غير مطولة ولا تزيد عن 10 دقائق..هي مواصفات خطبة الجمعة التي دعا إليها وزير الأوقاف المصري د. محمود حمدي زقزوق خطباء المساجد عند لقاءهم الأسبوعي بالمصلين، كما وجههم إلى الابتعاد عن الصراخ والتشنج والتخويف والترهيب لغرس الأمل في نفوس الناس حتى يمكنهم الإقبال على الحياة بدلا من اليأس الذي يستعمله البعض في خطبهم.
دقائق بعدد أصابع الكفين .. مدة تثير التساؤلات، هل تكفي للموعظة وحل مشكلات حياتنا في لقاء أسبوعي ، أما أنها فترة ليست بالقليلة؟.. وهل مازال من الخطباء من يصرخ ويتشنج ويخوف ويرهب الناس؟ ولما يتبعون هذا الأسلوب؟.. وما تأثيره على المستمعين؟ أسئلة طرحتها شبكة الإعلام العربية “محيط” على بعض رجال الدين فقالوا ..
لا يمكن أن تكون خطبة الجمعة عشرة دقائق فقط وغالبا ما تكون في حدود نصف الساعة، هكذا
يعلق د. محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية و عضو مجمع البحوث الإسلامية على الخبر الذي تم نشره بجريدة الجمهورية الخميس الماضي.
ويؤكد أن لخطبة الجمعة أهميتها الكبرى في حياة المسلمين خاصة في وقتنا المعاصر، حيث لا تتوافر فرصة أخرى للناس حتى يفهموا دينهم غير هذا اليوم فالكل مشغول بعمله وتحصيل رزقه، كما أصبحت الفضائيات تعج بالبلبلة والاضطراب مما ينفر الناس من الاستماع إليها.
ولذا يجب أن تعطي خطبة الجمعة جرعة روحية ودينية كافية لعلاج أمور الدنيا، فيجب على الخطيب أن يسقط الأدلة على الواقع المعاش لحل مشكلات الناس، وهذا كله لا يتحقق خلال عشرة دقائق فقط.
لكل متلقى خطبة
ويوضح د. محمد المختار أن طبيعة الخطبة تختلف من مجتمع لآخر، ففي الريف تختلف عن الحضر ومجتمع المثقفين يختلف عن مجتمع العمال وهكذا، وتخاطب كل فئة طبقا لقواعد ثلاثة معروفة هي الإيجاز والإطناب والمساواة.
وخطبة الإيجاز تكون موجزة جدا وتخاطب الأذكياء الذين يدركون ما وراء الألفاظ،
أما خطبة الإطناب فتتميز بالتوضيح والشرح المطولين وتوجه لأشخاص غير متعلمين، أما المساواة فتكون كلماتها مساوية لمعانيها. والخطباء على علم بهذه الدرجات من البلاغة وطبقا لنوعية المخاطبين يستخدم الخطيب إحداها، فلا يجوز استخدام أسلوب الإيجاز مع فئة العمال مثلا فيخرجوا من الخطبة دون أن يفهموا شيئا.
ويرفض د. المهدي الدعوة للكف عن أسلوب التخويف والترهيب، مبينا أن الجميع على علم بأن الإسلام لا يخلو من الإنذار كما أن القرآن يحتوى على تبشير وتخويف أيضا، والدليل على ذلك الآيات التي تحدثت عن الإنذار في القرآن الكريم، والتي بلغت 41 آية منها:
“إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ” البقرة 119.
“وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ” الحجر89.
“يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” المائدة 19.
إلغاء ربع القرآن
ومنع الإنذار من خطبة الجمعة يعني إلغاء لربع القرآن الكريم على الأقل، معترضا د. محمد المختار على دعوة البعض بعدم التحدث عن عذاب القبر بحجة عدم تخويف الناس، ولكن هذا كله “كلام فارغ”، فالله، سبحانه وتعالى، هو خالق الفطرة الإنسانية ويعلم ما تحتاجه من إنذار بجانب التبشير الذي يوجه لمن صلح عمله والإنذار لتحذير المنحرف.
وعلى العكس يرى د. فرحات المنجي أحد علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن الإمام الذي يبدأ كلامه بالقبر وعذابه إمام مفلس، حيث أنه من الطبيعي أن يحصل العامل على أجره حين الانتهاء من عمله وليس قبله، وطالما أن الإنسان مازال حيا فربما يخطئ ثم يعمل صالحا يدخله الجنة، وبالتالي لا أحد يعجل الأجر قبل العمل، ولكن هؤلاء الخطباء يعجلون بالنار ويخيفون الناس.
