أرشيف - غير مصنف
القرضاوي شيخاً للأزهر
أسامة عبد الرحيم
غريب أن تتبدل بُصلة الشعور لدى الإنسان من الغضب المفرط إلى الشفقة والحزن البالغ، وهذا ما أشعر به الآن حيال الدكتور محمد سيد طنطاوي، ذلك الرجل الذي يشهد له المتخصصون بالعلم الغزير في تفسير القرآن، حتى أنني سمعت احدهم يكاد يجزم انه يعد على رأس هرم المفسرين في العصر الحديث بلا نزاع.
إلا انه ومنذ توليه منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر سجل تراجعاً كبيراً في معظم ما أفتى بحله أو حرمته، حتى انه خالف أقوال جزم بها في رسالة الدكتوراه التى استحق بسببها – وعن جدارة-درجته الأكاديمية.
غير أن كل هذا ليس بالمهم الذي أقصده، وما اعنيه هو أن ربان السفينة حينما يخالف الإرشادات ويتجاهل البوصلة ويكابر مسار الريح ويعاند حكمة الأولين، فلا عجب أن تأتيه الرياح بما لا يشتهيه السَفِنُ، وتلك ظلال المشهد الباهت الذي يحيط بالدكتور طنطاوي وينذر بتخلي المعسكر العلماني عن خدماته فيما تبقى له من سنوات، وذلك بعد أن أصبح حظه من الثقة عند الشعب المصري من جهة، والمسلمين في العالم من جهة ثانية في تناقص مستمر.
ودارت في ذهني فكرة مفادها أنه ماذا لو أصبح الدكتور يوسف القرضاوي شيخاً للأزهر؟!، بل وتخيلت لوهلة أن الرئيس مبارك تقرب إلى الله وأعفى الدكتور طنطاوي من منصبه، وترك مهمة اختيار شيخ الأزهر الجديد بالانتخاب المباشر بين السادة العلماء، ووقع اختيار معظم العلماء على الرجل الوقور، لا أقول بالإجماع فهذا لم يحدث للأنبياء- صلوات ربي وسلامه عليهم- بل بأغلب الأصوات.
ثقيلة هى التركة التى سينوء بحملها كتف القرضاوي، خزينة الأزهر من الثقة لدى الناس تكاد تكون منعدمة إلا بقايا من تبجيل، وطفيليات وطحالب صهيونية وعلمانية تسلقت جدرانه ونخرت مئذنته وقبابه، كل شئ تقريباً يحتاج إلى ترميم وإعادة ترتيب أوراق وأولويات، ومراجعة معظم الفتاوى والقرارات، والمطالبة بأوقاف الأزهر التى تم سلبها، والأهم من ذلك كله إعادة ترسيم العلاقة مع السلطة على نحو يعود بها إلى النهج القانوني الصحيح؛ لتعتدل كفة الميزان.
تخيلت ردة الفعل لدى عشاق المؤسسة العريقة من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، وردة فعل الأعداء في تل أبيب وواشنطن والفاتيكان، وبالطبع الأذناب المخلصة في زوايا الصحافة وتكايا حقوق المرأة ومراكز صنع القرار.
خمنت أسماء العلماء الذين سيستعين بهم القرضاوي ليعاونوه ويستشيرهم في “محنة” المنصب الثقيلة، العديد من الأسماء التى يعرف العوام بعضها ويجهلون أكثرها طرقت ذهني في تلك اللحظة، ويقيني أن الرجل الذي يضع الآخرة نصب عينيه سيجد أن تكاليف المنصب أكثر غزارة بكثير من سنوات عمره التى قد تسعفه، ولكن الله قد يبارك في عُمر المخلصين – نحسبه والله حسيبه- من عباده فتطوى لهم الأزمنة كما تخيل ذلك ألبرت أينشتين..!
أكثر من ملف ينتظر جهد القرضاوي ومستشاريه العلماء، وعيون المسلمين ترقب ما يصدر عن مشورتهم، الجميع سيحبس أنفاسه في انتظار أن يقوم المارد الأزهري من عقاله ، وينفض عن عمامته التراب ويمزق عن جبته خيوط العنكبوت.
اقشعر جلدي وانتصب شعر رأسي وأنا أتخيل الأفراح في غزة بعودة الأزهر، حبست دمعة وأنا أرقب الأقصى يرتمي في أحضان أخيه الأزهر وينخرط في عتاب ونحيب، تخيلت وكالات الأنباء ما بين مهنئة ومحذرة ومنذرة وأخرى أخرست المفاجأة لسانها عن التعليق.
طاف في ذهني صهيوني بدثار علماني ومسمى عربي قد أتى الدكتور قرضاوي وهو يحمل حجراً من أحد أركان الأزهر، وقال وشبح ابتسامة ساخرة تلوح على شفتيه وهو يفتت الحجر بين أصابعه:” أتزعم أن الله قادر بعد كل ما خططنا له وفعلناه أن يحي الأزهر من ثباته”، وتخيلت رد القرضاوي وهو يحدق بثبات في عين الخبيث:” نعم..ويجعلك من خدمه”..!
رأيت في مشاهد تلك اللحظة المسلم الأبيض يهنئ أخاه الأسود والعربي يهنئ العجمي بانبعاث الأزهر من رقاده، وتيقنت بأن هذا الجيل قد تم اصطفاؤه ليرى معجزة إحياء الأزهر، التى لا تقل بأي حال من الأحوال عن معجزة إحياء أهل الكهف، فأولئك أحيا الله بمعجزتهم قلوب المئات من سكان قريتهم فآمنوا، أما الأزهر – إن وقعت المعجزة- فسيحيي به الله قلوب المليار والنصف من البشر، ويفتح به قلوب أضعاف هؤلاء..لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم..!
—
أسامة عبد الرحيم
صحفي مصري
Osama Abdul-Rahim
Egyptian Journalist
0020105276035