أرشيف - غير مصنف

صفقة مشبوهة بين واشنطن والخرطوم: استباحة سيادة السودان ونهب ثرواته مقابل إسقاط التهم عن البشير

ذكرت تقارير صحفية ان هناك صفقة تم انضاجها على نار هادئة خلال الأشهر القليلة الماضية بين مسئولين أمريكيين وسودانيين مقربين من الرئيس عمر البشير، سيتم بموجبها إسقاط التهم الموجهة للبشير والتي جعلته مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية، مقابل “حفنة” من التنازلات تتعلق بسيادة السودان ونهب ثرواته.
 
اضافت التقارير إن الإدارة الأمريكية حددت يوم غد الاثنين موعداً لإعلان موقفها الرسمي تجاه السودان هو الأكثر مرونة منذ سنوات طويلة، حيث تطالب إدارة أوباما بإنهاء عمليات القتل الجماعي في دارفور، ومنع السودان من أن يكون قاعدة للإرهاب، والاستفادة من ثروات السودان لا سيما النفطية والمعدنية لصالح التنمية، ومنح واشنطن تسهيلات أمنية على البحر الأحمر واعطاء الشركات الأمريكية عقوداً نفطية.
 
ومن المتوقع ان يتم الإعلان عن هذه السياسة الجديدة في مؤتمر صحافي مشترك يضم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وسوزان رايس المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة وسكوت جريشن المبعوث الأمريكي للسودان، في اشارة إلى توافق الموقفين أي موقفي رايس وجريشن اللذين كانا يتبنيان سياستين مختلفتين حول أسلوب التعامل مع الحكومة السودانية بقيادة الرئيس عمر البشير،
 
فرايس كانت تتبنى سياسة تدعو إلى التشدد حيال الخرطوم بينما تبنى جريشن أسلوب الجزرة وحصل بالفعل على مهلة زمنية لإثبات فوائد هذا التوجه وبالتالي فإن السياسة الأمريكية الجديدة والتي أكدت مصادر بالخارجية أمس انها ستكون أميل إلى استخدام المرونة وعدم التشدد. وهذا يعني نجاح سكوت جريشن جنرال سلاح الجو المتقاعد في مهمته.
 
وحسب مسؤولين أمريكيين، فإن إدارة أوباما وهو الذي سبق خلال حملته الانتخابية أن اتخذ موقفاً متشدداً حيال الحكومة السودانية، فإن الادارة نفسها قررت مواربة الباب أمام السودان بحزمة حوافز، وفي نفس الوقت التلويح بعصا تشديد العقوبات الدولية في حالة عدم امتثال الخرطوم لما هو مطلوب منها.
 
وحسبما ذكرت جريدة”الخليج” الاماراتية، فان إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجدت مرونة سودانية لم تتوقعها خاصة فيما يتعلق بمطالب استراتيجية أمريكية لا سيما تلك التي تتعلق بما يسمى مكافحة الارهاب حيث رغبت واشنطن ومنذ فترة في الحصول على موافقة سودانية ولو ضمنية بتسهيلات أمنية على الساحل الشرقي (بالبحر الأحمر).
 
ويبدو ان واشنطن قررت ادراج السودان ضمن خطط أوباما الرامية إلى محاولة التوصل لتوافق عبر السياسة أكثر مرونة على عكس الادارة السابقة تماما كما حدث عندما فتحت الباب أمام الحوار مع دول كإيران وكوريا الشمالية، وذلك في محاولة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والمصالح الأمريكية دون صدام قبل التلويح بالعصا، وشجعهم على ذلك “المرونة الكبيرة” التي أبداها السودان عبر موفديه إلى واشنطن قبل أشهر عدة لحضور مؤتمر عقد حول السودان والأوضاع في دارفور.
 
ويرى مراقبون أنه من غير المتوقع أن تصل المرونة الأمريكية الى حد إزالة اسم السودان من على قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب، ولا الى إزالة مصطلح الإبادة في وصف ما يحدث في دارفور، حيث تم حدوث توافق بسيط بين جريشن الذي كان يتحدث عن “الإبادة” باعتبارها “حدثاً مضى ولم يعد موجوداً الآن”، وبين رايس التي تمسكت حتى وقت قريب بوصفها “بالإبادة المستمرة في دارفور”، ليستخدم من الآن وصاعداً مصطلح “الإبادة الحادثة في دارفور”.
  
وتقول مصادر أمريكية ان الصفقة الجديدة مع السودان سوف تمكن الخرطوم من مشاهدة “جبلٍ من الجزر”، أو بمعنى اخر ستؤدي الصفقة الى تحسين العلاقات التي يمكن أن تصل الى درجة الرضا عن جهود السودان كما يطلق عليه التعاون مع المجتمع الدولي.
 
