مسامير وأزاهير 110 …عجباً لهذا الإصرار بالتعجيل على التوقيع !!!.
أما سألتم أنفسكم …
لم الإصرار على هذا التعجيل بالتوقيع على ورقة المصالحة المصرية!؟.
لـِمَ كـُلـّفـَت مصر تحديداً بإعداد وإدارة ملف المصالحة الفلسطينية!!؟.
قد ينبري لي من يقول بأن السبب في ذلك يتمثل بالرغبة بإنهاء الانقسام ورص الصف والتهيؤ للانتخابات القادمة في معرض دفاعه عن التساؤل الأول، وقد ينبري لي من يقول بأن تكليف مصر قد جاء باعتبارها :
1- دولة عربية … بل أكبر الدول العربية قاطبة.
2- محاذية لقطاع غزة وأن لها معبراً مشتركاً معها.
3- أن لها مصالحها القومية والأمنية التي يدفعها لأن تهتم وتولي ذاك الملف أهمية قصوى!.
تلك والله إجابات جميلة ورائعة وتبدو منطقية للوهلة الأولى… ولكن ، أهذه هي كل الحقيقة أم أن هناك خفايا وأشياء تكمن خلف الأكمات!؟.
ولمن لم يعرف بواطن الأمور وما خلف الأكمات فإنه قد يرى في المبررات تلك ما يقتنع به فيهنأ باله ويستريح خاطره ، ولكن لمن يتتبع الشواهد والأحداث بروية ويجلس ليناقشها ويتدبرها فإنه سيرى غير ما يراه هؤلاء ( الطيبون!!) المبررون، وكي نقتنع بتلك التبريرات التي سيقت لتفسير ذاك التعجل بالقرار والمتمثل باهتمام كبير من أجل إنهاء الانقسام ، فإنه لابد لنا من أن نتدارس الأمر و نناقشه بروية وبالمنطق والشواهد لنصل إلى بواطن الأمور وخفاياها وما خلف الأكمات تلك لنصل إلى الحقيقة المجردة العارية حتى من ورق التوت!!.
لنبدأ أولاً من مطالبات حماس ومن يساندها من فصائل فلسطينية تنأى بنفسها عن خيار أوسلو ونهجه ، تلك المطالبات بضرورة مناقشة بنود الورقة قبل توقيعها ( وهو أمر واقعي ومنطقي يفعله العاقل والحذر والمتوجس خيفة مما وراء الأكمات ) ، فحماس ومن يساندها في موقفها من فصائل معارضة لنهج أوسلو قد أعلنت صراحة من أن هناك ورقتين مصريتين قد قدمتا تباعاً ، إحداها نوقشت بإسهاب وإفاضة لأشهر طويلة وتم قبولها في آخر المطاف ، فإذا بورقة أخرى ( معدلة ) قد قدمت بعد تقرير غولدستون تحديداً فسببت ذاك المأزق الذي نعيشه اليوم، وأنا ( العبد الفقير لله ) شخصياً أوافق على هذا الرأي وذلك لجملة الأسباب والشواهد التالية :
أولاً … مادامت الفصائل الفلسطينية قد أعلنت عن موافقتها على الورقة المصرية ( الأولى )، فهل يعقل لبعض تلك الفصائل ( ممن تنأى بنفسها وتربأ من السير في نهج وخيار أوسلو ) أن تتنصل منها وتطالب بمراجعتها ونقاش بنودها فيما بعد، هذا إذا ما أخذنا بالحسبان بأنها الطرف المتضرر والمحاصر طيلة الفترة المنصرمة ، وأن المنطق يشير من أنها لابد وأن تبحث لها عن مخرج لهذا الحصار بدلاً من أن تزيد عليها الطين بلة في ضوء الدعم الأمريكي والغربي لتلك الورقة المصرية ( المعدلة )!؟.
