات متواصلة وهو يقول: ليذهب هذا العربي فأنا لا أحتمل أن أبقى معه في ذات المكان.
Exit mobile version