هذه الصورة كانت واحدة من بين سلسلة من الصور التي التقطت خلال الجولة التفقدية التي قام بها الرئيس محمود احمدي نجاد في منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم في ابريل 2008، ففي اعقاب تلك الجولة سارع مسؤولو مكتب الرئيس الايراني الى نشر تلك الصور في الموقع الانترنتي الخاص بالمكتب كي يشاهدها الجميع، وفي خضم استعجالهم للترويج اعلاميا لذلك الحدث، كان من الواضح ان اولئك المسؤولين لم ينتبهوا الى احتمالية ان بعض تلك الصور قد تكشف عن تفاصيل اكثر مما ارادوا… تكشف التقدم الضعيف والمحدود لعملية تخصيب اليورانيوم في تلك المنشأة.
وسرعان ما أزيلت تلك الصورة من الموقع بعد يومين، وربما حصل ذلك بعد ان اتصل احد مسؤولي منظمة الطاقة الذرية الايرانية ليشتكي، فبينما كان تركيز تلك الصورة على الرئيس احمدي نجاد فإن المصور الذي التقطها اظهر دونما قصد شاشات الكمبيوتر الخاصة بجهازي تشغيل منظومات اجهزة طرد مركزي، وهما الشاشتان اللتان اظهرتا ارتفاع معدلات الانهيار التشغيلي بين اجهزة الطرد المركزي في محطة تخصيب الوقود التي كان الرئيس الايراني يقوم بزيارتها آنذاك.
فتلك الصورة رصدت عن غير قصد قراءات على شاشتي كمبيوتر، وهي القراءات التي توضح صفين من اجهزة الطرد المركزي منسقة رباعيا في اطار نسق تعاقبي يتألف من 164 جهازا، على غرار النسق الذي استخدمته باكستان في السابق، وبدا في تلك الصورة ان البرنامج الكمبيوتري قد اضفى رموزا لونية تبين الوضعية التشغيلية الخاصة بكل واحد من اجهزة الطرد المركزي المندرجة في ذلك النسق التعاقبي، وهذا الامر يسمح للبرنامج الكمبيوتري بأن يوضح على وجه الدقة أياً من اجهزة الطرد المركزي المندرجة في النسق التعاقبي مازالت تعمل وأيها قد توقفت عن العمل وأيها قد اصيبت بانهيار تشغيلي، ولأن الانساق التعاقبية التي تصاب بانهيار تشغيلي هي العقبة الرئيسية التي يتعين التغلب عليها من اجل تطوير قدرات تخصيب ناجحة، فإنه من الطبيعي ان تكون القراءة التقنية لتلك المؤشرات بمثابة توضيح منطقي في سبيل اظهار الوضعية التشغيلية الراهنة الخاصة بكل نسق تعاقبي على حدة.
والواقع ان الرموز اللونية الظاهرة على الشاشتين (في الصورة) تعبر عن نفسها بطريقة منطقية، فاللون الاخضر يشير بوضوح الى اجهزة الطرد المركزي التي هي قيد التشغيل حاليا، وذلك على الرغم من ان تلك الاجهزة قد يكون دورانها في فراغ – اي دون تخصيب فعلي لعنصر سادس فلوريد اليورانيوم، أما اللون الرمادي الفاتح فإنه يشير على ما يبدو الى الاجهزة المتوقفة عن العمل بينما يشير اللون الرمادي الغامق الى الاجهزة المصابة بانهيار تشغيلي، والشاشة التي على اليسار تبين نسقا تعاقبيا يطغى عليه اللون الاخضر مع اشارة الى جهاز طرد مركزي واحد باللون الرمادي وآخر باللون الرمادي الغامق، وهو النسق الذي يعتقد خبراء عالميون في مجال اجهزة الطرد المركزي انه من المرجح له ان اجهزته كانت تدور في فراغ (اي دون تخصيب فعلي) آنذاك.
أما القراءة الكمبيوترية الاكثر إثارة للاهتمام فهي تلك الظاهرة على الشاشة التي على اليمين، فتلك الشاشة توضح نسقا تعاقبيا آخر يتألف من 164 جهاز طرد مركزي، وهو النسق الذي يبدو ان غالبية اجهزته قد اصيبت بانهيار تشغيلي، وتجدر الاشارة ايضا الى ان جميع اجهزة الطرد المركزية تقريبا الموجودة في الصفين الوسطيين تبدو إما باللون الرمادي الفاتح او الرمادي الغامق، ومن الواضح ان تلك الاجهزة قد اخفقت، ومن المحتمل ان المسؤولين عن تشغيل محطة التخصيب كانوا غير قادرين آنذاك على الاستعاضة عن تلك الاجهزة المنهارة بأجهزة اخرى جديدة وذلك لأن هذا كان سيتطلب عرقلة تشغيل اجهزة الطرد المركزي الموجودة على الجوانب الاخرى في النسق التعاقبي.
فما الذي تخبرنا به تلك الصورة وما الذي يمكن ان يخبرنا به كونها قد أزيلت سريعا من موقع الانترنت الخاص بمكتب الرئيس (الايراني)؟ الواقع ان تلك الصورة تكشف عن ارتفاع معدل الانهيار التشغيلي بين اجهزة واحد (على الاقل) من الانساق التعاقبية الموجودة في محطة تخصيب الوقود التابعة لمنشأة ناتانز، وعلاوة على ذلك فإن تلك الصورة تكشف لنا عن ان موظفي الرئيس احمدي نجاد كانوا يحاولون ان يبينوا ان منشأة ناتانز تحقق تقدما على صعيد تخصيب اليورانيوم بينما يسعون في الوقت ذاته الى اخفاء اي دليل يشير الى ان تلك المنشأة تواجه اي صعوبات، والواقع ان ذلك النهج لا يسهم سوى في إزكاء الشكوك العالمية إزاء النوايا النووية الايرانية، فالترويج الاعلامي لزيارة الرئيس وما أعقب ذلك من سحب متعجل لتلك الصورة – التي من الواضح انهم قرروا في نهاية المطاف انها لا تتناسب مع الانطباع الذي أرادوا ان يخلقوه – هو امر ينسجم نمطيا مع النهج الذي دأبت السلطات الايرانية على انتهاجه في ما يتعلق بالقضايا النووية بشكل عام.