أرشيف - غير مصنف
تخبّط الملالي من تسييس الحج إلى دعم التمرد الحوثي
د. أيمن الهاشمي
كاتب أكاديمي عراقي
تصرفات ملالي طهران الطائشة تعكس خيبة أملهم ومحاولاتهم صرف الأنظار عن مآسي الأوضاع الداخلية في إيران، ويبدو أن افتعال وتصنيع الأزمات والفتن صار منهجا ثابتاً لديهم وعلامة مسجلة لتصرفاتهم الحمقاء، فبالأمس القريب تعرّض كل من محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية، والمرشد الأعلى للجمهورية على خامنئي، وفي ما يمكن أن نطلق عليه “لعبة تبادل الأدوار”، وحرّضا بشكل سافر على تسييس موسم الحج الحالي، حيث طالب خامنئي بـ(معاملة خاصة!!) للإيرانيين في السعودية، واعتبر موسم حج هذا العام فرصة لا بد من الاستفادة منها من خلال “التواجد قرب المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة، ومراقد أئمة الهدى بالبقيع، لترسيخ القيم الإيمانية والمعنوية والخضوع أمام الباري تعالى”!!.. أما نجاد فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث قال لدى اجتماعه مع أعضاء المجلس الأعلى للحج في إيران “إن موسم حج هذا العام يعتبر فرصة استثنائية للدفاع عن القيم الإسلامية”، مؤكدا ضرورة الاستفادة من هذه الشعيرة من أجل “البراءة من المشركين”، التي ابتدعها الخميني. وختم نجاد تصريحاته، التي أوردها تلفزيون العالم الإيراني بقوله “إننا نرفض وضع القيود على حجاجنا، وإذا لم تحترم السعودية مكانة الشعب الإيراني فإن طهران ستتخذ إجراءات مناسبة”!!!.
والمعلوم أن إعلان “البراءة من المشركين” هو شعار ألزم به الخميني الحجاج برفعه وترديده في مواسم الحج، من خلال مسيرات أو مظاهرات تتبرأ من المشركين من خلال ترديد هتافات بهذا المعنى، من قبيل: “الموت لأمريكا”.. “الموت لإسرائيل”؛ باعتبار أن الحج يجب أن يتحول من مجرد فريضة تقليدية إلى فريضة سياسية. أي أن إعلان البراءة من المشركين عند الخميني واجب عبادي سياسي، ولا اختصاص له بزمان معين، وهو من أركان فريضة الحج التوحيدية وواجباتها السياسية التي بدونه لا يكون الحج حجا!!. وجاءت خطبة الجمعة لممثل خامنئي في مدينة “مشهد” الإيرانية أحمد علم الهدى الذي صرّح جهارا بان “إيران تريد نقل قبلة المسلمين من مكة المكرمة إلى مدينة مشهد في إيران!!!”
إن كل تلك التصريحات الطائفية التحريضية تستدعى إلى الذاكرة تلك التظاهرات الآثمة التي وقعت بداية العام الحالي 2009، والتي قامت بها جموع من الغوغاء المدفوعين من إيران الملالي، في المدينة المنورة بالقرب من البقيع، حيث قطعت السكون والهدوء الذي امتازت به هذا الأرض الطيبة التي يضم ثراها خير من وُري في الثرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحبه الكرام. وقراءة الحدثين معا تعطيان دلالة على أن إيران ماضية في عزمها على العبث بالأماكن المقدسة سواء في مكة أو المدينة وتحقيق تلك التخرصات والتوهمات التي نادى بها زعيم الثورة الإيرانية الخميني من قبل..
إن الذي يبدو واضحا لكل ذي بصيرة وعقل، أن السلطة المستبدة الحاكمة في طهران مازالت تتصرف خارج سياق الأعراف والتقاليد والأصول والأخلاق، ففي الأيام القليلة الماضية تكشفت فضيحة قبض السلطات اليمنية على سفينة إيرانية تحمل أسلحة وذخائر ومتفجرات متوجهة لدعم المتمردين الحوثيين في صعدة.
