تساؤل بلا تفاؤل عن آلية صنع القرار الفلسطيني
علمنا التاريخ مشكورا الكثير من الدروس ، وفي كثير من المواقف عرفنا أن القائمين على إدارة دفة آلة الحرب والسلام في كثير من الدول في التاريخ الحديث والوسيط الذي يشبه إلى حد كبير ظروف ما حل بنا نحن الشعب الفلسطيني من مآساة بدأت بوعد بلفور وما زالت متواصلة حتى يومنا هذا وقريبا تمر بنا الذكرى المئوية لأطول صراع وحملة غاشمة ظالمة وقوية تعرض لها شعبنا الذي ما أتيح له فرصة بناء دولته وإدارته بقادة وقيادة نشأت وتطورت وترعرعت بشكل طبيعي في جو سلمي وعلمي ليتمكن من صقل نظام وتنظيم وبناء كافة مصادر قوة الدولة الحديثة في بيئة بعيدة عن تواصل الأزمات. فمن نظام حكم عثماني، إلى غزو عسكري بريطاني أنهى الوجود العثماني وشرّع لنفسه أسباب الإنتداب وأهدافه إقامة دولة للصهاينة في فلسطين. وهكذا توالت على قياداتنا في مختلف الحقبات ظروف سياسية وعسكرية صعبة فما أتاحت لنا بناء ما يستحق أن يذكر عبر نجاحاته، فكلها والعياذ بالله نكسات وسلسلة انقسامات وأخطاء وكل منا يسير على رأسه لا قاسم مشترك يوحدنا ولا قيادة ميدانية كفؤة استطاعت أن تحسن التنظيم والتقويم والتنفيذ، وما زال هذا حالنا اليوم.
وعلى ضوء ما جرى ويجري في الوطن والجوار والشتات من مؤامرات على شعبنا، ومن أخطاء حولت وطننا إلى أشلاء وأجزاء متنوعة الولاء، قياداتها تعاير بعضها عبر الأثير معايرات ” استحت ” المرحومة جدتي أن تقول بمثلها في زمن التخلف والخلاف والقـَشـَط والغزو أياما كنا قبائل نطلب الحق والحقوق بالسيف. نحن كفلسطينيين يحق لنا أن نعرف رسميا من السلطة الحاكمة في هذا الزمان كل ما يمت لموضوع التقرير وملابسات طلب التأجيل سيما وقد تم تشكيل هيئة تحقيق للوقوف على الأسباب وإعلانها مفصلة للشعب، ولا أشك بأن هيئة التحقيق ستتقن عملها على أتم وجه، لكنها ربما تأخرت بحجج واهية وماطلت في زيادة التأخير عن تقديم التقرير وإن قدمته أن تظهر أسباب تحبسه في الأدراج ليتم تناسي الموضوع فالأولويات والظروف تتبدل وتتغير.
إنني أهيب بالجهة الرسمية في السلطة الوطنية الفلسطينية أن لا تكتفي بإعلان نتيجة التحقيق فحسب، بل وعليها إصدار كتيب خاص يغطي موقف كل دولة عضو في وملخص آرائها وأقوالها ومواقفها ونشاطها وتحزباتها وتحريضها للآخرين بالتهديد والوعيد وحشد أعوان تؤيد العدو وتعارض اتخاذ أي موقف ضدها أو لصالح الفلسطينيين. مع التركيز على الدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن وعلى رأسها أمريكا أوباما صاحب نظرية التغيير وخطبته العصماء في القاهرة وتعيينه مندوبا له “ميتشل” فظننا أنه سيحل قضيتنا في ثلاثة أشهر، نريد أن نعرف مواقف أمريكا وضغوطها بلا تستير أو تعكير، نريد أن نعرف الحقيقة ولو أنكم لن تفعلوا ذلك لأنها تدفع لكم بالدولار ثمنا مقدما لضياع وتضييع فلسطين وهي أحد المضيعين الرئيسيين ونظن أنها نصيرتنا. كما يحق لنا أن نطلب وبشدة أن يطلع الشعب الفلسطيني على كافة أسباب التأجيل، تفصيلا لا تدجيلا ولا دهلزة فذلك لعمري درس لا ينسى وسيقوّم الجواب الصادق اعوجاج رقابنا في قضايا أكثر حساسية وأهمية. ويجب إعلان النتائج الكاملة الذي توصلت له هيئة التحقيق وأسبوع يكفي وما زاد هو إماتة ودفن للموضوع بل وأد له وهو حي يرزق إمعانا في عدم الاكتراث من القائمين والمسببين على التأخير ويمكن أن ترفع النتيجة إلى سيادة رئيس السلطة ويدخل في درجه الخاص ولا يرى النور إطلاقا لذات الإمعان آنفا.
