أرشيف - غير مصنف

المخابرات..

خالد حسنين
 
ترفيع محمد باشا الرقاد إلى رتبة فريق يعتبر في بلادنا حدثا مهما يستحق التوقف، ليس بسبب أهمية الرجل وموقعه وتأثيره فحسب، بل يمتد الأمر إلى أهمية الجهاز الذي يديره، وأدواره الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يقوم بها في إطار الدولة الأردنية.
ازدادت أهمية المخابرات في السنوات العشر الأخيرة بسبب الحملة العالمية على ما يسمى بالإرهاب، والأردن يمثل جزءا مهما من تلك الحملة، وبدأنا نلحظ قيام الجهاز بأدوار سياسية معلنة، فمدير الجهاز يمثل جزءا رئيسا من مرافقي الملك في العديد من زياراته الرسمية، فضلا عن استقباله عشرات السياسيين الخارجيين ممن يزورون الأردن..
على المستوى الداخلي يظهر جليا أهمية الجهاز في مجالات عديدة، سياسية وإعلامية، بل أضحى هناك قناعة لدى النخب الأردنية بأنه يمثل فاعلا رئيسا في صناعة القرار السياسي، (ومستشارا) أساسيا لقرارات الحكومة، ولا يتم في العادة تجاوزه في أي أمر. وهذه الأهمية لم تأت من فراغ، وإنما لأن الجهاز يمثل ذاكرة الدولة الأردنية، والعصب الأكثر استجابة وقدرة على تنفيذ توجيهات الملك، كما أنه ليس جهازا أمنيا تنفيذيا فقط، بل لديه العديد من الخبراء في كل المجالات ممن يسهمون في توفير المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارت الاستراتيجية.
بمناسبة ترفيع المدير آمل أن يباشر فتح ملفات أهم كثيرا من ملفات المعارضين السياسيين، ولعل أهمها إعادة تعريف دور الجهاز في الأردن، وإتاحة هامش أكبر من الحراك السياسي، وسلطة أعرض للحكومة على حساب الهواجس الأمنية التي أعتقد أننا تجاوزناها في الأردن.
وأتمنى أن يتعاطى الجهاز بأهمية أكبر مع التهديدات الصهيونية اليمينية التي تناقش قضايانا عبر الكنيست، والعمل على دعم أي تحالف وطني من (الموالين والمعارضين) في مواجهة تلك المخططات، وإظهار قوة الأردن الحقيقية عبر تشجيع الحكومة على الانفتاح على كافة أطراف المعادلة الفلسطينية، بل آمل أن يكون للجهاز دور حقيقي في المصالحة الفلسطينية.
قد يقول قائل (من المتشائمين) بأن الجهاز يمثل عقدة المنشار في كثير من قضايا الإصلاح السياسي والحريات الإعلامية والعامة في الأردن، ولكني على عكس ذلك متفائل بأن الجهاز سيكون مفتاحا للعديد من أبواب الإصلاح المغلقة، والأسباب لذلك كثيرة: فالقدس والأقصى (وهما العهدة الهاشمية) مهددان اليوم بشكل حقيقي، والاستيطان بات مشروعا بشهادة أميركية، والوطن البديل وتوطين اللاجئين أصبحت سياسة إسرائيلية معلنة، والانقسام الفلسطيني يدفع الأميركيين بتسارع نحو تبني الخيار الأردني، والعراق يمثل برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، والوضع الاقتصادي الداخلي ليس على ما يرام.. إننا في ظروف قريبة من ظروف هبة نيسان 89، وعلى المخابرات أن تتحرك بشكل جاد لإنقاذ الموقف، وأن (تشجع) الحكومة على تحمل مسؤولياتها..
 
 
 
خالد حسنين
(الأردن)

زر الذهاب إلى الأعلى