وجاءت المغامرة الطائشة لوكلاء ملالي طهران في صعدة بالتحرش بالمملكة العربية السعودية، من اجل الزج بها في أتون المواجهات المسلحة التي تخوضها القوات المسلحة اليمنية ضد عصابة الفتنة الإجرامية الضالة والمنحرفة، وبدفع وتحريض ودعم من قبل الملالي، من اجل جر المنطقة كلها الى صراع وفتنة لا يعلم عقباها إلا الله!. فإيران التي تسعى إلى إحداث هزات طائفية في الداخل السعودي من خلال البعد العقدي والمذهبي، وتجييش عملائها، نراها تسعى كذلك للاحتكاك بالحدود السعودية، ومحاولة جعلها بؤرة ومنطقة ملتهبة مذهبياً، وجذب الرياض والزج بها للدخول في تلك المعارك الدائرة بين القوات الحكومية اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة الحدودية شمال اليمن. فمنذ بدء المواجهات بين القوات اليمنية والحوثيين كثفت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية اتهاماتها للسعودية بالتدخل بأشكال مختلفة من بينها مشاركة الطيران الجوي في قصف مناطق تواجد الحوثيين، وتقديم الدعم اللوجستي للجيش اليمني، على الرغم من نفي الحكومة اليمنية رسميا ولأكثر من مرة تلك الأنباء.
وثمة بعد ثالث يمكن من خلاله قراءة تلك التصريحات وهي محاولة إيران الهروب إلى الأمام من أزمتها الداخلية، والضغط الدولي عليها بإثارة القضايا الخلافية والمذهبية مع دول الجوار. وأبسط دليل على ذلك هو استخدام خامنئي لتعبير “الشيعة” بدلا من تعبير “المسلمين”، في محاولة واضحة لتجييش أبناء الطائفة، من خلال استثارة النعرات الطائفية. فمنذ أزمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة يمارس النظام الإيراني تصعيدا إعلاميا، وغير إعلامي، وبشكل مستمر ضد دول الجوار بدءاً من لبنان وحتى اليمن مرورا بالعراق والسعودية، وباكستان التي أخذت نصيبا وافرا من الاتهامات، بل وتعدى الحرس الثوري الإيراني الأراضي الباكستانية في تصعيد غير مسبوق.
إن ملالي طهران يريدون من خلال إثارة المشكلات الخارجية مع دول الجوار، وإعطائها بُعداً مذهبياً، من أجل استثارة عواطف الداخل الإيراني، وحرف الأنظار عن المشاكل الرئيسية، وبذلك تقطع الطريق أمام الإصلاحيين والقوى الفاعلة المؤثرة سياسيا وجماهيريا في الداخل الإيراني، وملالي طهران تعودوا في أكثر من مناسبة على خلط الأوراق السياسية بالأبعاد المذهبية والرمي بكرات النار على دول الجوار للإفلات من الإشكالات الداخلية وتخفيفا للضغوط الخارجية، ولا أحد يضمن أن ترتد إليها تلك الكرات الملتهبة وأن تجنى من وراء هذا الخلط الطائش خسرانا كبيرا.
إن ساسة طهران واهمون إن هم ظنوا أنهم من خلال جرّ المملكة العربية السعودية، باعتبارها أكبر مصدر للبترول إلى أتون صراع طائفي، وحرب استنزاف، وإقلاق امن المملكة، فإن العالم سوف يتأثر من خلال تخلخل سوق النفط العالمي، ويعيش أزمة بترول جديدة تمهد الأجواء لساسة طهران في الحصول على مكاسب سياسية في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني مع الغرب.
لقد سقطت كافة الأقنعة عن التمرد الحوثي المدفوع من الخارج وبانت الشياطين التخريبية الحقيقية, وهو نتاج سياسة تصدير الثورة الإسلامية، أو بالأحرى تصدير الفتنة الطائفية، كما يحصل في عراقنا اليوم الذي لم يكن يعرف التقسيم الطائفي والصراع المذهبي قبل أن تتدخل إيران الملالي بكل ثقلها وعبر عملائها ووكلائها، بعد غزو العراق من قبل إيران وأمريكا، فجرت أنهار الدماء في العراق وما زالت بسبب سياسات وتدخلات ومؤامرات ملالي طهران. ولايمكن أن ننسى أن الامتداد الإيراني وصل الى أرتيريا، في علاقة غير سوية وغير مفهومة، مع أفورقي ارتيريا والسماح لتدريب ميليشيات الحوثيين في معسكرات داخل بلاده، فالرئيس الارتيري جعل من بلاده مركز استقطاب (إيراني إسرائيلي!!!) وكذلك لعناصر من القاعدة، في مسعى لزعزعة الأمن اليمني، والسماح لإيران بالتغلغل في أفريقيا من خلال ارتيريا وجزر القمر ودول أخرى في شرق أفريقيا مستغلة ضعف حال تلك الدول، من اجل استخدامها محطات عبور باتجاه تشييع أفريقيا، ونشر الفتنة في السعودية واليمن.