يؤكد المحلل السياسي أليسا روبين، مراسل صحيفة النيويورك تايمز، إنه بات متأكداً –وهو الذي قدم الى بغداد في 12 نيسان سنة 2003 لتغطية الحرب- أن العراقيين الشيعة والسُنّة والأكراد، (الشعب، وليس السياسيين أو أقطاب الحكومة) استعادوا “مزاجهم النفسي” الذي رآهم عليه أول مرة بأنهم شعب واحد ولا فرق بين مسلم ومسيحي أو كردي وعربي أو شيعي وسُنّي. وبحسب تعبيره فإن ((أهل البلاد يستعيدون أخوتهم))!. ويقول روبين إنه رأى سكان العراق في الجبال والصحارى والسهول وفي الجنوب، فأيقن أن “كفاحهم متشابه” برغم اختلافات التضاريس. وشدّد على القول: إن العراقيين يعتقدون أن أخوتهم لها عمر التاريخ، وأنّ الاحتلال الأميركي هو الذي أتاح للنزاعات الطائفية والإثنية أن تظهر على السطح، مثلما أتاح لـ”الغرباء” أن يدخلوا العراق في إطار حال الانفلات الأمني على الحدود والمستمرة منذ سبع سنوات. لكنّ ذلك لم يمنع المراسل من القول إن هناك “ارتياباً عميقاً” سبّبه شرخ النزاعات الطائفية التي استمرت لأكثر من سنتين. فضلا عن الشعور العام لدى المجتمع العراقي أن “قوى العنف” تنتظر عند أجنحة الصحراء المفتوحة، لإثارة النزاعات من جديد. وقال –من جانب آخر- إن المواطنين العراقيين يقولون إن الصراع الإقليمي (الشيعي-السني) كان دائماً المؤثر السلبي في واقع بلاد ما بين النهرين على مدى قرون سحيقة مضت. وأكد روبين أن العراقيين غالباً ما يسخرون من نتائج الديمقراطية التي حاول الأميركان زرعها في العراق، ظانين أن هذا هو الذي ينقصهم للتحول من النظام الدكتاتوري الى نظام آخر لـ”حكم القانون”، فكانت النتيجة مئات الألوف من الجثث تُلقى الى مكبات الزبالة، ونزاعاً دموياً بشعاً بين السُنّة والشيعة والى مستوى أن يقتل الجار جاره، وأن تُهجر العوائل من بيوتها وأحيائها السكنية، وأن يكون الحصاد اليومي مئات القتلى لسنتين متتاليتين. ويشير أليسا روبين -الذي كان يعمل منذ سنة 2003 ولأربع سنوات في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، ثم انتقل الى صحيفة النيويورك تايمز- إلى أنه ومنذ الأيام الأولى لوجوده في العراق شعر أن “هناك من يخطط لتفجير أزمة طائفية” في البلاد، لكنه لم يكن يدرك حجمها أو أبعادها، ولم يدر برأسه أنها ستكون بمثل ما كانت عليه من “القسوة” التي لم يعهدها في سلوك أبناء المجتمع العراقي.
ويضرب مراسل النيويورك تايمز المثل في ما رآه من حال استعادة المجتمع العراقي لـ”مزاج الهدوء الاجتماعي” برغم شدة النزاعات السياسية في الحملات الانتخابية، بقوله: إن الذاهب جنوباً باتجاه الحلة وكربلاء والنجف، قبل سنوات كان لابد أن يمرّ بمثلث الموت في الإسكندرية والمحمودية، أما الآن فإن هناك نقاط تفتيش اعتيادية، ولم تشهد المنطقة منذ مدة طويلة نسبياً أية حوادث على الطريق أو في المزارع الشيعية والسُنية المتجاورة. وأكد أن الدرس الذي يستخلصه هو أن الشعب يتقدم بخطى أوسع من خطى العملية السياسية نفسها في البلد، مشيراً الى أنها قد تكون السبب في إشعال نزاعات جديدة.