ثانياً … لا أشك لحظة واحدة من أن أمريكا ( بما كانت قد صرحت به علانية من اشتراطها على ضرورة أن تأتي المصالحة الفلسطينية على أساس شروطها وإملاءاتها المتمثلة بخارطة الطريق ومبادئ اللجنة الرباعية وامتثال الفصائل المتصالحة جميعاً لها ) قد أبلغت الجانب المصري بتعديل وإضافة بعض بنود الورقة ( الأولى ) كي ترضخ تلك الفصائل الوطنية المعارضة لطلباتها قبل إعلان المصالحة رسمياً!!.
ثالثاً … كلنا ندرك حقيقة الموقف الرسمي المصري إبان العدوان الصهيوني على غزة وما بعدها وتلمسناها بشكل واضح لا ينساب الشك إليها من خلال الشواهد التالية :
1- ما صدر من مسؤوليها من تصريحات نارية معادية لأبناء غزة بعد الحصار وأثناء المجازر الصهيونية بحقهم!!.
2- ما مارسته من تضييق على أبناء غزة والذي تمثل بالمماطلة ورفض فتح معبر رفح والتشديد على قوافل الدعم والإسناد الإنساني المخصصة لأبناء غزة!!.
وأعود للتساؤل بنقاط :
1. ألا تستحق قضية فلسطين ومعاناة شعبها أن تطغى لغة الحكمة والعقل والمنطق على كل صاحب قرار وأولي أمر ( فلسطينياً كان أو عربياً )!؟.
2. ما الضير من أن تستمع تلك الأطراف لوجهة نظر حماس وشقيقاتها الأخريات وتناقش مخاوفها وهاجسها كي تزيلها من أذهان قادة تلك الفصائل المعارضة ليهنأ الجميع ويرتاح باله!؟.
3. ما الضير من أن تؤجل الانتخابات لأشهر أخرى على موعدها الدستوري من أجل تصفية الأجواء تماماً وحتى إتمام المصالحة بالشكل المطلوب والمبنية على أسس وطنية متينة وسليمة خالية من المطبات والشكوك.!!.
4. أما أدرك السيد أبو مازن مخاطر إقدامه على تلك الخطوة الخطيرة التي تعني ولاشك :
4 – 1 زيادة انقسام المشهد الفلسطيني واحتمال دخوله في طريق اللاعودة مما يعني إنهاء قضية
فلسطين وإلى الأبد وذاك ما ترتأيه “إسرائيل” وتسعى إليه وتنفذه!!..
4 – 2 أن مجرد دعوته تلك وفي ظل هذا الانقسام الحاد سيؤدي حتماً إلى عزل غزة سياسيا عن
الضفة والمجزأة أساسأً بفعل المغتصبات الصهيونية والجدار العازل وذلك لعمري حلم
“إسرائيل” في أن تضيع دماء الشهداء وإلى الأبد !!.
5 – ما تصورات السيد أبي مازن عن حجم استجابة أبناء فلسطين لإجراء تلك الانتخابات في ظل ما رأوه
وعايشوه من انقسام في المشهد الفلسطيني وما يخشونه من تداعيات ذلك من جانب، وهل يتوقع
بأن تزحف الجماهير الفلسطينية إلى صناديق الاقتراع للتصويت من أجل التجديد له كرئيس للسلطة ،
إذا ما استحضرت الذاكرة الفلسطينية جملة الحقائق التالية من جانب آخر:
5 – 1 مفاوضات عبثية قد سار بها ردحاً طويلاً فإذا بنتائجها أضغاث أحلام ليس إلا !!.
5 – 2 اكتفاؤه بالاستنكار والشجب إزاء زيادة وتائر تهويد القدس وتغيير معالمها!!.
5 – 3 ما الذي هيأه من مستلزمات تصد لمواجهة زيادة الاستيطان وإقامة المستوطنات داخل مدن
الضفة!!.
5 – 4 ما ردة فعله وما دور قوات الأمن الفلسطينية إزاء اتساع هجمة وتكالب وسـُعار قطعان
المستوطنين واعتدائهم المستمر على أبناء الضفة الغربية.
