أرشيف - غير مصنف

عشر دقائق بضيافة سعادة سفير دولة فلسطين في عمان

محمود عبد اللطيف قيسي
دخلت السفارة من بوابتها الرئيسية التي لا توحي بالرَهب لعدم وجود أسلاك شائكة أوكاميرات أوحواجز اسمنتية أو بشرية تمنعك من دخولها أو تستفسر منك بمئة سؤال وسؤال عن سبب زيارتك ، بل تشعرك بالآمان والسعة والفرح والسعادة ، لأنك تقرأ بعيون موظفيها وعلى جباههم العريضة ما يسبق لسانهم الحامد الشاكر ، ( اهلا بك حللت أهلا ووطئت سهلا ) ، دخلتها وبكل اعتزاز وفخر لأقدم لسعادة سفير دولة فلسطين كتابي ( مواقف الأردن الوطنية والقومية تجاه القضية الفلسطينية ) ، استقبلني مدير مكتبه الواعي المثقف الصادق الأمين بالقبلات والأحضان الدافئة حتى قبل أن أعرفه على نفسي ، أخرجت من حقيبتي كتاب قدمته إليه وأطلعته على رغبتي بتقديم مثله لسعادة السفير ، وببسمة عريضة وكلمات ترحيب فلسطينية قال ( حلت البركة ) .
ما إن دخلت مكتب سعادة السفير عطا خيري حتى تقدم نحوي مرحبا بلقائي وبالأحضان ، أعتقدت أنه عاملني هكذا كوني كاتب ، إلا أنه وبنفس الطريقة استقبل فلسطيني قادم من غزة جاء لأتمام معاملاته الخاصة ، كان سفيرا فوق العادة حبا لكل شعبه الذين يجلهم ويحترمهم ويعمل جاهدا لمساعدتهم وخدمتهم ، وبعد القهوة العربية تبادلنا الحديث بالسياسة الشغل الشاغل لأبناء وأحباء فلسطين ، فوجدته المتحدث المثقف اللبق والمستمع الجاد الذي يحترم محدثه ، لمست منه كما كل قادة النضال الفلسطيني وقادة حركة فتح كل الحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية  وعلى الصف والنسيج الوطني وعلى مسار القضية الفلسطينية ، وحرصه على ضرورة الوصول ومن خلال كل القنوات والطرق نحو الثوابت والدولة الفلسطينية ، وحرصه على علاقات مميزة مع جميع الأشقاء العرب وخاصة مع الإشقاء الأردنيين الذين دافعوا عن فلسطين وشعبها وقضيتها ، وأثبتوا حرصهم الدائم على القدس والمقدسات والمقدسيين ، وخدمتهم وبناءهم ورعايتهم الدائمة لقبة الصخرة المشرفة وللمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .
وعندما اتجه الحديث حول الأحوال والأحداث الفلسطينية الداخلية التي لا تسر إلا العدو الصهيوني ومن في ركبه وعلى خطه ، كان ككل القادة الفلسطينيين يصر دائما على استعمال كلمة الأخوة في حماس الذين لم يُخونّهم أو يشتمهم ، منطلقا من المسلكيات الثورية الفلسطينية ، لا كما يفعل كل قادة وكوادر وحتى أنصار حماس الذين وعلى رؤوس الأشهاد يشتمون ويخونون ويكفرون كل غيرهم ، منطلقين من مسلكيات رؤوس الفتنة والشياطين الباحثين عن اللهو للمتاجرة بدم الشعب الفلسطيني الزكي ، محاولين صناعة عدو مفترض للشعب الفلسطيني من بين أبناءه ومن قادته ومن حركته الجماهيرية حركة فتح ، نزولا عند رغبة مرضى الجنون والعظمة المتجهزين للانقضاض على القرار والشرعية الفلسطينية ، من أجل وئد وإنهاء القضية الفلسطينية ، التي راهن الأعداء المتكافلين والمتكاتفين أنها لن تستمر أكثر من ستين عاما ، فبهتوا وجنوا لإصرار الشعب الفلسطيني على حقوقه وتمسكه بها ، ووقوفه بقوة وصلابة خلف راية منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح ، وخلف قيادتها الراشدة الوفية .
