أرشيف - غير مصنف

(الدكتور) و (الديكتاتور) و (الديكتا(ثور)

بقلم :حسين حرفوش
نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى و كل نعمة كما قال المفسرون في طياتها نعم ..و من نعم الله على الإنسان نعمةَ التفكير و التعبير فبخلاف تلك النعمتين لا تفرق بين الإنسان و غيره من المخلوقات وعلى قدر ما يتوفر للإنسان من رصيد من حسن التدبير و التفكير و حسن البيان و التعبير تكون منزلته بين بني جنسه … و من أهم المواقف التي توضح هذه المنزلة و تكشف عن ذلك الرصيد هي مواقف الاختلاف في الرأي … بل تكاد تكشف عن مدى تحضر الإنسان و ثراء رصيده الفكري و الأخلاقي ..
 
فهناك من يتحاور معك و هدفه إظهار الحقيقة .. يحركه أثناء حواره التواضع .. و يمنعه من التمادي وراء أهواء نفسه الحياء .. يطرح وجهه نظره و هدفه الخير ليس إلا .. و ربما لشدة صراحته و انفعاله الناتج من حبه للحق يخطئ من حيث أراد أن يصيب و لكن و حتى أثناء خطئه تظهر سلامة نيته و يتضح نبل مقصده من خلال سرعة وقوفه عند الحق و احترامه للشخص الذي أمامه .. فلا يتجاوز بإشارة .. ولا يتعدى بلفظ .. لسان حاله يقول : رأيي خطأ يحتمل الصواب و رأي غيري صواب يحتمل الخطأ.. ذلك هو الدكتور.. ذلك هو الدكتور.. و إن لم يحمل شهادة دكتوراه .. فأوصيك به خيرا .. ألزمه ..ولازمه ..وإياك أن تفقده .. بل أحذرك من فقده..
 
أما إذا كان من أمامك لا يحركه في مواقف الحوار إلا الغرور و التعالي .. و الانتصار للذات .. فلا اعتبار لرأي سـوي رأيه .. ولا صحة لفكرة إلا فكرته .. حديد في نقاشه .. إذا استمر الحوار معـه حوله رغما عنك إلى جدال ..فالمطلوب منك فقط لكي تنال رضاه .. وتنال ابتسامة من وجهه تنبئ عن فرحته بك مادمت تابعا له .. ايماءتك تبعا لإيماءته .. ونظرتك تبعا لنظرته ..وكلمتك تبعا لكلمته ..وابتسامتك تبعا لابتسامته .. فلا يرضى إلا أن تكون ذيلا لذلك المستأسد إن هذا الرجل هو ( الديكتاتور) .. فأنصحك حاول ألا تكون طرفا مشاركا معه في فكرة أو عمل ..أما إذا كان قدرك ..وهو مفروض عليك .. فلا تستسلم إلا للحق ..وتذكر الحكمة .. خير لك أن تكون رأسا لأرنب..من أن تكون ذيلا لأســد.. 
 
 أما إذا رأيت من أمامك غير ملتزم بقواعـد الخطاب المتحضر .. و أن هدفـه إبراز الحقيقـة وفق ما يراها هو فقط ..فإن تجرأت وفكرت في محاورته .. حوَّلَ هـذا الحوار إلى جـدال ثم لايلبث أن يحوله إلى نزال .. فيرى نفســه كأنه في حلبة مصارعـة للثيران .. فلا تستطيع أن تفرق بين إذا ما كان من أمامك هو المصارع أم الثور ذاته !!! فبمجرد أن يلوح له أن الحق ليس معه فلا تراه إلا هائجا مائجا .. يريد نطح الحقيقة لقتلها بل لا يتورع عن محاولة قتل من أمامه .. بكلمة ساخرة .. أو إشارة هازئة .. أو جملة جارحة نابية .. لقد حول الاختلاف في وجهات النظر إلى عداء شخصي و خلاف ..حينها يكون قد تحول من طور (الديكتاتور) إلى طور( الديكتاثور) .. حينئذ أنصحك بان تتركه و تسال الله السلامة من شره .. و غدره .. و إياك ثم إياك أن تقترب منه في معاملة أو حوار .. أما إذا كان لا مفر أمامك إلا من معاشرته و معايشة ذلك الديكتاثور .. فأنت من أهل البلاء و الابتلاء .. فعدتك حينئذ الصبر ..وذخيرتك الصمت ..و تذكر أن لأهل البلاء و الابتلاء من أمثالك أجرا عظيماً ..
 
حسين حرفوش
شاعر وكاتب مصري
الدوحة ـ قطر

زر الذهاب إلى الأعلى