د. فرحات المنجي
ويوضح د. فرحات أن الخطباء يسلكون في موعظتهم أحد طريقين، منهم من يخاطب العقل وآخرون يخاطبون العاطفة وهو الذي يبدأ كلامه بمقوله صلوا على رسول الله ويطيل في كلمة الله ودائما يكرر كلمة النبي وكلمة الله كثيرا حتى يستدر عطف الناس فتجد الناس كلهم يتجاوبون لا للخطيب ولكن لحبهم لله ورسوله وهذه الخطبة يكون تأثيرها وقتي ولحظي فإذا خرج المتلقي في المسجد وسألته عن مدى استفادته يقول هو إمام طيب وتقي، وذلك لأنه لم يقل شيئا بالمرة.
أما من يخاطب العقل فيقوم بشرح آية كريمة أو حكم فقهي أو حديث شريف باختصار ومدى مناسبة الآية أو الحديث للحالة التي نعيشها ويربط الماضي بالحاضر. وهنا يفهم المصلي شيئا جديدا بخصوص آية أو حديث أو حكم فقهي جديد .. وهذا هو الفرق بين من يخاطب العاطفة والعقل.
غير محددة بوقت
وبخصوص المدة التي تستغرقها خطبة الجمعة فيقول د. المنجي إنها لم تحدد في أي عصر من العصور بوقت معين، فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يصعد المنبر ويقرأ بسورة ق ثم ينزل، وسورة ق حينما نقرأها بالتجويد والتؤدة لا تزيد عن 15 دقيقة، وفي ذلك يقول النبي، صلى الله عليه وسلم :”من فقه الرجل قصر خطبته وطول صلاته”.
ولكن ما يحدث الآن عكس هذا فهناك من المتنطعين في الدين من يقف خطيبا ثم يدخل من موضوع ويخرج إلى آخر وهكذا والناس جالسون خارج المساجد يصطلون بحر الشمس، وفي الشتاء ينالهم الأذى من شدة البرد أو ربما تسقط عليهم الأمطار وهو في مكانه لا يحس بالجميع.
ويقول د. فرحات المنجي : لا أغالي عندما أقول إن كل من يطيل في الخطبة فهو جاهل لأن الإيجاز أصعب وأفقه من الإطناب، كما يقول علماء اللغة، أي أن يصيب الأمر في بضع كلمات يفهمها العامة والخاصة، ولكن هذا يطوف على الكثير من الموضوعات مع أن السابقين قالوا :”إن كثرة الكلام يذهب بهاء بعضه بعضا”.
وحسب رؤيتي للمساجد أجد من يطيل في خطبته ليس من أهل الأزهر و ليس من أهل وزارة الأوقاف، بل هم قوم غير كل هذا ويعتقدون أن طول الخطبة يُعد دليلا على صحة علمهم ومكانتهم والأمر عكس ذلك.
كما أن علماء النفس يؤكدون أن تركيز الفرد لا يزيد عن سبع أو ثمان دقائق، ولذا يجب على كل الخطباء أن يتقوا الله في المرضى وكبار السن مقتدين بالهادي البشير، صلى الله عليه وسلم، حيث كان يصلي صلاة أضعف من هم خلفه وكان يقصر خطبته وصلاته أيضا حينما يسمع بكاء طفل.
هل جزاء المصلي التخويف ؟!
بينما يبين د. سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة، أن وزارة الأوقاف واضحة في تعليماتها التي تقول بأن تكون الخطبة في حدود العشرين دقيقة وهي مدة كافية لتوصيل المعلومة والتأثير في الناس دون حدوث أي ملل، وأنا شخصيا أخطب في 20 دقيقة.
ويضيف أن خطب الرسول، صلى الله عليه وسلم، لو قرأت لا تستغرق العشر دقائق، ولعله ما أحدث لبس عند من نشر الخبر في “الجمهورية”، حيث فسرت توجيهات وزير الأوقاف بألا تتعدى الخطبة العشر دقائق.
ويؤيد د. سالم عبد الجليل التوجيه الخاص بالابتعاد عن الترهيب، قائلا أن هناك للأسف نوعية من الخطباء يركزون على الترهيب والتخويف والأحكام القاسية. والإسلام لا يقتصر على ذلك بل يجمع بين الاثنين الترغيب والترهيب، ولابد من إعطاء الناس الأمل في عفو الله ورحمته، كما أن من أتى بنفسه للصلاة واحترم شرع ربنا لا يكون جزاءه التخويف.