عشر دقائق علمت بعدها لماذا انطلقت حركة فتح كحركة تحرر وطني فلسطيني ونجحت بتحديد أهدافها وبمسيرتها ، التي ومنذ انطلاقتها واجهت عراقيل ومطبات صنعها العدو الإسرائيلي بإتقان ووضعها أمامها بفن ودونما رحمة ، فتيقنتُ لماذا هي مستهدفة أيضا من غيره ، أستهدفت منذ انطلاقتها من اتجاهات حزبية لأنها حملت راية الفكر الوطني المستقل الخاص في حين أراد لها البعض المنغلق فكرا ، المحاول الانبعاج بحزبه وراء حدوده أن تكون تبيعة له ولنهجه وبرامجه  أستهدفت لأنها آمنت بالشعب المضيع والمكبل وبحقوقه المسلوبة التي من أهمها حق العودة ، أستهدفت لأنها انطلقت لتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، أستهدفت لأنها حصدت شرعيتها النضالية بالقلم والحق وبالبندقية ، لا بالسلب والنهب والخداع باسم الدين والإشاعة وأخيرا بالقتل ، كما يحاول في هذه الأثناء البعض الحاقد الماجن للاستئثار بها ، أستهدفت من الأفعى اليهودية التي أرادت عصر الوطن والشعب والقضية ، فتنبهت لها فتح العملاقة وأبطلت سمومها وأخارت قواها وأفشلت خياراتها ، أستهدفت من الغربان السود ماصة الدماء التي تنطق بالعربية وباللهجة الفلسطينية ، التي أرادت تمرير إمارة الظلام  وترسيخها في غزة ، ومحاولة شطب الدولة الحلم والأمل والمنهج الراغبة بنقل الشعب الفلسطيني للوراء  لمرحلة صنع النكبة ،  التي صنعها أعداء الشعب الفلسطيني ونفر من الطغمة الأسرية الإقطاعية الفلسطينية ، التي حكمت وتحكمت بفلسطين طيلة سنوات جهل وفقر وعذاب وإفتاءات ، كما واستهدفت من بعض من يطلق عليهم معاول وسواطير الهدم الذين أخذوا ما لا يستحقون من رتب وراتب ومواقع ، وأظهروا حقدهم كما هو حالهم الخياني قبل التحاقهم بالثورة ، للتقرب والتزلف من ابناء القردة ومن زمرة المنقلبين .
 أستهدفت فتح لأنها الثورة وأمل الشعب وصيرورة القضية وصمام أمانها أستهدفت لأنّ رئيسها الرمز ياسر عرفات لم يكل أو يمل أو يستسلم ، الذى قضى شهيدا ولم ينحني إلا لله العظيم ، أستهدفت لأنّ رئيسها الرمز محمود عباس أبو مازن راسخا بثبات على خط سلفه الشهيد ، مؤمنا وبقوة بشعار المختار ( ننتصر أو نموت ) ، مصرا على القدس عاصمة لدولة فلسطين العربية ، ومصرا على حق العودة الذي تضمنه وتكفله الشرعية الدولية ، ومصرا على معاهدة سلام تنهي الإستيطان والمستوطنين وتكنس الإحتلال ، لا كما يؤمن رموز الإشاعة والظلام بهدنة طويلة الأجل تكبر خلالها المستوطنات وتتجذر ، ويزداد عدد المستوطنين فتنتهي القضية .
عشر دقائق تقينت بعدها أنّ القضية الفلسطينية لا بد ستنتصر ، والحقوق والثوابت الفلسطينية لا بد ستتحقق ، بفضل السواعد والقيادات الفتحاوية التي أمنت بربها وزادها الله هدى ، وبفضل وعيها وحكمتها وقوة شكيمتها ، وبفضل الشعب الفلسطيني الذي سيسحق الإحتلال والانقلاب ، لأنّ عصر الظلم والظلام الإسرائيلي أنهته فتح وصنعت من بعده عصر الحرية ، ونقلت الشعب إليه عزيزا شامخا مؤزرا ، ولأنّ عصر الجهل والأمية الذي نال من الفلسطينيين قبل النكبة أنهته فتح وحررت الشعب منه ، ونقلته إلى مرحلة الثقافة والعلم والنور ، ولأنّ عهد الإقطاع وحكم الأقليات الأسرية التي حكمت فلسطين وصنعت النكبة تارة باسم الفرد وأخرى باسم الدين تجاوزته فتح ، ونسجت مكانه مرحلة الدولة الديمقراطية الحرة المستقلة ، ولأنّ عصر أورشليم مزقته فتح لتعود القدس إسلامية ، ومنارة للعلم والدين والثقافة العربية ، وعاصمة لدولة فلسطين العربية .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى