دكتور ناجى صادق شراب
القرار هو عملية أختيار بين عدة بدائل ، وهو عملية متتابعة المراحل ويشكل نهاية لمرحلة سياسية وبداية لمرحلة جديده ، والقرار يحمل فى طياته العديد من الخيارات والبدائل , وهو خيار لحل مشكلة معينه ، ، وهناك العديد من النماذج للقرارات العقلانى الفردى ، والتنظيمى ، ونموذج المساومة السياسية . والقرار يعبر عن بيئة معقده من العوامل والمتغيرات الداخلية والخارجية والشخصية على مستوى من يصنع القرار . والقرار أختيار حقيقى حول ألأهداف وحول الوسائل . هذه المقدمة البسيطة قد تمهد لتفسير القرار الذى قد اتخذه الرئيس عباس بإبداء عدم رغبته فى ترشيح نفسه ثانية للأنتخابات الرئاسية القادمة ،وهنا تطرح العديد من التساؤلات : لماذا أتخذ الرئيس هذا القرار ؟ وهل كان هذا أفضل الخيارات المتاحة أمامه ؟ وهل يدرك الخيارات والتداعيات التى يمكن أن تترتب عليه ؟ وما هى المكاسب والخسائر المحتمله ؟ والسؤال ألأهم هل هذا القرار يشكل مخرجا لحالة ألأنقسام السياسى الفلسطينى ؟ وهل يمكن أن يخرج المفاوضات من طريقها المسدود ؟ وكيف سيتم التعامل معه فلسطينيا وأسرائيليا وأمريكيا وحتى عربيا ؟ وهل القرار على المستوى الفردى يشكل هروبا من تحمل المسؤولية ، ؟ وهل يعتبر فشلا لخيار السلام والمفاوضات ؟ أسئلة كثيرة تقف وراء هذا القرار ، والذى يستمد أهميته من أهمية ومحورية القضية والحالة الفلسطينية ، ولو كنا فى غير نموذج ما شكل مثل هذا القرار أى أهمية أو تأثيرا . القرار يأتى فى توقيت صعب وحاسم وهام ، ويشكل تحديا أمريكيا قبل أن يكون فلسطينيا . فهو يأتى فى الوقت الذى تؤكد فيه ألأدارة ألأمريكية ألى قيام حل الدولتين وأيجاد تسوية نهائية للقضية الفلسطينية ، وبالتالى أنسحاب الرئيس عباس قد يشكل مأزقا أمريكيا فى كيفية التعامل مع القضية ، وقد يعيد ترتيب خياراتها ألأقليمية كلها ، وفلسطينيا القرار يأتى فى ظروف غير أعتياديه ، وفى ظل ظروف من ألأنقسام السياسى ، وهنا يمكن أن ننظر إلى القرار من أكثر من منظور ، ألأول أذا كان وجود الرئيس عباس يشكل عائقا امام المصالحة من وجهة نظر حماس ، فالرجل بقراره يفتح الباب على مصراعيه أمام أنهاء ألأنقسام وبالتلى تمديد فترة ألأنتخابات الى الثامن والعشرين من يونيو القادم وهى فترة كافيه لترتيب كل ألأوراق السياسية لأنتخابات رئاسية ناجحه ، وهو ينتزع كل ذريعة لعدم المصالحة ، ومن منظور آخر الرئيس بقراره من منظور النموذج العقلانى الفردى يؤسس لبمدأ سياسى ديموقراطى هام وهو مبدأ تحمل المسؤولية السياسية ، وفى هذا قدر كبير من الديموقراطية التى نسعى أليها من خلال المصالحة وبناء النظام السياسى الفلسطينى الديموقراطى ، وهو بهذا يضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية . ومن المنظور نفسه الرئيس يعلن عن قراره موضحا أحد ألأسباب وهو رفض الموقف ألأمريكى والتعنت الأسرائيلى والذهاب الى المفاوضات دون ألتزام أسرائيلى بوقف ألأستيطات حتى تكون هناك أمكانية لتحقيق مبدأ حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية ، ولذلك الرئيس يرفض المفاوضات العبثية غير الهادفة والموصلة للحقوق الفلسطينية ، وهو بقراره يترك دون ان يوقع على أتفاق تنازل عن الثوابت الوطنية وهو بهذا يحفظ لنفسه قدرا من الوطنية والمصداقيةوينفى عن نفسه كل التهم .
والقرار فى الوقت ذاته قد يعكس حالة أزمة قياده على مستوى حركة فتح بشكل خاص ، وبشكل عام على المستوى الفلسطينى ، وليس معنى ذلك أ ن الفلسطنيين ليست لهم قيادات ، بل الحالة السياسية من التشرزم وألأنقسام قد أوجدت هذه ألأزمة.
والقرار لايعنى التنازل عن خيار السلام الذى فيه مكسبا للجميع ، ولكنه رسالة واضحه للولايات المتحده ألأمريكية والمجتمع الدولى أن هناك فرق كبير بين الألتزم بخيار السلام والقبول بالمفاوضات العبثية التى تستغلها أسرائيل لفرض ما تريد على ألأرض الفلسطينية ، ولذلك القرار رفض لسياسات أسرائيل ، ورفض للسياسة ألأمريكية المتحيزة لأسرائيل والغير قادرة على أن تتحرر من التأثير والنفوذ الصهيونى ، وبالتالى لماذا يتحمل الفلسطينيون وحدهم مسؤولية فشل المفاوضات فلتتحمل الولايات المنتحده بأعتبارها الراعى الرئيس للمفاوضات مسؤولياتها المباشرة فى هذا الفشل وما قد يترتب عليه من تنامى أتجاهات العداء والكراهية للسياسة ألأمريكية وصعوبة أستعادتها لمصداقيتها السياسية ,وتنامى أتجاهات العنف والتصعيد ألعسكرى ، ورسالة قوية لأسرائيل أيضا بان تتحمل مسؤولية سياسات حكومتها اليمينية المتطرفة ، ويضعها أمام الخيارات البديلة . وأيضا القرار يحمل رسالة واضحه فلسطينيا وفيها قدر من البعد الشخصى الذى عبر عنه فى ألأيذاء الذى لحقت به وخصوصا بعد تقرير جولدستون . وقد يحمل قدرا من عدم القدرة على أنهاء حالة ألأنقسام وبالتالى الكل مطلوب منه أتخاذ موقف وقرار .
