أرشيف - غير مصنف

خيارات حماس بين الممكن والمستبعد

دكتور ناجى صادق شراب
يقال فى أحد تعريفات السياسة ألأكثر قبولا أن السياسة فن الممكن أو أدارة التناقضات بأقل الخسائر ، والمقصود بذلك وبحكم تعقيدات الظاهرة السياسية يصعب على المرء تحقيق كل ما يريد لأن هناك أيضا من يريد كل شئ. وفى هذا السياق والمعنى تتعدد الخيارات المتاحة أمام أى أنسان ما بين اقصى درجات العقلانية وأقصى درجات اللاعقلانية ، فالمرء عندما تواجهه التحديات والمصاعب قد يذهب للأنتحار او تجرع حفنة من السم ومن ثم يفقد حياته ، وهذا دليل العجز والهروب ، وهذا خيار لا عقلانى ، وقد يواجه التحديات والصعاب بالصمود وألأنتظار وتغيير قواعد اللعبة ، أو حتى بالتكيف ولو الجزئى أو بألأندماج فى الحياة الجديدة والمساهمة فيها ومن خلال ذلك يمكنه تحقيق ما لم يستطع تحقيقه بمفرده ، وهذا شكل من أشكال التفكير العقلانى والخيارات الموضوعية والمقبولة والتى تحفظ له البقاء وألأستمرارية . ولعل من أهم الدروس فى علم السياسة والتى يستفاد منها فى تحديد الخيار والقرار المعقول التقدير الموضوعى لما تملك من قوة ، والوقوف على ما يملك غيرك من قوة وتأثير ، والدرس الثانى أن أى خيار لا يتم ويخطط ويصاغ فى غرف مغلقة وكأن العالم كله بين أيدينا . هذا الحال الفردى ينطبق على الدول والتنظيمات والجماعات ، لأن مضمون السياسية هى واحدة للجميع . هذه المقدمة السريعة والموجزة قد تساهم فى الوقوف على الخيارات المتاحة أمام حركة حماس ، وهذا أجتهاد من خارج الحركة لمواطن فلسطينى يسعى لأن يرى المصالحة وفى قلبها حماس تساهم فى بناء النظام الفلسطينى الخالص ، من منطلق خصوصية الحالة الفلسطينية بكل تعقيداتها الداخلية وألأقليمية والدولية . وأبتداء كل خيار من الخيارات المتاحة والممكنة وكل الخيارات العقلانية وغير العقلانية ممكنه فى التنفيذ ، لكنها غير ممكنه فى التحقيق. بمعنى أن ألأنسان الذى ينتحر يستطيع ذلك ، لكنه بخياره هذا لم يحقق هدفه ، وبهذا المعنى مثلا يمكن أقتحام معبر رفح ودفع الناس بأتجاهه ، لكن ذلك لن يحقق أى من ألأهداف المرجوة برفع الحصار مثلا ، ويمكن أطلاق المزيد من الصواريخ فى هذه المرحلة لتحريك الموقف الجامد ، لكن هذا قد يدفع الى مواجهة عسكرية لانملك مقوماتها ومستلزماتهأ ولأن العرب كلهم لن يقوموا ويحركوا جيوشهم أتجاه أسرائيل ـ وسنكون نحن الخاسرين أكثر ، ويمكن تحريك أنتفاضة ثالثه لكن فى أى أتجاه وضد من ؟
أعود الى ألأجتهاد فى تصور عدد من الخيارات الممكنه وغير الممكنه أمام حركة حماس وخصوصا بعد صدور المرسوم الرئاسى ، وقبل أستعراض هذه الخيارات ، لابد من ألتأكيد علىحقيقة اساسية لايمكن تجاهلها وتحكم تفكير الحركة وقرارها ، وهى أن حركة حماس ولا أنكار فى ذلك قد أصبحت أحد الفواعل ألأقليمية الجديدة، ,اصبحت أحد مكونات النظام السياسى الفلسطينى ، وعليه لا أنتخابات ولا غير أنتخابات يمكن ان تستبعد هذا الدور ، ولا يمكن تصور أى تسوية أو أى تهدئة أو مقاومة او تحرير بدون دور حماس ، لكن المهم فى هذا ألأدراك أن يوظف فلسطينيا ومستوعبا طبيعة البيئة الفلسطينية وخصوصيتها ، والمدرك الثانى والمهم هو فى الحفاظ على هذا الدور وليس فقدانه أو حتى أضعافه أو ألأنحراف به بعيدا عن المصلحة الوطنية الفلسطينية . ويبقى أيضا مدركا ثالثا هاما ويشكل ألأطار والمحدد لكل الخيارات ، وهى أن القضية الفلسطينية ليست فلسطينية خالصه ، بل هناك المحددات ألأقليمية والمحددات الدولية ، وفى هذين ألأطارين تتعارض وتتناقض المصالح الوطنية للدول المعنية فى هذين ألأطارين وقد تصل ألى حد الصراع والتناقض ، والقدرة الفلسطينية هى بقدر ألأبتعاد عن هذه التناقضات وألأنجرار فى سياسة المحاور وألأختلافات بقدر الحفاظ على هوية وأستقلالية القرار الفلسطينى ، وبقدر تحقيقه للمصلحة الفلسطينية ، وبقدر أن يصبح قرارا توافقيا , والمثال واضح بين المصلحة ألأمريكية والمصلحة ألأيرانية مثلا ، لن تلتقيا على المصلحة الفلسطينية أبدا .
والسؤال ما هى الخيارات المتوقعة والممكنه بعد صدور المرسوم الرئاسى بأجراء ألأنتخابات الرئاسية والتشريعية فى موعدها الدستورى ؟
لا شك أن صدور هذا المرسوم قد اتنقل بالحالة الفلسطينية من حالة الصراعات والخلافات الخطابية وألأعلامية التى تتصدرها وسائل أعلام كل منهما ، الى مرحلة الفعل والعمل ، والفعل والعمل قد يكون مكلفا ، وقد يتسبب فى دفع اثمان لم تكن تدفع فى المرحلة ألأولى ، وبالتالى ينبغى التفكير الهادئ والعقلانى والحسابات الدقيقة ، ودائما حسابات السياسة أقرب ألى حسابات البورصات المالية التى تقع فى دائرة ألأحتمال أكثر من دائرة اليقين .
هنالك العديد من الخيارات ، ولكن كل خيار له حساباته السياسية الدقيقة وفى حالة الخيارات الفلسطينية هناك ألأبعاد الداخلية وألأسرائيلية وألأقليمية والدولية ، ولذلك لا بد من التفكير الهادئ والعقلانى فى كل خيار ، واستبق كل الخيارات بملاحظة أساسية وهى أن العامل والمتغير الفلسطينى يبقى هو الخيار ألأكثر ثباتا ، وينبغى أن يبقى المتغير الذى تقوم عليه كل الحسايات . وأمام حماس الخيارات التالية : خيار عدم المصالحة وعدم الذهاب ألى ألأنتخابات والحيلولة دون أجرائها فى غزه ، ولهذا الخيار آثار سلبية كبيرة من منظور الحفاظ على الشرعية ، وكيفية التعامل مع مرحلة ما بعد ألأنتخابات ، وهذا الخيار قد يفرض على الحركة تعاملات بعيده عن المصلحة الفلسطينية ، والخيار ألثانى ألأنتظار وهو أمتداد للخيار ألأول ، أى تنتظر ما يمكن أن تؤول أليه نتيجة ألأنتخابات ، والخيار الثالث الدعوة الى أجراء أنتخابات وهذا خيار تسبعده عوامل كثيره ، لأنه ستترتب عليه خيارات كيفية التعامل أقليميا ودوليا وأسرائيليا. وبالمقابل هناك خيار السماح باجراء ألأنتخابات مع ألأنقسام وهو خيار مستبعد من قبل الحركة لأنه القبول به قد يفقد الحركة الكثير من المكاسب ، ويبقى الخيار الوحيد الممكن والذى يضمن الحفاظ على ما أنجزته الحركة بل يضفى شرعية وقبول بكل ما قامت به وهو خيار المصالحة وأجراء ألأنتخابات فى الثامن والعشرين من يونيو القادم ، هذا الخيار هو ألخيار الأكثر أيجابية على كافة الصعد ، لأنها بقبولها ستكون المكاسب اكبر بكثير من الخسارة حتى مع عدم الفوز فى ألأنتخابات لأنها ستكون قد أوجدت واقعا ونظاما سياسيا لا يمكن أن يتجاهل دورها كأحد المكونات الرئيسة للنظام السياسى الفلسطيني وسيضمن لها قبولا أقليميا ودوليا ولكن من خلال البوابة الفلسطينيى التى سترفع عنها الكثير من الضغوطات ، وهى بهذا الخيار تحتفظ بخصوصيتها كحركة أسلامية وبدورها كأحد الفواعل ألداخلية وألأقليمية المهمه ويمكن ان يشكل ذلك بوابة للتعامل الخارجى . هذه بعض الخيارات الممكنه وغير الممكنه لكن يبقى اى من الخيارات يحقق أهداف الحركة والمصلحة الفلسطينية معا ويلتقى مع خيار الحفاظ على القضية الفلسطينية .
دكتور ناجى صادق شراب /أكاديمى وكاتب عربى
 

زر الذهاب إلى الأعلى