ويتلخص مضمون هذا التعاون في امتثال الخرطوم وتعاونها مع قضايا رئيسية وهي حسب وجهة النظر والمصلحة الأمريكية:
 
– إنهاء عمليات القتل الجماعي في دارفور.
– التأكد من إنجاح اتفاقية 2005 وإجراء الانتخابات ثم لاحقاً استفتاء فصل الجنوب عن الشمال.
– منع السودان من أن يكون قاعدة للإرهاب.
– الاستفادة من ثروات السودان لا سيما النفطية والمعدنية لصالح التنمية.
– منع أن يكون السودان ملجأ آمناً للمنظمات الإرهابية (يقصد بها جيش الرب).
– مطالبة الخرطوم بإنهاء التأييد للمنظمات الفلسطينية المسلحة ومنها حماس.
 
ويعتقد الكثير من المحللين ان هذه الصفقة لن تكون في صالح السودان، فهذا التطور المنتظر وليس المفاجئ في منهج إدارة أوباما حيال الخرطوم جاء فقط لصالح الأحداث الاستراتيجية الأمريكية لا أكثر، فشبح انفصال الجنوب موجود ثم تفكيكه وشبح تقسيم السودان كله أو تفكيكه أيضاً ما زال قائماً ومحاولات إبعاد السودان عن المركز العربي وتقسيم ثرواته بشكل يسهل الاستيلاء عليها سواء كانت نفطاً باحتياط ضخم أو يورانيوم بحفرة النحاس جنوب دارفور، أو التحكم في جنوب مفكك يصل الى منابع النيل ويقوض الأمن القومي للدول العربية والإسلامية الشمالية وعلى رأسها مصر كلها أهداف استراتيجية بالنسبة للجانب الأمريكي.
 
وصفقة أخرى تحسم انفصال الجنوب
 
وليس بعيدا عن هذه الصفقة، فقد كشفت الانباء عن صفقة أخرى ابرمها حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة البشير مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة سيلفا كير، يتم بموجبها حسم انفصال الجنوب بأغلبية بسيطة بشرط مشاركة ثلثي الناخبين المسجلين المعتمدين للاستفتاء.
 
وأثار إعلان نائب رئيس الحركة الشعبية رياك مشار عن هذا الاتفاق “الصفقة” ردود فعل متباينة في العاصمة الخرطوم، فيما استمر حزب المؤتمر الوطني متحفظا على الإعلان.
 
وقال بروفسور إبراهيم غندور القيادي في حزب المؤتمر الوطني بحذر شديد إن الاتفاق تجاوز نقاط الخلاف بين الطرفين “وأخذ في الحسبان رؤية الطرفين فيما يختص بأهمية الاستفتاء وإجرائه في موعده”، بما يمكن للنظر في القانون من خلال الأجهزة المعنية، وأضاف أن الاتفاق أخذ رؤية الطرفين بشأن تفاصيله، ومضى يؤكد أن قانون الاستفتاء في طريقه إلى البرلمان، دون الإشارة إلى موعد محدد لذلك.
 
وظل الخلاف بين الطرفين حول قانون الاستفتاء يتمركز في أن الحركة الشعبية ترى ضرورة حسم الوحدة أو الانفصال في الاستفتاء المقرر له عام 2011 بأغلبية بسيطة من أصوات الناخبين 50+1 من نسبة الناخبين، ويرى أن التصويت يكون حكرا على الجنوبيين المقيمين الآن في جنوب السودان، فيما يرى حزب المؤتمر الوطني أن حسم الانفصال يجب أن يتم بأغلبية كبيرة، تزيد على الـ 71% من جملة الناخبين.
 
وقال وزير السياحة السوداني جوزيف ملوال لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية إن الساحة السودانية الآن باتت مهيأة لانفصال الجنوب عن الشمال، وأضاف: “طوال الفترة الماضية لم يعمل الشريكان، حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، من أجل الوحدة وعليه فمن الصعب فيما بقي من عمر الفترة الانتقالية الحديث عن الوحدة”،
 
واضاف ملوال وهو يرأس حزب “جبهة الإنقاذ الديمقراطية”: “أكيد الجنوب الآن أقرب إلى الانفصال من أي وقت مضى”.
 
وعلى غرار ملوال ذهب وزير شؤون البرلمان السوداني جوزيف أوكيلو، وقال إن تيار الانفصال هو الغالب وسط الجنوبيين سواء كانوا في الشمال أو في الجنوب أو من هم خارج البلاد، وأضاف: “أنا ألاحظ أن الانفصال عنده الأغلبية وسط الجنوبيين”،
 
وحسب أوكيلو، وهو رئيس الحزب السوداني الأفريقي “يوساب”، فإن الصراعات التي حدثت في الفترة الماضية بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني أعطت مشهدا وكأن عملية الانفصال ليست خيارا وإنما أمر يؤخذ بعد معارك سياسية وانتخابية،
 
ومضى يقول “هذا جعل الجنوبيين كأنهم أمام معركة مع الشمال لتحقيق الانفصال”، وقال “كان لمطلوب إدارة مسألة الاستمرار في الوحدة أو الانفصال عبر خطاب هادئ بين الطرفين يعمل فكرة الخيارات وليس القانون”.
 
وطبقا للوزير أوكيلو “فإن الانفصال أصبح الآن بالنسبة للجنوبيين أمرا يحتاج إلى إبراز العضلات بين الجنوبيين والشماليين، وذلك من شدة الصراع حول إجراءاته والحديث عن بنود القانون الذي ينظمه بدلا من الحديث بأن الخطوة خيار والتركيز على المفاضلة بين محاسن الوحدة والانفصال وعيوب أي من الخيارين”.
 
وكان باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية كرر في تصريحات صحافية آخرها قبل يومين بأن الجنوبيين مع الانفصال بنسبة 90% لأنهم لا يرون ما يجعل الوحدة جاذبة وفقا لسودان جديد، يرى فيه الجنوبيون أنهم مواطنون من الدرجة الأولى وليسوا من الدرجة الثانية.
 
اعتقال البشير
 
كانت محكمة الجنايات الدولية اصدرت في شهر مارس/اذار الماضي مذكرة اعتقال دولية بناء على طلب المدعي العام لويس مورينو أوكامبو بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية والقيام بتصفية مدنيين والتهجير القسري والتعذيب والاغتصاب، فيما اندلعت المظاهرات في السودان اعتراضًا على مذكرة التوقيف.
 
واعلنت المحكمة ان هناك 7 تهم موجهة إلى البشير بوصفه متهم غير مباشر بارتكاب جرائم ضد الانسانية ولا تشمل تهمة إبادة جماعية التي طلبها المدعي العام .
 
وأوضحت المحكمة الدولية ان البشير كرئيس دولة يمارس منصبه حاليا لا يعتبر مثتسني من المسئولية الجنائية وفي رأي القضاء هذه الجرائم جرت خلال 5 سنوات أثناء العمليات التي شنتها الحكومة ضد المتمردين وحركة العدل والمساواة وحركات كانت تعارضها في دارفور ، مشيرة إلى أن هناك مزاعم بأن هذه الحملة جرت عقب 2003 عام والهجوم على مطار الفاشر وجاءت عقب اوامر من الرئيس البشير واستمرت حتى تموز / يوليو .
 
واضافت ان هناك عنصر رئيسي في الاتهام وهو الهجوم غير المشروع على عدد كبير من أهل دارفور ومعارضين للحكومة السودانية وهؤلاء المدنيين تعرضوا للهجوم من مليشات الجنجاويد والشرطة السودانية والأمن الوطني .
 
وكان اوكامبو قد اتهم البشير بالتخطيط لموجة منظمة من القتل الجماعي، أسفرت عن مقتل 35 ألف ضحية بشكل فوري، ويقول أوكامبو أن القوات الحكومية وميلشيات الجنجاويد شاركت في الموجة المذكورة، واللتين نجم عنها وضع أمني متدهور وأشاع مناخا عرّض أكثر من مليونيين لحملات اغتصاب، كما شرد آخرين في مخيمات اللجوء بالإقليم.
 
وقال اوكامبو في مذكرته: انه ولأسباب سياسية أولا بسبب احتجاج قبائل ذات نفوذ بإقليم دارفور، على إهمال الدولة المتقصّد لإقليمهم، دبر البشير حملة إبادة أثنية للفتك بأعداد هائلة من قبائل (الزغاوة والمساليت والفور). وعقب امتداد القتال، وعدم قدرة الحكومة على حسمه، تعرض الأهالي وسكان الإقليم لهجمات تحت غطاء محاربة التمرد.
 
وبحسب منظمات غربية فإن الصراع الدائر في دارفور منذ فبراير 2003 أسقط أكثر من 300 ألف قتيل، وتسبب في تشريد نحو 2.5 مليون آخرين، بيد أن الخرطوم تتهم الغرب بالمبالغة، وتصر على أن النزاع لم يوقع سوى عشرة آلاف قتيل فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى