أرشيف - غير مصنف
العراق الجديد: الرشوة تلعب دورها من القادة في الوزارات الى الجنود في نقاط التفتيش
مع استمرار المسؤولين في الحكومة العراقية لتحديد المسؤولية عن انفجارات الأحد الدامي التي طالت قلب الحكومة العراقية ، يزداد القلق من أن التهديد الأمني الأكبر قد يكون قادما من داخل النظام بـ”ثوب الفساد” وكما تصفه صحيفة النيويورك تايمز ، فإن الرشوة تلعب دورها من كبار القادة في الوزارات نزولا الى الجنود الذين يعملون في نقاط التفتيش . وقد أشار تقرير داخلي جاء مؤخرا من المفتش العام لوزارة الداخلية بشكل خاص الى الرشوة المقدمة للحراس في نقاط التفتيش المؤدية الى مشهد الجريمة أمام وزارة العدل. وقال القاضي عبد الستار البيرقدار الناطق باسم المجلس الأعلى للقضاء: ((هذه السيارات المفخخة لم تأت من السماء !، إنها يجب أن تكون قد قيدت في الشوارع لحين وصولها الى أهدافها ، وإذا لم يكن هناك فساد، فان المهاجمين لن يتمكنوا من المرور عبر نقاط التفتيش هذه)).ولكن الفساد يسري بعمق اكبر ، معرضا للخطر الحس الأمني الهش في العراق مع استمرار تخفيض القوات الأميركية – بحسب النيويورك تايمز – ومع ظهور الأجهزة الأمنية كما لو أنها تهدف الى إثراء نفسها بأكبر قدر من المال بدلا من توفير الحماية للناس العاديين من العراقيين ، استنادا للعشرات من اللقاءات مع ضباط شرطة ومسؤولين بالإضافة الى تقرير وزارة الداخلية .وقال جواد البولاني وزير الداخلية في لقاء معه مؤخرا: (( الفساد ظاهرة بحيث تكون التهديد الحقيقي لهيكلية الدولة)). ووزارة الداخلية العراقية هي اكبر ثاني وزارة عراقية وتضم واحدا من كل أربعة عراقيين يعملون في القطاع العام ، الأمر الذي يعني الكثير من العاملين في الوظيفة الحكومية في العراق . ويورد التقرير تفاصيل عن كيفية ان الفساد يستشري في الوزارة ويجادل بأنه مازال المطلوب خطوات كبيرة لكبحه. إن الأموال تسرق من الرواتب . ويتم التلاعب بالعقود للحصول على منافع شخصية كبيرة ، وهناك أسماء شرطة وهمية على قوائم الرواتب وبذلك يحصل القادة على تلك الرواتب ويخبر شرطة آخرون بطردهم من وظائفهم في حين يستمر ضباطهم في الحصول على رواتبهم . ويتم اطلاق سراح المجرمين والمتمردين لقاء رشاوى بمبالغ كبيرة ، وتمحى سجلات المجرمين لقاء الحصول على الأموال ، ويتم اساءة التعامل والتعسف مع المحتجزين من قبل الحراس من اجل الحصول على الأموال من اقاربهم . ووراء الفساد المالي الحالي ، هناك أيضا بحسب النيويورك تايمز ، فساد سياسي ، حيث تتنافس الأحزاب من اجل السلطة وتسعى الى ضمان ولاء اكبر عدد من الأجهزة الأمنية استنادا الى مسؤولين عراقيين وغربيين. وقد عزز ضباط الشرطة صحة اغلب ما جاء في التقرير وقدموا امثلة اخرى من انواع الفساد الذي يهدد استقرار قوات الأمن العراقية . وقال احد ضباط الشرطة: ((قائد لوائنا يسرق 34000 دولار من مجموع 41 الف دولار مخصصة شهريا للغذاء ، وقد غير قادة أفواجنا اربع مرات لانهم لا يمارسون الفساد معه)). ووصف ضابط آخر كيف ان بعض الأشخاص المسجلين في قوائم الرواتب لم يظهروا أبدا في العمل ولكنهم يأتون فقط لتسلم رواتبهم التي يتشاركون فيها مع المسؤولين عنهم . وقال ذلك الضابط: ((كل ضابط بمستوى عقيد فاكبر له على الأقل عشرة شرطة يأخذ كل او جزء من رواتبهم ، ونحن نسمي رجال الشرطة هؤلاء – فضائي – والتي تعني بأنهم يأتون من الفضاء الخارجي)). واستنادا الى محققين كبار، فان الفساد يسري من المسؤولين الكبار الى ضباط وأفراد الشرطة في الشارع ، ولكن التقرير نفسه كان حذرا بعدم إيراد أسماء بصورة مباشرة . ودافع الوزير بولاني عن جهود وزارته لقطع دابر الفساد ، وهو تقدم اعترف به المسؤولون الغربيون والخبراء الاخرون . . واستشهد بالتخلص من فرق الموت والتي كانت تمارس عملها من داخل الوزارة ، باعتبار ذلك (( ثورة )) وخلال السنتين الماضيتين تم طرد 62 الف مستخدم والذين لهم سجل إجرامي . وبالرغم من تطهير الوزارة ، يقول عقيل الطريحي ، المفتش العام لوزارة الداخلية ، هناك الالاف من الاشخاص الاخرين على قوائم الرواتب بخلفيات اشكالية . وفي النصف الاول من هذه السنة لوحدها ، فقد وجد المفتش 122 مليون دولار من الأموال المسروقة ، وهي جزء فقط مما يستمده المسؤولون الفاسدون عبر البيروقراطية الهائلة استنادا الى التقرير. ويقول الخبراء ، بان هناك جزءا من الحكومة العراقية التي اظهرت تحسنا بطيئا . وفي الستة اشهر الاولى من هذه السنة ، صدرت 1455 مذكرة توقيف من قبل المفوضية العراقية العامة للنزاهة ، في اتهامات بالقيام بالفساد ( بالرغم من ان 379 شخصا قد ادينوا بتهمة الفساد منذ ان بدأت المفوضية عملها في سنة 2004 ولغاية نهاية السنة الماضية ). وفي وقت مبكر من السنة الحالية اجبر وزير التجارة على الاستقالة بعد فضائح الاحتيال المتصلة بتوزيع الغذاء.
وقد اعتقل في هذا الشهر وكيل وزير النقل بعد ان ضبط وهو يأخذ مائة ألف دولار كرشوة للموافقة على توقيع عقد لتوفير الامن لمطار بغداد استنادا الى المسؤولين العراقيين . وقد أصيب العراق ببلاء الفساد منذ فترة طويلة ، ولكن مع انخفاض الدور الاميركي المباشر في المهام الامنية ، فقد اصبح الفساد اكثر تهديدا عن قبل ، كما يقول المسؤولون الاميركيون والعراقيون . ويقول قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ريموند اوديرنو في لقاء له مؤخرا مع البي بي سي :((الفساد المستوطن داخل النظام العراقي – ليس فقط في قوات الامن ، ولكن في النظام – مازال ربما المشكلة الاكبر التي تواجه العراق)). والقوانين التي ستقوي ايدي المحققين وتلك التي ستطيح بالفساد قد تعطلت في البرلمان ، جاعلة تحقيق الاصلاحات اكثر صعوبة ، ويمكن رؤية تلك الصعوبة في محاولات وزارة الداخلية للتخلص من الشرطة الاشباح . ويقول عبد الباسط تركي رئيس هيئة الرقابة المالية :((لقد حاولنا باحسن ما نستطيع السيطرة على اليات توزيع الرواتب)).ومع ذلك فقد وجدوا بانهم يستطيعون تحقيق التقدم فقط بزيارة كل مركز شرطة محلي وفدرالي في العراق في يوم توزيع الرواتب. وبعد ان وجدوا التناقضات الكبيرة ، فقد اخبروا من قبل القادة المحليين بان الاسماء على القائمة التي لا يستطيعون التأكد منها هم من الاشخاص الذين يتمتعون بالاجازات . وقال تركي: (( الان يجب علينا تدقيق أسماء ما يقارب النصف مليون مستخدم لنرى من كان يتمتع بالاجازة في حينها)). وتعقب الفساد في العراق ، قد يكون له ثمنه المرتفع ايضا ، وبعد ان اصدر تركي تقرير التدقيق على المحكمة الجنائية العراقية العليا، والتي تختص بالجرائم التي ارتكبت في ظل صدام حسين ، فقد اعلمت – من خلال الاعلام المحلي – كما قال – بان احد قضاة المحكمة قد اصدر مذكرة توقيف بحقه . وقال تركي: ((قال القاضي في البدء بان التهمة ضدي كانت عن: ((إبادة الجنس البشري، وقد تبدلت وأنا الان متهم بالاحتيال)).