يروي لنا التاريخ حكايات متناقضة فيما يتعلق بالعلاقة بين أبناء الشعب الفقراء المسحوقين وولاة أمرهم أو بمعنى آخر حكامهم.. فتلك العلاقة لا يمكن تسميتها أو إطلاق عنوان محدد لها لأنها من الغرابة والتنوع والاختلاف يعجز أي منا الإمساك بتلابيبها.
تثور الشعوب وتضحي بكل غال ونفيس وتدفع الأرواح والدماء والأبناء في سبيل حريتها فتأتي حفنة من الطامعين فتستولي على كل شيء وتبيح المال والعرض والأرض. فيعود الفقراء إلى فقرهم ماسحين أيديهم بالحائط” كما يقولون”.
ومنذ انتهاء حكم الخلفاء الراشدين الأربع وباستثناء الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز لم يشهد المسلمون عامة والعرب خاصة أي حاكم يضحي بنفسه وماله وأبنائه في سبيلهم بل عاشوا طيلة دهور يدفعون الثمن إرضاءً لمكائد ودسائس الحكام وتصفية حساباتهم واكتنازهم المال ليزدادوا فحشاً و يزداد الشعب فقرا مدقعا وحرمانا وسحقاً.
ولربما ينبري أحد ليقول هذا هو ديدن الشعوب و تلك هي صفات الحكام فنقول ربما لكن ثمة للقاعدة شذوذ إلا في امة العرب، فقد ابتليت بحكامها كابتلاء البعير بالجرب، وعذرا لهذا التشبيه” الذي قد يكون قاسياً بعض الشيء” لكننا أرهقنا من الرياء والنفاق الوطني والتصفيق لكل حاكم كأنه نبي منزل علينا لا يحق لنا مسه حتى بالتفكير الباطني أو ما يسمى أضعف الإيمان، ثم نبدأ بسبه وشتمه وتمجيد سلفه ما أن يودع الحياة وينتقل إلى العالم الآخر بعدما امتلأ كرشه و كروش أقربائه بثروات الفقراء وحار إلى أين يذهب بها قبل أن تداهمه المنية.
ألا ترى معي عزيزي القارئ إننا الأمة الوحيدة التي يعمر فيها الحكام وتطول أعمارهم قياسا لبقية شعوب الدنيا، ربما لأنهم يمتصون دماء الشعب العربي، وأننا الأمة الوحيدة التي لا ترى فرقا بين هذا الحاكم أو ذاك فالجميع يتصفون بذات الصفات من الظلم والاضطهاد و الإثراء و الفساد حتى وأن تعددت أشكالهم وأنواع ثيابهم من بذلة انكليزية فاخرة أو دشداشة ثمينة أو بزة عسكرية تزينها القلائد والأوسمة و النياشين.
في بلانا المغلوبة على أمرها يلهث المسؤول أو ولي الأمر أو الحاكم – سمه ما تشاء – ليس من أجل إسعاد غالبية الناس اللذين ائتمنوه وأوصلوه للكرسي و تلبية رغباتهم وإشباع بطونهم الخاوية وانتشالهم من مدن الصفيح والتنك والقصب و الطين وربما البعض على أكوام النفايات، لا يلهث ولي الأمر عندنا لهذا الأمر قدر لهاثه وجريه دون هوادة لملء جيوبه وحساباته المصرفية في البنوك الغربية ” أوكد الغربية وليس العربية لأن البنوك العربية ليس محل ثقة” ، يلهث بلا هوادة بحثاً عن أرض شاسعة تطل على ضفاف الأنهر او على قمة جبل، عن قصور لا يمكن للعين المجردة متابعة حدودها، عن حسان الكواعب ذوات الأرداف اللواتي لا يتجاوزن العشرين.
أما نحن وكما نسمى بالعراقي “أولاد الخائبة” نحمد الله على نعمائه لأننا اخترنا القوي الأمين الراشد طويل العمر الزاهد المتعبد الذي لا تسقط المسبحة من يديه ليقودنا بملء ارادتنا ونحن على استعداد لنرهق الدم ونسقي به بقاع الدنيا من اجل عدم المس بولي امرنا لأننا على يقين انه لن ينسانا يوما من فتات مائدته وسيحن علينا آجلا أم عاجلاً فيمنحنا المال والأرض و الدفء والأمن والحب، لذا علينا الا نستعجل حكامنا وندعهم يعملون بهدوء بما فيه الصالح العام.
أخيراً اسمحوا لي أنقل لكم مواصفات الوالي كما يراها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ” كرم الله وجهه” لعلها تنفعنا في اليوم الأسود، يوم نفتقد من نضحي لأجله ونجعله يرتقي ولاية أمرنا:
” لا ينبغي أن يكون الوالي البخيل فتكون في أموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله. ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع “.
محمد الياسري