وأعود للتساؤل ماهى الخيارات التى كانت متاحة أمام الرئيس ؟ أعتقد خياران أما ألأستمرار فى مفاوضات غير مجدية تفقده وتفقد السلطة ما تبقى من مصداقية وذلك بذهابه للمفاوضات وأسرائيل غير ملتزمه بتجميد ألأستيطان ، والخيار الثانى هو ألأعلان عن تحمل السؤولية وتوضيح بعضا من ألأسباب للقرا ر والأعلان عن عدم رغبته فى ترشيح نفسه ثانية . واعتقد ثانية أن القرار لو أتخذ فى ظروف عاديه ما كان قد أثار هذه الضجة ، فهذه ظاهرة سياسية مقبوله ديموقراطيا ، لكن المشكة أن هناك أزمة فلسطينية مركبه ، وليس معنى ذلك أن الرئيس عباس هو المنقذ ، لكن التوقيت والظروف قد تكون غير مقبوله ، وقد تقود الى حالة من الفوضى الكامله ، لذلك ألأهم من القرار أن لا نتجاهل القضية الرئيسية وهى ألأنقسام ، وألأتفاق على اسسس بناء النظام السياسى الفلسطينى بما يرسخ مبدأ المؤسساتية ، الذى يلغى مبدأ الشخصانية والفردانية التى عنانينا منهما فى السياسة الفلسطينية ، المطلوب ترسيخ لمبدأ المأسسة ألسياسية الثابتة والراسخة ، وعندها ليس مهما من يذهب ومن يأتى ، فهذا ما نريده من ألأنتخابات ، وعليه ،لا بد من قراءة صحيحة لقرار الرئيس , وعدم تحويله ألى زاد جديد للمهاترات ألأعلامية والخلافات السياسية ، وكأن المسألة كسب جولات فى الصراع الدائر فلسطينيا .أذن المهم ليس قرار الرئيس بقدر المهم هو أنهاء ألأنقسام الذى يهئ ألأجواء والبيئة السياسية للقبول بمثل هذا القرار ، الذى نريد ان نرسخه فى تقاليدنا السياسية وهو العودة الى الشعب وتحمل المسؤلية ، أنه ليس وقت ألقاء التهم هنا وهناك ، الكل يتحمل المسؤلية ، لكن من لديه القدرة على أعلان ذلك .
ويبقى أن نتساءل هل هناك أمكانية للتراجع ، أقول نعم ، وصحيح أن الرئيس قد اكد ان قراره ليس فيه مساومه ، ولا هو تكتيك ، لكنه فى النهاية هو قرار سياسيى ، له أبعاده وأهدافه السياسية ، وهو بوضعه عدد من المبادئ والركائز للعملية السياسة ، وأذا ما تم ألأستجابة لها ، فقد يكون هناك قدر من التراجع ألى أن تجرى ألأنتخابات وتنتهى حالة ألأنقسام . لكن فى الوقت ذاته الرئيس يشير الى خطوات أخرى ، والكل تكهن حول هذه الخطوات ما بين ألأستقالة ، وألأنتفاضة الثالثة ، وحل السلطة ، وهنا أكتفى وأقول أن كل هذه الخيارات غير مقبوله وعواقبها ومخاسرها أكبر بكثير من مكاسبها ، والمسألة ببساطة أننا ينبغى ان نفرق بين مجموعتين من الخيارات ، ألأولى خيارات حالة ألأنقسام السياسى وكلها خيارات سيئة وسلبية وخسائرها أكبر على الشعب الفلسطينيى وقضيته ، والثانية خيارات الوفاق والمصالحة وكلها تكون خيارات مقبوله بما فيها قرار الرئيس عدم ترشح نفسه .
وأخيرا على الرئيس أن يعيد حساباته السياسية ، وأن يوازن بين الخسائر والمكاسب والتداعيات التى يمكن أن تعود على القضية والشعب ، وأن يدرك أن الحسابات ليست فردية فقط ، بل هناك بعدا وطنيا ، وهناك أولوية وطنية بانهاء ألأنقسام التى تعلو على أى قرار فى هذه المرحلة ، وعليه أذا كان هناك من سبب للقرار فليكن بعد محاولة أستنفاذ كل الجهود لأنهاء ألأنقسام ، والرئيس بقراره يكون قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد ، ووضع الجميع دوليا وأقليميا وفلسطينيا أمام مسؤولياتهم لأيجاد تسوية متوازنه تسمح بقيام الدولة الفلسطينية الحقيقة .وقبلها هى مسؤولية فلسطينية وعربية لأنهاء ألأنقسام الفلسطينى وأجراء المصالحة ، لأن المباراة فى النهاية ستكون مباراة صفرية فلسطينيا ، وزائد واحد ناقص صفر أسرائيليا .
دكتور ناجى صادق شراب /أكاديمى وكاتب عربى
drnagish@hotmail.com