بدت معظم وسائل الإعلام الأمريكية الصادرة يومي الجمعة والسبت 6 و7 -11-2009 متوافقة مع دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عدم التسرع وتأويل دوافع الطبيب ميجور نضال حسن مالك إلى قتل 13 أمريكيا وإصابة 31 آخرين في هجوم على قاعدة عسكرية بولاية تكساس قبل انتهاء التحقيقات، واكتفت بجمع شهادات من عائلته وزملائه والمحيطين به لتجميع صورة عن أحواله وطباعه في الفترة الأخيرة التي سبقت الهجوم.
وفي سلسلة تحقيقات أجرتها شبكة “سي إن إن” الأمريكية ونشرتها السبت 7-11-2009 سرد عدد من أفراد عائلته وجيرانه وقائع لما يقولون إنها سلوكيات “عنصرية” تعرض لها نضال (39 عاما) في السنوات الأخيرة سواء في الجيش أو العقار الذي يسكن فيه.
ومن هؤلاء ابن عمه، محمد منيف عبد الله حسن، الذي لفت إلى أن نضال المولود بأمريكا من عائلة ذات أصول فلسطينية أخبره بأنه كان يرغب في مغادرة الجيش؛ لأنه “كان يشعر بعدم احترام المحيطين به لدينه”.
وأضاف محمد الذي كان يتحدث من رام الله بالضفة الغربية أن “العنصرية تجاهه كانت واضحة لمجرد أنه عربي ومسلم ويؤدي الصلاة ويرتدي في غير أوقات العمل الزي الإسلامي (جلابية وطاقية)”.
“ستبقى عربيا”
وفي السياق ذاته، قال محمد: إن نضال “لم ينل في الجيش ما يستحقه من احترام.. فهناك لم يعاملوه أبدا على أنه واحد منهم. لقد كان ميجور (رائد) ولكن زملاءه لم يعاملوه بالاحترام الذي تستحقه هذه الرتبة.. كانوا يقولون له: نعم أنت ميجور في الجيش الأمريكي ولكنك ستبقى عربيا ومسلما.. لديك تقاليدك وقيمة الخاصة ولدينا تقاليدنا وقيمنا الخاصة”.
ولفت ابن العم إلى نقطة أخرى كانت تثير حنق نضال من الجيش، وتدفعه للتفكير في ترك الخدمة به، وهو ما نمى لعلمه بأنه سيرسل في مهمة لمداواة الجنود في العراق نفسيا.
وبحسب ما ذكره مسئولون في الجيش فإن المهمة التي كان من المقرر أن يرسل فيها نضال كانت إلى أفغانستان وليس للعراق.
عمته نوال حسن المقيمة في الولايات المتحدة، ذكرت أيضا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن ابن أخيها تحدث معها عن رغبته في ترك الجيش بعد أحداث 11 سبتمبر “بسبب سوء المعاملة التي يتعرض لها ووصمه بأنه مسلم”.
غير أن محمد منيف، ابن عم نضال، لا يجزم بأن هذا “التمييز العنصري” الذي كان يتعرض له قريبه هو دافعه لارتكاب الهجوم: “لو كان قتل واحدا أو اثنين لقلت إنه تعرض لكلمة أو سلوك ضايقه فانفعل ودفعه الغضب للانتقام في الحال، ولكن أن يقتل 13 ويصب أكثر من 30 آخرين فإن هذا يعني أن السبب أكبر من هذا بكثير”.
وعن انطباعه عندما التقى وجها لوجه مع نضال خلال زيارة الأخير للقدس قبل 15 عاما ليتعرف على جذوره قال محمد: “نضال كان شخصا طبيعيا”.
في المقابل، نفت “منظمة المحاربين المسلمين القدماء” الأمريكية ما ورد على لسان قريب نضال بأنه كان يتعرض لتمييز عنصري في الجيش، مؤكدة أنها “لم تتلقَ أي تقارير عن مضايقات تعرض لها جنود مسلمين”.
وأيد ذلك عبد الراشد عبد الله، نائب رئيس مجلس رعاية شئون العسكريين والمحاربين القدماء المسلمين الأمريكيين، لـ”فوكس نيوز” الذي قال إن مجلسه لم يتلقَ أي إشارة مؤخرا عن تعرض مسلم لأي ضرر لمجرد أنه مسلم.
وأطلق نضال النار بشكل عشوائي على عدد من الجنود والمتواجدين في قاعدة “فورت هوود” بولاية تكساس، أكبر القواعد العسكرية الأمريكية على الإطلاق، ما أسفر عن مقتل 12 جنديا ومدني واحد وإصابة 31 آخرين، وأصيب نضال نفسه بجروح حين حاول البعض إيقافه، وما زال يتلقى العلاج في حالة صحية لم تسمح له حتى مساء الجمعة بالحديث في مستشفى عسكري.
“الله هو الحب”
ومن خارج نطاق المؤسسة العسكرية تحدث جون ثومبسون، المسئول عن العقار الذي كان يسكن فيه نضال في كيلين بولاية تكساس، الذي أشار إلى تعرض نضال لحادث الإضرار بسيارته حين قام جاره، جون فان دي واكر، في 16 أغسطس الماضي بتمزيق لافتة مكتوب عليها “الله هو الحب” باللغة العربية كانت ملصقة على سيارة نضال، ولم يكتف بذلك بل وأحدث بعض الأضرار في السيارة.
ورفع شكوى إلى الشرطة بهذه الواقعة، وشوهد دي واكر بعد ذلك يعتذر لنضال الذي أصر بدوره على دفع التعويضات لإصلاح الأضرار التي لحقت بسيارته.
“مخلص لأمريكا”
كما رصدت وسائل إعلام أمريكية انطباعات وردود فعل عدد من زملاء نضال على الهجوم، ومن هؤلاء يحيى هندي، الواعظ بالمركز الوطني الطبي للبحرية، الذي قال: “قابلته مرات عديدة.. كان يبدو لي مسلما مخلصا جدا لأمريكا حتى أنه قال لي ذات مرة إنه انضم إلى الجيش قبل سنوات كي يقدم شيئا مفيدًا لبلده أمريكا”.
ويصفه الدكتور فال فينيل -زميل دراسة لنضال- بأنه كان شخصا معارضا لما تسميه الولايات المتحدة “الحرب على الإرهاب” في كل من العراق وأفغانستان؛ لأنه كان يعتقد أنها “حرب مقصود بها استهداف الإسلام”.
ومن داخل المسجد الذي اعتاد على أداء صلوات الجمعة فيه في “سيلفر سبرينج” بميلايلاند قال عنه إمام المسجد، محمد عبد الله، إنه “كان شخصا تقيا، وكان يتجنب الخوض في أحاديث عن السياسة”.
وفي رد فعل أولي لعائلة نضال المقيمين في الولايات المتحدة قالت في بيان الجمعة: “نحن نشعر بالخزي من وقوع هذا الهجوم الذي لا يبرره أي دافع ديني أو انفعالي، ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن عائلتنا.. ومثلنا مثل بقية الناس مصدومون، وإذا سألنا أحد عن السبب فالجواب ببساطة: لا نعرف، ومستعدون للتعاون في التحقيقات كي تظهر الحقيقة”.
ولم تذكر “سي إن إن” التي نشرت البيان من تحديدا من أفراد عائلة نضال أصدر هذا البيان.
وقاعدة “فورت هوود” الواقعة في ولاية تكساس هي أكبر قاعدة عسكرية في العالم، ونقطة رئيسية لنشر القوات في العمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وهذا الهجوم يعد من أسوأ حوادث القتل التي تقع في قاعدة عسكرية أمريكية سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة.
ويوجد في الجيش الأمريكي نحو 3.500 ألف مسلم، وهو ما يمثل أقل من 1% من عدد أفراده البالغ 1.4 مليون، بحسب البنتاجون في حين يقدر بعض المسلمين في الجيش العدد الحقيقي لهم بأكثر من 20 ألف.