أرشيف - غير مصنف
السلطة ونفق أوسلو
سوسن البرغوتي
من البديهيات عند البحث عن لبّ العبث والتحريف، الذي أصاب القضية الفلسطينية بخنجر مسموم، أن نضع النقاط على الحروف، وأن نرصد مسلمات وندرج تفاصيل، لنصل إلى نتائج وحلول تصب في المصلحة الوطنية العليا.
أما المسلمات، فقد بدأت بعد الخروج من الأردن ولبنان، تخلل المرحلة اغتيالات قادة من المقاومة، تلاها اجتماعات ولقاءات سرية وعلنية مع العدو، مهدت الطريق إلى أوسلو وعقد اتفاقية، عصفت بالثوابت والنضال الفلسطيني، وكانت مقدمات “الواقعية” المتكأة على “البرنامج المرحلي والنقاط العشر”، تلقي بثقلها للوصول إلى “تسوية ما” مع العدو. ثم اتفاقية جنيف لإسقاط حق العودة، وبعد ذلك استمرت التفاهمات واتفاقيات فلسطينية- “اسرائيلية”، حول كيفية تنفيذ القضاء على المقاومة المسلحة، بنبذ “العنف” وملاحقة “المتمردين”، كما اُتفق عليه في خارطة الطريق، في حين لا تسوية ولا حل ولا “سلام” تحقق بأي من تلك المحطات، ولا استرجاع شبر واحد من الضفة الغربية المحتلة بالمفاوضات ولا بغيرها.
في القدس يصعد الاحتلال من اعتداءاته على الأقصى المبارك، ويهدم البيوت ويشرد أصحابها، وكما قال عزيز القوم المطران عطا الله حنا، كل ما يمت للعروبة بصلة مستهدف في القدس، وكشف مع أسد الرباط الشيخ رائد صلاح عن وثائق تهدد أساسات المسجد الأقصى، بهدف الإعلان عن (عاصمة الدولة اليهودية الموحدة)، وما هذه الاقتحامات المتكررة إلا جس نبض أمة تناضل وتشجب وتستنكر على ورق!. وفلسطينو الداخل المحتل عام 1948، مقيدون ويتوجسون خيفة من المصير المجهول، وتهجيرهم إلى “دولة الرمال المتحركة”، وكذلك أهلنا بالقطاع، فإما الحصار وإما الإذعان لشروط “الرباعية الشرعية”.
إذا كان هذا هو الوضع القائم في الوطن المحتل من البحر إلى النهر ومن الجليل إلى النقب، فما النتائج المجدية، لسلطة ما زالت رهينة تجاذبات سياسية بعيدة عن المصلحة الوطنية العليا، ومفاوضات لم تفض ِ إلا بمزيد من التنازلات، وصلت إلى أدنى سقف باستجداء تجميد أو توقيف بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، والعدو لم يخرج من أي قرية أو مدينة، بل يجتاحها وقتما يشاء، ويختطف ويغتال مَن يريد، والجدار الذي بُني لا تعير له السلطة أي اهتمام، وكأنه في الصين!.
بيدكم لا بيد “اسرائيل”
بعد تلك المسلمات والنتائج على الأرض تثبت يوماً بعد يوم، أن السلطة تشكل عائقاً وتقيد المقاومة بأغلال قوات دايتون أو بوساطة “الحياد” العربي، فما نفع وجدوى انتخابات وجدل قائم حول استحقاق دستوري، لا سيادة له على أرض والدستور كله ينطق بمفهوم احتلالي بحت؟. جُربت ما تُسمى الديمقراطية الفلسطينية، فما الذي جناه شعبنا منها، وإلى أين وصلت قضيتنا، في وزارات رتوش بلا عروش، ومناصب لا تمت للمسؤولية الوطنية بصلة.
إن سياسة “اسرائيل” القائمة منذ نشأة الكيان حتى زواله، إشغال الفلسطينيون، والعمل باتجاه معاكس تماماً. وها هي التنظيمات الفلسطينية، تصول وتجول في دائرة البحث عن شرعية الرئيس أو عدم شرعيته، وإيجاد مخارج قانونية وسياسية للطعن برئاسة من لا سيادة له، والدوران حول توافق سقفه محدود ومحدد من الاحتلال، وفي ذات الوقت، “اسرائيل” ليست معنية بكل ما يحدث، وتستمر بالتهام الأرض، وتدمير الشجر والحجر، فلقد أعفتها السلطة من تحمل أعباء الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة فقط، على أساس أن القطاع إقليم متمرد، وأكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948، وبالشتات والمهاجر” أبناء الجارية”.
ليس بالمستبعد هروب “اسرائيل” من استحقاقات ما يُسمى بالعملية السلمية، حل السلطة المحلية،
ولكن بعد استكمال الأعمال الجارية في القدس، لهدم الأقصى، وبناء هيكلهم الخرافي، فهل يجرؤ عباس، بحل السلطة، طالما أن “الشريك” لم يفِ بوعوده؟!.
عامل الشك يطغى على اليقين، ويبدو أنه لن يفعل، فقد استطرب إصدار مراسيم وفرمانات، طالما أنه يستقوي بالاحتلال والإدارة الأمريكية، وأعراب ذو وجهين.
إذاً، لم يبقَ إلا خطوة واحدة للتنظيمات الفلسطينية المخلصة في الخارج سياسية وأخرى مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً في الداخل، إن صدقت النوايا ، وتتمثل في فصل منظمة التحرير فوراً عن السلطة، وإعلان قيادة ثورية مؤقتة، من خلال المبادرة إلى عقد مؤتمر وطني شامل، حتى يتم إعادة المنظمة إلى الأسس والثوابت، المذكورة في الميثاق الوطني، دون تحريف ولا تغيير، بل تطويره والبناء عليه، لإنقاذ قضيتنا وشعبنا من آخر محطة الضياع. يتزامن مع تصعيد المقاومة في الوطن المحتل، لمواجهة الاحتلال، وهذا هو دستور الشعوب في تحرير أراضيها، فكما كان شعار فتح التحرير (إن النضال المسلح يزرع والنضال السياسي يحصد ومن لا يزرع لا يحصد، ومجرم من يزرع ويرفض أن يحصد!!)، على الجميع العودة للالتزام به فعلاً وعملاً جاداً، ومن يخرج عنه، هو الانقلابي، والرهان على لا شيء، ليس وهماً بل جرماً مع سبق الإصرار.
ليكن شعارنا، مقاومة على كافة الأصعدة حتى التحرير، فهل هذا كثير على أرض مقدسة، وعلى شعب لم يبخل يوماً بالدم والتضحيات من أجل ما هو فوق كل اعتبار؟!.