أرشيف - غير مصنف
أبو مازن وجماعته ولعبة خلط الأوراق !!
أ / محمد خليل مصلح
تتبعت الكثير مما كتب في الصحف ونشر في المواقع أو ذكر على لسان كثير من المحللين السياسيين والمراقبين فيما يتعلق بتبعات قرار أبو مازن بعدم ترشيح نفسه للانتخابات القادمة ، ولقد لاحظت أن العنوان لكل ما ذكر صنف تحت عنوان هل قرار أبو مازن مناورة أم حقيقة ؟ حتى كتاب الأعمدة الصهاينة كتبوا تحت هذا العنوان والقليل شذ عن ذلك و قال ما لم يقله الكثير ، منهم من قال أن أبو مازن يقر بفشل إستراتيجيته المفاوضات !! مع أن أبو مازن ما زال يؤمن بطريق المفاوضات كخيار إستراتيجي لحل الصراع العربي الفلسطيني ، المشكل في ذلك أن السيد أبو مازن، يصب على النار الزيت ، على أمل أن تأتي له هذه المسرحية بنتيجة ، وذلك يتضح من خطابه الذي ترك فيه الباب مفتوحاً لعودته ، ولكن بشروط أفضل وظروف أحسن ، السيد عباس لا يريد أن يُغتال كما أُغتيل الرئيس عرفات ، حقيبة الأوراق السياسية التي يمتلكها أفرغت ، فلم يبق في يديه ما يناور عليه في لعبة السحق السياسية بتضييق الخيارات أمامه من قبل الشريك الأمريكي – الإسرائيلي ، ظاهر القرار انه يقدم احتجاجا على الموقف الأمريكي – الإسرائيلي ، وهو في المقام الأول في نظري لا يحمل أي تهديد إلا لحركة فتح ، وهو رسالة إلي الذين يتحركون في الاتجاه المعاكس له داخل فتح ، إستشعار مبكر للسيد عباس ولجماعته من احتمال الانقلاب الناعم عليه من قبل البعض لإعادة إحياء الخيار الآخر الذي أسقطه من حساباته هذا التراجع إذا تبعه انسحاب من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية سيترتب عليه صراعات داخلية قد تودي إلى القضاء على حركة فتح مما سيعقد الوضع الداخلي الفلسطيني ، لذلك فأبو مازن يبتز هو وفريقه التيار الأخر داخل فتح ويلوح بورقة دحلان في وجه حركة حماس وهذا يحمل في طياته مخاطر كثيرة ستلقي بظلالها على ملف المصالحة الداخلية .
هناك تيار داخل حركة فتح يدفع وبقوة لحرق ملف المصالحة وتأزيم الوضع الداخلي بتجسيد الانفصال واستغلال الموقف الداعم من بعض الأطراف العربية والدولية والإسرائيلية للتأليب على حماس ونقل المعالجة من دبلوماسية الحوار إلي القوة العسكرية خاصة بعد أن فشلت المراهنة على تلك الوسائل التي استخدمت حتى الآن لإسقاط حماس من الحكم ، خاصة فريق دحلان الذي راهن على ذلك في غضون ثلاثة شهور على ابعد تقدير ولهذا في الوقت نفسه علاقة بتسارع الأحداث المفتعلة أو الأزمات الإقليمية في مواجهة الموقف الدولي المتأزم بالنسبة للدولة العبرية جراء تطور الموقف الدولي وتحويل تقرير غولدستون إلى مجلس الأمن للنظر فيه .
لكن في تحليلي للقرار هناك ما لم يقله الكثير أو يجرؤ على قوله البعض : هل لقرار أبو مازن علاقة بفشل خيار الإطاحة بحكم حماس مع الشريك الفلسطيني ؟ وان هذا القرار يحمل في طياته تحريضا على حماس ، السيد عباس يرسل إشارات لكل من له علاقة بملف المفاوضات انه غير قادر على اللعب مع كل الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية بالوضع الحالي ، فالقضية الداخلية الفلسطينية تشكل له عقبة كئود أمام تلبية الشروط والتطورات السياسية بتراجع أمريكا وبعض الدول العربية عن اشتراطاتها بوقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات !! إعلان القرار في هذا الوقت بالذات يسعى لتحقيق جملة من الأهداف وان بدت غير منطقية في نظر البعض لكنها السياسة ولعبة خلط الأوراق في الساحة الإقليمية والدولية ، الوصفة السحرية التي يسعى من خلالها السيد عباس إلى تجنيد العالم للإطاحة بحكم حماس في غزة والعودة بالوضع إلى ما قبل انتخابات عام 2006 وصعود حماس على المسرح السياسي بإستراتيجية المقاومة بعد أن أُسقطت عقب الانتهاء من الرئيس الراحل أبو عمار .
أبو مازن في قراره التهديد بالاعتزال قبل حلول موعد الانتخابات يلعب بالأوراق في الساحة الإقليمية والداخلية والدولية ، فهو يسعى إلى تحريك الرأي العام الفلسطيني والإقليمي والدولي للضغط عليه بالعدول وترشيح نفسه مرة أخرى في محاولة ماكرة للإستناد على هذا التحرك في خطوة قد يتخذها انقلابية على ما تبقى من قضايا تشكل عائقا أمام البدء بالمفاوضات بالشروط الإسرائيلية وتلبية لطلب السيد اوباما ووزيرة خارجيته كلينتون القنوع بما قدمه نتنياهو من تفاهمات مع الولايات المتحدة بخصوص الاستيطان والحلول المؤقتة .
السيد أبو مازن بحاجة إلى رافعة سياسية قوية وهي في نظري تعتمد على عنصرين مهمين جدا وهما عبارة عن مطلبين يسعى لتحقيقهما من وراء هذا القرار ولكن بعرض مسرحي أمام الفضائيات وهو انه بين نارين وبينهما حقل ألغام ، نار المفاوضات التي ما زال يؤمن بها وشروط الرباعية وعدم إسقاطها في اتفاق المصالحة الداخلية لأنه سيفقد الدعم والمساندة الإسرائيلية والأمريكية مع انه ما زال في نظرهم الشريك المفضل ونار المصالحة مع حماس وإعادة السيطرة على الوضع الداخلي بيدين مكبلتين بسلاسل قدرات حماس التي تتعاظم وانه اليوم الذي يمر دون توجيه ضربه إستباقية لها يعني تراجع حظوظ إسقاطها بالقوة وهذا يقوده إلى الرضوخ إلى مطالب حماس وهذا ما لا يرغب به ولا يقوى عليه وفيه انتحار سياسي له ولنظريته السياسية ، أما حقل الألغام فهو السياسة الإسرائيلية الخرقاء التي تصعد كل يوم من ممارساتها الاستيطانية وتقلل من أفق المفاوضات السياسية وتفرض بالقوة الخطوط العريضة لحدود المفاوضات السياسية والجغرافية معه ، السيد عباس في المطلب الأول إما أن تعطوني التجميد كورقة أتقدم بها للمفاوضات والجم بها اعتراضات حماس والثاني العمل معا اليوم قبل الغد للخلاص من حماس . ولا شك عندي أن الدولة العبرية تعمل في إطار هذا السيناريو اليوم لكن فيما يصب في مصلحتها ، فهي تستبعد اعتزال عباس لكنها تحاول أن تقدم له حبل النجاة للخلاص من حركة حماس بافتعال الأزمات والتحريض والتهويش الإعلامي على حماس ، نشر المعلومات في قضية تطور قذيفة صاروخية مداها ستون كيلو متر وتهريب وقود للصواريخ يطيل مداه ويزيد من فعاليته التفجيرية بحمل كمية من المتفجرات أثقل من صاروخ القسام وحرف الاهتمام الدولي لانعكاسات الرصاص المصبوب على القطاع لكن يديه مكبلتين بظروف دولية لا تسمح بإعادة سيناريو الحرب الأخيرة وهذا ما حذرت إسرائيل منه السيد عباس لو ذهب بتقرير غولدستون إلى المحافل الدولية وتبناه وهذا ما وقع فيه فجنت على نفسها براقش .