أرشيف - غير مصنف
الفلسطينيون الخاسر الوحيد من غيلب الديموقراطية
دكتور ناجى صادق شراب
بدلا من أن يسير الفلسطينيون نحو مزيد من الخطوات الديموقراطية التى إبتدأوها بإنتخابات يناير 2006 ، ويؤصلون ويؤسسون لنظام ديموقراطى يضمن لهم إدارة شؤونهم بطريقة سلمية ويتيح للجميع أن يساهم فى صناعة القرار السياسى ، ويشكل أداة وقناة تواصل بين الفلسطينيين فى الداخل والخارج ، ويوظف كل عناصر القوة المتاحة والممكنه مما يسمح ببناء نسيج سياسى واجتماعى فلسطينى قوى ، ويوفر قاعده إقتصادية تضمن ولو بدرجة بسيطة درجة من الاستقلالية والاعتماد على الذات ، بدلا من كل ذلك نشهد مشهدا سياسيا أنقساميا غير مسبوق وصراعا داخليا وتنازعا حول الشرعية السياسية سيوصل الجميع ألى فراغ سياسى ودستورى سيفقد الجميع شرعيتهم السياسية مما قد يتيح دورا أكبر للعسكر تحت كل المسميات ، وينسف معه كل ألإنجازات الفلسطينية على مدار تاريخه النضالى ،وكأن سجل كل الشهدا ء، ودماء الجرحى التى سالت على ألأرض الفلسطينية لتروى شجرة الاستقلال والحرية ، وألأسرى الذين يقبعون فى السجون الإسرائيلية والذين ينتظرون لحظة الحرية ، يرفع الفلسطينيون سلاح ألأنقسام فى وجه بعضهم البعض ليقتلعوا بإيديهم شجرة الحرية ليرووها بدم من الحقد والكراهية ويقتلون بذرة الحياة فى داخلها ، ليفقد الجميع الحماية تحت شجرة الديموقراطية .
ولعل اول خسائر وضحايا ألأنقسام السياسى الفلسطينى الفشل فى أختبار الممارسة اليموقراطية ، وقدرة الفلسطينيين على بناء نظام ديموقراطى يؤكدون من خلاله نضجهم السياسى وقدرتهم على ممارسة حقوقهم السياسية وأنتزاعهم أعتراف العالم كله بهذه القدرة ، ولعل ما لم يدركه الفلسطينيون أن أجهاض وأفشال ديموقراطيتهم التى أكدوها فى أنتخابات يناير 2006 والتى فازت فيها حركة حماس لكنهم فشلوا فى ممارستها ومن ثم بناء مؤسساتهم الديموقراطية ، أن هذه الديموقراطية لا تقل أهمية عن أى وسيلة فى انهاء ألأحتلال ، ولا تقل عن أى خيار آخر ، بل يمكن القول ان الخيارات ألأخرى سواء المفاوضات وحتى المقاومة لن تتحقق نتائجها وثمارها بدون الخيار الديموقراطى ن ولذلك فإن فشل الخيار الديموقراطى فشل لكل الخيارات الفلسطينية ألأخرى . وهذا الفشل من شأنه أن يعمق حالة ألأنقسام السياسى الفلسطينى ويحولهم الى جماعات صغيرة متنافسه ومتصارعه بعيدا عن كل ممارسة ديموقراطية والبديل لذلك زيادة نفوذ وسيطرة العسكر واللجؤ الى أساليب القمع ومصادرة الحريات والحقوق ، والمفارقة ضد من ؟ ضد المواطن الفلسطينى المطلوب منه أنهاء ألأحتلال ألأسرائيلى .ومن شأن ذلك ايضا التمسك بالحكم والسلطة ولو على حساب التوافق الديموقراطى . ومن المفارقة فى هذه المعادلة اللاعقلانية أن ألفلسطينيين وبوعى او دون وعى يؤكدون مقولة أسرائيل أنها النموذج الديموقراطى الوحيد وسط عالم من التخلف والعنف السياسى ونؤكد مقولتهم أيضا انه لا يمكن بناء سلام حقيقى مع أناس وشعوب غير ديموقراطية ، وهو ما يعطى أسرائيل الغطاء لأستمرار سياسات ألأستيطان والتهويد ، والمفارقة الفلسطينية أن الفلسطينيين بأنقسامهم وأفشالهم ديموقراطيتهم يساهمون أيضا فى أستمرار ألأحتلال . هذا أحد اهم الدروس التى ينبغى أستيعابها من فشل الممارسة الديموقراطية . وفى هذا السياق يمكن تفهم الموقف ألأسرائيلى من الديموقراطية الفلسطينية ، لكن ما لا يمكن للعقل أن يستوعبه أن يقف الفلسطينيون ويعرقلون ألأستمرار فى بناء هذه الديموقراطية التى قد وفرت ومنحت الجميع شرعيتهم التى ما زالوا يحتمون بها جميعا حتى ألأن . وقد أتفهم قرار تأجيل ألأنتخابات ، وقد اتفهم قرار حركة حماس بعدم أجراء ألأنتخابات فى غزه ، أذا كان الهدف من ذلك هو أنهاء ألأنقسام السياسى الفلسطينى ، هذا هو المبرر الوحيد الذى يمكن أن نقبله لتأجيل ألأنتخابات ، لأن الهدف من ألأنتخابات حل الخلافات بطرق سلمية ، وأقتلاع كل جذور وأسباب الخلافات ولكن هذا يحتاج ألى التوفق على أرساء أسس وركائز النظام الديموقراطى الفلسطينى ، فما نحتاجه نظاما ديموقراطيا قادرا على أحتضان كل القوى السياسية الفلسطينية ، والنظام القادر على أحتضان مواطنيه ، وليس تهجيرهم أو تحويلهم الى رعايا ينتمون لتنظيمات وقوى سياسية . ومن خلال هذا النظام الديموقراطى فقط يمكن التوافق حول البرنامج السياسى الوطنى ،أنها مرحلة البناء الديموقراطى وعلى الفلسطينيين ان يدركوا أن أول ألطرق لأنهاء ألأحتلال هو ببناء نظام ديموقراطى فلسطينى .وليكن احد أهم دوائر الصراع مع أسرائيل هى الدائرة الديموقراطية وهى حلقة ليست سهلة وأدواتها ووسائلها عديده ،لكن لكى تنجح هذه الدائرة ينبغى أن ينتصر الفلسطينيون على أنفسهم أولا بانهاء أنقسامهم وتأكيد قدرتهم على الممارسة الديموقراطية ، وهذا اول تحدى علينا جميعا أن نعمل ونجتهد من أجله ، وفى هذا السياق ورغم أننى من المناصرين لأحترام الدستورية ألأنتخابية ، لكننى مع تأجيل ألأنتخابات ، لفترة زمنية محدده ينتهى خلالها ألأنقسام السياسى ، لكننى لست مع توظيف التأجيل لتعميق حالة ألأنقسام ، وعندها على قوى المجتمع وتنظيماته أن تعمل من أجل تأكيد حقها الديموقراطى . هذه هى المعركة ألأساسية التى على الجميع أن ينتصر من اجلها .
ولعل من المدركات التى على الجميع أدراكها وخصوصا حركتى فتح وحماس أن بيئة النظام السياسيى الفلسطينى متغيرة ومتحركه وتتدخل فيها العديد من المكونات الداخلية والخارجية ، وان احد اهم هذه المدركات أولا أن فترة ألأنقسام كافية لتؤكد استحالة فرض سيطرة القوةألأحادية المهيمنة والمسيطرة ، وبالتالى لا حماس ولا فتح يمكن أن تنفردا وحدهما فى الحكم والسلطة ، وثانى هذه المدركات أن بيئة النظام السياسى لا يمكن التحكم فى كل عناصرها كما يريد أى منهما ، وثالث هذه المدركات ان شرعية السياسة الفلسطينية ورغم ان جذورها راسخه لكنها لاشك انها فى حاجة الى مشاركة الجميع فى أعادة صياغتها ، ورابع هذه المدركات ان حق الحكم مكفول للجميع وأن ما نحتاجه هو نظام توافقى سياسيى بعيدا عن ثقافة الهيمنة الحزبية ,واخيرا أن معضلة الحكم لحماس وفتح يمكن أن تحل من خلال الشرعية السياسية التوافقية المتفق عليها جميعا وهذا هو الشرط المسبق للحكم ، فالديموقراطية لا تعنى أقصاء قوة لحساب أخرى بقدر ما تعنى تداولا حقيقيا للسلطة ، وشراكة سياسية من قبل الجميع ، ومؤسسات راسخه وقادره على القيام بوظائفها ، ولعلى هنا أذكر الجميع ان السبب الرئيس لفشل التجربة الديموقراطية الفلسطينية أنها قد فهمت الديموقراطية بطريقة خاطئه ، وأنحرافها عن مسارها وعدم اتاحة الفرصة أمامها لكن بايد فلسطينية فمن فاز يريد ان يوظفها لفرض برنامجه فقط ومن خسر لا يريد أن يفقد سلطته وحكمه ، والسبب ألاخر الهام هو غياب الدور الحقيقى للمجلس التشريعى الفلسطينى الذى بدلا من ان يطبق مقولة النائب ممثل للشعب يريد ما يريده الناس ،الى نائب يمثل حزبه ويريد ما يريده هذا الحزب . فقط ومن خلال النظام الديموقراطى ووسيلته ألأنتخابات يمكن للفلسطينيين أن يجدوا الحل لكل مشاكلهم بما فيها معضلة ألأحتلال المزمنة . ويبقى السؤال هل يمكن للفلسطينيين أن ينتصروا على أنفسهم ويجروا أنتخاباتهم الرئاسية والتشريعية ويعيدوا ألأعتبار للمواطن الفلسطنيى ويقدموا النموذج الديموقراطى الفلسطينى من جديد.
دكتور ناجى صادق شراب
اكاديمى وكاتب عربى