بعد مرور ثلاث سنوات، وسبعة أشهر، تستفيق مصالح رئاسة الجمهورية، وتتذكّر، بأن هنالك قانونا تحت رقم 01/06 مؤرخ في 20 فيفري 2006 منشور بالجريدة الرسمية في 8 مارس من نفس السنة، ينص على تشكيل هيئة الوقاية من الفساد ومكافحته، ويتدارك بالتالي أحد المسؤولين الكبار في الرئاسة - لم يشأ الافصاح عن هويته لجريدة الخبر في عددها الصادر يوم 3 نوفمبر 2009 في الصفحة الثانية- أقول يتدارك الهفوة التي وقع فيها رئيس الجمهورية، بإعلانه عن تشكيل لجنة وطنية لمحاربة الفساد، وهي الهفوة التي لاقت بعض الانتقادات، من جهات عدّة، على اعتبار أن تشكيل هذه اللجنة، يُعدّ بحد ذاته إقرارا رسميا من قبل السلطات بتفشي ظاهرة الفساد، وإقرارا بفشل مؤسسات الدولة في الوقوف في وجه المفسدين، وحتى وإن سلمنا بحسن نية السلطة في محاربة الفساد في الوقت الحالي، فإنني شخصيا لا أرى كيف أن من عايش وشهد تفاصيل تنفيذ جرائم الفساد، وكانت له القدرة على منع تنفيذ هذه الجرائم بحكم موقعه المتقدم في السلطة، لا أرى كيف أنه سينجح في تشكيل هذه الهيأة، ولا أثق البتة في أنه سيقوى على محاسبة هؤلاء المجرمين، فمنذ بضعة أيام فقط وبمناسبة الاحتفال بالذكرى ال 55 لاندلاع الثورة التحريرية المباركة، رأيت وبأم عيني كيف أن بعض المشبوهين بجرائم الفساد، وبعضهم متهم باختلاس آلاف المليارات، كان لهم الشرف في احتلال المواقع المتقدمة في الحفل الرسمي، بل إن بعضهم حظي حتى بتقبيل رئيس الجمهورية له، فهل يُعقل والحال كذلك أن يكون هنالك أي حظ للهيأة المُراد تنصيبها لمحاربة الفساد، أن تتجرأ حتى على استدعاء أي من هذه الشخصيات، حتى لا اقول التحقيق معها؟ إن ذلك سيكون ضربا من ضروب الخيال، فالهيأة التي شُرّع لتشكيلها في سنة 2006 ستضم سبعة أعضاء، سيكون بمقدورهم بحسب القانون استدعاء من شاؤوا وطلب ما شاؤوا من معلومات من كل الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة، في إطار الكشف عن أفعال الفساد، لكن هؤلاء الأعضاء وهيأتهم التي تتبع لسلطة رئيس الجمهورية، لا يمكنهم متابعة هؤلاء المفسدين في حال ثبوت الجرم عليهم، فالقانون الذي أنشأها، يُلزمها ، برفع الملف إلى وزير العدل الذي ُيخطر النائب العام المختص بتحريك الدعوى العمومية ضد من تحوم حوله شبهة الفساد، وما دام أن وزير العدل لا يُمثل السلطة القضائية، بل هو تابع للسلطة التنفيذية، ويتولى منصبا سياسيا بالدرجة الأولى، فإنه لا يمكن إجباره لا من قبل هذه الهيأة ولا من قبل غيرها على إخطار النيابة العامة، فقد كان أولى بواضعي هذا القانون لو كانوا فعلا يريدون محاربة الفساد، أن يضيفوا جملة واحدة فقط، وهي أن “وزير العدل يكون ملزما حال توصله بتقرير الهيأة بإخطار النائب العام” وهذا ما لا نجد له أثرا في هذا القانون، الذي جاء برأينا بهدف وحيد وأوحد، هو إدارة وتسيير الفساد، ومراقبة منابعه والقائمين عليه، وربما متابعة من لا يمشي في خط السكة الموضوعة سلفا..
إنني شخصيا، أنصح رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، بإلغاء هذا القانون كلية، لأنه ومن باب الحكمة والمنطق، لا يمكن لسبعة أشخاص أن يقوموا بمهمة، هي في الأصل من اختصاص القضاء، الذي لديه المئات من وكلاء الجمهورية، والنواب العامين، وقضاة التحقيق، دونما أن نشير هنا الى مجلس المحاسبة، الذي تم تهميشه وطمس دوره، فإن كانت بالفعل لرئيس الجمهورية رغبة أكيدة في محاربة الفساد، فيكفيه أن يعطي للقضاء الجزائري استقلاليته، ويُطلق بالتالي يد العدالة التي ستطال وبكل تأكيد رؤوس الفساد الحقيقية، وتُخلص الشعب الجزائري من كابوس الفساد، والمفسدين،أما إذا أصرت السلطة على تشكيل هذه الهيأة التي أناطت بها مهمة محاربة الفساد وتلقي التصريحات بالممتلكات الخاصة بالموظفين العموميين بصفة دورية، فإنني شخصيا سأضع ثقتي فيها إن هي نجحت في تلقي التصريحات بممتلكات مسؤولينا وأبنائهم في الخارج، ونجحت في كشف ولو حساب بنكي لأحد هؤلاء في احد البنوك الخارجية، فإذاك سأعلن أمام الجميع بأنني أخطأت وأن هذه الهيأة على صواب.
جمال الدين حبيبي