أرشيف - غير مصنف

الصراع على الدستورية والشرعية

دكتور ناجى صادق شراب
بدلا من أن تتضافر الجهود وألأمكانات الفسطينية المحدودة لمواجهة أنهاء ألأحتلال كهدف أعلى ، وبدلا من أن يركز الخطاب السياسى وألأعلامى الفلسطينى لكشف الوجه الحقبقى للأحتلال ، وما تقوم به اسرائيل من تهويد للقدس التى تشهد تصادمات ودفاعا من أهلها لحمايتها ، وكشف سياسات ألأستيطان وبناء جدار الفصل العنصرى ، ورفض أسرائيل للسلام ، وبدلا من تركيز الجهد على تقرير جولدستون الذى أقمنا الدنيا وأقعدناها على تأجيله ، وكدنا ان  نفقد انفسنا وقضيتنا ، وبدلا من التفكير الهادئ المتزن والواقعى بعيدا عن المهاترات السياسية التى نعيش أحلك فصولها لأعادة بناء النظام والمنظومة الفلسطينية كلها على أسس ثابته من الشراكة السياسية والتوافق الوطنى ، والتأسيس لمؤسسات أكثر ديمومة وبقاءا من ألأشخاص ، للننهى ظاهرة الشخصانية التى ترسخت فى سياستنا ، بدلا من كل ذلك يدخل الفلسطينيون فى حلبة جديدة من الصراع والتنازع حول الشرعية الدستورية والسياسية وذلك فى أعقاب أصدار الرئيس محمود عباس المرسوم الرئاسى بأجراء ألأنتخابات الرئاسية والتشريعية فى موعدها الدستورى وهو الخامس والعشرين من يناير القادم ، وهنا دخلت الحالة السياسية الفلسطينية فى ترديد نفس التهم حول شرعية ابومازن ، وحقه فى أصدار المرسوم ، وبات الكل يدعى التمسك بالشرعية الدستورية نفسها التى تهدف ألأنتخابات القادمة الى تأكيدها وتجديدها ، والكل فى حاجة ألى تجديد شرعيته ، وهنا وبعيدا عن لغة ألأتهامات وبعيدا عن الجدل السياسى العقيم فلآ بد من التسليم بعدد من الحقائق : وأولها وبعيدا أن أبو مازن شرعى أوغير شرعى وهذه مسألة قد حسمت من بعد الخامس من يناير الماضى ، أنه هو الوحيد الذى من حقه دستوريا أصدار هذا المرسوم ، وثانيا أنه بحلول الخامس والعشرين من يناير القادم كل المؤسسات السياسية الفلسطينية رئاسة أم حكومة أم سلطة تشريعية ستفقد شرعيتها السياسية وسيدخل النظام السياسى الفلسطينى فى مرحلة من الفراغ الشرعى واللآدستورى بخلاف الحالة الحاضرة التى تتسم بالتنازع على الشرعية ، وثالثا المرسوم من منظور دستورى بحت هو تأكيد على ألألتزام بمبدأ سمو الدستور ولا خلاف أعتقد على أحترام الدستور من قبل الجميع ،لأنه لاأحد يمكنه أن يرفض الشرعية الدستورية التى يحتمى بها ألأن ، وفى هذا السياق والمعنى لا خلاف على أصدار المرسوم ألرئاسى بأجراء ألأنتخابات بعيدا عن شرعى أوغير شرعى أو دستورى أو غير دستورى .ورابعا هل يمكن أجراء ألأنتخابات فى ظل ألأنقسام ؟ نعم يمكن ذلك لكن يبقى السؤال المهم هل ستحقق ألأنتخابات أهدافها ووظيفتها ؟ وهذه هى الملاحظة الخامسة والتى ينبغى التركيز عليها ، وهى أن ألأنتخابات تجرى فى ظل بيئة سياسية مستقره هادئه توافقيه توفر أسباب النجاح للأنتخابات ، وألأمر ألأخر المتعلق بالأنتخابات أن ألأنتخابات ليست هى الديموقراطية هى وسيلة وأجراء لتأكيد الممارسة الديموقراطية ووسيلة لحل الخلافات وحسمها بطريقة سلمية بالأحتكام للأرادة الشعبية التى تمنح الشرعية لمن يحكم ، والسؤال ثانية هل ستحقق ألأنتخابات الفلسطينية القادمة هذه الوظيفة ؟أم أنها قد تعمق من ألأنقسام والخطورة ليست فى ذلك ، ألخطور ة وفى حال نجاح ألأنتخابات وأجرائها فى الضفة الغربية مع تمثيل محدود لغزة عبر وسائل متنوعه ومتعده من المشاركة فى التصويت ، فهذا لا يعنى أن الخلافات الفلسطينية قد تنتهى بل على العكس سندخل فى خيارات وسيناريوهات كارثيه فى التعامل الفلسطينى ، ما بين جزء سيتمسك بالشرعية وجزء آخر لم يعد يملك هذه الشرعية ، ومن شأن هذه التجزئة والخلاف ان تؤدى ألي ضياع حقيقى للقضية الفلسطينية وعندها قد نرى أكثر من سلطة وحكومة ومنظمة تحرير ، بل أن الشعب نفسه قد يضطر لحمل أكثر من هوية ، هذا السيناريو وعلى الرغم من ألأستحقاق الدستور ى للأنتخابات سيكون ثمنه السياسى عاليا ، والكل سيدفع هذا الثمن ، وقد يدفع أبناء الشعب الفلسطينى فى غزه الثمن بمفردهم . وماذا لو لم تنجح ألأنتخابات فى حال تنظيمها لأكثر من سبب؟ وما الحل ؟