5 – 5 أن فكرة التغيير المحتمل من السياسة الأمريكية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني قد باتت
واضحة جلية أمام أبناء فلسطين بعدما :
5 – 5 -1 ثبت فشل جهود الوساطة الأمريكية المتمثلة بزيارات ميتشل المكوكية في إقناع
العدو الصهيوني وإصرار الأخير على الاستمرار بإقامة وتشييد المغتصبات ، بل
والإعلان عن مغتصبات جديدة!!.
5 – 5 -2 تخلى الرئيس أوباما عن تعهداته التي قدمها للجانب الفلسطيني بممارسة الضغط
على الكيان الصهيوني من أجل إيقاف المغتصبات الصهيونية في مدن الضفة من
أجل عودة المفاوضات من جديد، وإعلانه من أن لا شرط مسبق للمفاوضات
بتجميد تلك المستوطنات!!.
5 – 5 – 3 وضحت الصورة تماماً أمام الشعب الفلسطيني من أن التحالف بين الولايات
المتحدة الأمريكية ( راعية جهود السلام والتي يراهن عليها السيد أبومازن )
والكيان الصهيوني قائم لا يمكن أن يتزعزع أو يتغير وأنه تحالف استراتيجي
، وخير دليل وشاهد يضاف للمواقف الأخرى لأمريكا يتمثل بتصويت أمريكا ضد
تقرير غولدستون أثناء مناقشته في مجلس حقوق الإنسان من جانب ، والمناورات
الحربية الواسعة القائمة اليوم بين القوات العسكرية للحليفين الستراتيجيين من
جانب آخر!!.
ختاماً …أقف عند مربط الفرس لأزيد من الشعر بيتاً أخيراً فاصلاً ينهي نقاشي وهاجسي مما يجري وأقول، إن ما يريب فعلاً فيما حشر في الورقة المصرية من ألغام مؤقتة وما زرع فيها بإملاءات واشتراطات أمريكية ، ذاك البند المريب والداعي لزرع الشك والذي يقصد منه تحجيم خيار المقاومة وإجهاضه بهدف خدمة التسوية الاستسلامية وتحقيق الانبطاح تماماً أمام الكيان الصهيوني ، وهو بند ينص ويحض صراحة على فرض حظر كامل على أي تشكيلات عسكرية خارج إطار السلطة وأقتبس نصه (( حظر إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الهيكل المقرر لكل جهاز أمن))… إنتهى الاقتباس، وذاك لعمري يرمي إلى:
1- اعتبار فصائل المقاومة التي تناهض خط أوسلو أنها فصائل خارجة عن القانون والاتفاق حالما يتم التوقيع على تلك الورقة وبهكذا نص تحديدا، ومن لا يلتزم من الفصائل فيرمى بتهمة محاربة الشرعية والإرهاب والتطرف!!.
2- وكي تنأى تلك الفصائل بنفسها عن تلك التهمة الجاهزة ، فهذا يحتم عليها بطبيعة الحال إلى تفكيك تنظيماتها التي لا تنتمي لأي تشكيل عسكري أو أمني رسمي مرتبط بالسلطة الفلسطينية!!. .
3- وإذا ما تم تنفيذ الفقرة 2 أعلاه ، فإن هذا يعني بأن الشعب الفلسطيني بأسره قد تخلى وإلى الأبد عن خيار المقاومة وارتضى لنفسه أن يأكل مما هيأه له العدو من ثمار حتى وإن كانت فاسدة مجة!!.
4- وإذا ما تم تنفيذ الفقرة 3 آنفاً ، فأنه يعني بأن الشعب الفلسطيني قد تناسى دماء شهدائه وطوى صفحات نضاله الطويلة وما رافقها من تشرد وتهجير فاستكان أخيراً لإرادة العدو وإملاءاته!!.
5- وإن تم ما جاء بالفقرة 4 ، فإننا نعلن جميعاً بأننا كنا على خطأ حين واجهنا العدو،لستة عقود وأكثر، وأننا ظلمنا يهود واعتدينا عليهم ، وأن العدو كان محقاً في ما كل ما فعله بنا!!.
بربكم … أليس هذا ما تعنيه تلك الفقرة تحديداً!!!. .
سماك برهان الدين العبوشي
25 / 10 / 2009