بعد حدوث التصويت على مشروع القرار اليوم خرج علينا صوتين رسميين من السلطة وبالتحديد من اللجنة المركزية وعزفا لحنا جديدا فقد قال عبد ربه وكرر عريقات نفس الموقف والنقاش بأننا يا جماعة قد نجحنا وصوبنا مسار التقرير في مدة أسبوع وقد جرى التصويت عليه ونجح بأغلبية وذلك بفضل الجهود العربية والإسلامية مشكورة ، وكأنهما أسدلا الستار على الفضيحة والخطأ الذي لا يغتفر بطرحهم التساؤل الذي وضعوه في كفة الميزان عن الجدال الدائر حول أفكار تأجيل إجتماع المصالحة هذا ما قاله الرجلان اليوم وسكت عنه باقي المستشارين فهم أذكياء في التقوقع والاختفاء حتى تتناسى النفوس الأمور فيخرجون من جديد أقوى مراسا ومناورة حول التفرد في القضايا بلا مرجعية ولا مبادئ ولا أسس تحكمنا وكأننا نتعامل مع باخرة سكر أو أرز عبر البحار تعرضت للموج المتلاطم ونسوا أنهم يتعاملوا مع وطن في زمن المحن تكالبت عليه القوى الباغية والطغيان والعجرفة الاسرائيلية بتوجيه رابع جيش في العالم ضد مليون ونصف من المدنيين العزّل المحصورين في قطاع غزة الباسل وأنا واثق أن الطفل هناك أشجع وأصبر من كتيبة من أشباه الرجال من أفراد العدو الذين لا يقاتلون إلا من وراء جدر وقلاع وحصون ودبابات وطائرات. ولا يفوتنا أن نستذكر ذلك القسم المدلل من شعبنا الذي اهمل توجيه الشباب فنشأوا نواعم مدللين وأبناء أمهاتهم يتتبعوا الموضة في لباسهم وسلوكهم ويتسكعوا في شوارع مدننا الرئيسية لا هم لهم ، وإذا انفقد الخبز يطلبون ويحصلوا على البسكويت بديلا.
المطلوب الآن وضع النقاط على الحروف وتصويب كل نقاط الضعف والتفرد في إدارة قضايا الوطن وكأنها تخص مزرعة أحدهم وليس الوطن بجميع مواطنيه وشهدائه وأجياله السابقة كما اللاحقة. مطلوب بساط أحمدي يصهر جميع القوى في بوتقة واحدة هي المشرفة على القرار والمفاوضات والمحادثات والتحليلات والتوصيات والقبول والرفض والنهج السلوكي لتصويب المسار ويكفينا اندحار.
مطلوب مشاركة من قبل جميع القوى لنضمن عدم حدوث متاهات وموافقات وصفقات مستقبلية بين أمريكا عرابة اللاهثين وراء السراب وبين الحالمين غير الواقعيين، مطلوب رسم استراتيجية تجبر العدو على الرضوخ للسلام وليس أن تجبرنا حيث يجرنا ليجبرنا على الاستسلام، بل مطلوب منا أن نرسم أفضل الممكن ضمن المتاح من كافة أشكال القوى المتوفرة عربيا وإسلاميا بحيث يهابها العدو ويحترمها الصديق ونعيد قطار السلام إلى مساره الصحيح وكل منا يعرف ما هو الصحيح، لكنا ندفن رؤوسنا في الرمال ظنا منا أن لا أحد يعرف ما يجري. لقد ولى زمن السكوت وعدم المشاركة في تحمل المسئولية وحمل الأمانة وطرح السؤال الواقعي الجريء الذي يذكر ويقوّم اعوجاج بعضا من صناع القرار. الله إن هذا مقصدي من تساؤلي لا أخفي من ورائه سببا من أسباب الفرقة والضعف بل دعوة صادقة لبناء أسباب القوة الصحيحة في الاتجاه الصحيح وفيها يأخذ الرجل المناسب مكانه الأكثر نفعا وعطاءا للوطن لتعزيز القوة لا لتفتيت الجهود. إن عدونا يطاردنا في كل مجال وميدان ليضمن له النصر ويمنعنا من التقاط أنفاسنا ويشعب لنا المعركة لاتجاهات وواجهات متباعدة عن بعضها فنفقد توازننا ونقع مغشيا علينا طالبين الاستسلام لا سمح الله.
أبو سمرة المقدسي