الحل واضح أن أصدار هذا المرسوم يمكن أحتوائه بسهولة بالأتفاق على ورقة المصالة الفلسطينية وأجراء ألأنتخابات فى موعدها الجديد ، وهنا نكون قد حققنا أكثر من هدف ألأول ألأحترام للدستور ، وثانيا تحقيق المصالحة ، وثالثا أجراء أنتخابات حقيقة قد تمهد للتغيير الذى ينشده الجميع . فالذى يحسم مسألة الشرعية وغير الشرعية هى ألأنتخابات ، ولذلك أعتقد أننا نعمق من هوة الخلافات بالتمسك بان الرئيس شرعى أوغير شرعى ، والسؤال هنا كيف يكون لنا رئيس شرعى؟ألمهم فى الموضوع أننا نريد هذه الشرعية وتأكيدها وتعميقها حتى تشكل أطارا للحركة السياسية فى المستقبل . أما البقاء ندور فى نفس الدائرة من التصادم والتنازع حول الشرعية فهذا سيقود الى هاوية لن ينقذنا منها احد  ، والمقاربه والتفاضل بين السيناريوهات المختلفه والمحتمله لما قد يترتب على ألأستمرار فى تنفيذ المرسوم الرئاسى دون مصالحه ، هنا كل الخيارات على صعيد كل طرف ستكون خيارات كارثيه وسيئة ، ونتيجتها النهائية هى الخسارة حتى على مستوى القوتين المتنازعتين حماس وفتح ، ولذلك من حقنا التساؤل عن طبيعة هذه الخيارات والتداعيات التى يمكن أن تترتب عليها ، وهو ما يحتاج منا ألى مقالة خاصة . أما ما ينبغى التأكيد علية أن خيار المصالحة وأجراء ألأنتخابات وأحترام الدستورية هو الخيار ألأمثل وألأكثر قبولا ، وهو الخيار الذى يشكل مخرجا وحفظا لماء الوجه للجميع ، لكن هذا الخيار وحتى نضمن له الديمومة وألأستمرارية يحتاج الى أسس توافقية يتم الألتزام بها يقوم عليها النظام السياسى من منطلق أن النظام السياسى هو فى النهاية ملك للشعب الفلسطينى ، وليس ملكا لتنظيم أو حزب واحد ، وفى هذا السياق فإن التوقيع على أتفاق المصالة أو الورقة الفلسطينية المصرية هو الخطوة ألأولى فى عملية البناء والتغيير . نعم نحن فى حاجة ألى التغيير ،,الى أصلاح المنظومة السياسية الفلسطينية بكل مكوناتها ، وعناصرها وحتى أشخاصها ، وهذا يتم من خلال ألأنتخابات والمصالحة ، ومن هنا المخرج الوحيد والحتمى هو خيار المصالحة ، وليس القول أنا والطوفان ومن معى ، والكل يغرق فى هذه السفينة الفلسطينية ، والسبب فقط هو التعنت السياسيى وعدم قراءة النتائج بطريقة صحيحة ، إن الحل لا يتم بخطاب حماسى أو أنفعالى هنا أو هناك ، ولا بتوجيه ألتهم أو حتى التشكيك فى شرعية أو دستورية الكل فى حاجة ماسة لها لتجديد شرعيته وتأكيدها ، ولعل المسألة المهمة فى هذه المرحلة ليس القول هذا شرعى وهذا غير شرعى ، بقدر الحاجة ألى أعادة البناء السياسيى اوأعادة صياغة الشرعية السياسية الواحده والموحده وتفويت كل الفرص على كل من يريد ألأنقسام وتصفية القضية الفلسطينية ، وتصفيتها فى أطر أقليمية ودولية ، وتبقى كلمة واحده وسط هذا الضباب السياسى ، وهوأن لاحماس ولا فتح تستطيع بناء النموذج الخاص بها منفرده وبعيدا عن الخيار الفلسطينى الذى أساسه المصالحة والتوافق والبحث عن ذاتنا ومصلحتنا الوطنية وليس البحث عن مصالح ألآخرين .
دكتور ناجى صادق شراب /أكاديمى وكاتب عربى

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى