عبد اللطيف المنيّر
بدون ضجيج اعلامي، بدأت حملة الإحصاء السكاني الرسمية في اميركا لعام 2010، لتعلن نتائج نسخته الثالثة والعشرون في الأول من ابريل القادم. ومقارنة بدول العالم تبقى اميركا فريدة عندما تحصي عدد سكانها كل عشر سنوات، ولا يقف الرقم الناتج وحده في نهاية الحملة مجرد رقم لا يقدم ولا يؤخر، ليأخذ في اميركا شكلاً آخر له اهميته ومؤشراته.
وإذا نظرنا إلى حملات الإحصاء الأميركي العشرية ومنذ بدايتها، نجد أن أول احصاء رسمي بدء مع أول رئيس أميركي ومؤسس الدولة الأميركية جورج واشنطن في عام 1790، الذي لم يصل التعداد السكاني وقتها إلى رقم الأربع ملايين نسمة، وما وصلت إليه أرقام الإحصاء اليوم بعد مئتي وعشرين عاماّ ليتجاوز الرقم وبنسبْ مُركبة إلى أكثر من 300 مليون نسمة.
وعلى الموقع الإلكتروني لدائرة الإحصاء نلاحظ ذلك الرقم اللحظي الظاهر على مدار الساعة السكانية وعدّادها الذي يعمل على مدى اربع وعشرين ساعة، والذي يوضح العدد الحقيقي لسكان اميركا. كما يتضمن الموقع عدد الولادات والوفيات وحالات الزواج والطلاق، واعمارهم وذكورهم وإناثهم، ولونهم واعراقهم، وحتى عدد الولادات من الغير المتزوجات. ولا نبالغ إذا قلنا كل من هب ودب على الأرض الأميركية مسجل في ذلك الموقع. كما تقوم دائرة الإحصاء بإظهار ارقام أعلى المبيعات في كل ولاية ولكل نوع من السلع التجارية والإستهلاكيه، وحتى مواد البناء. ويشكل الموقع على الشبكة العنكبوتية، مصدرا غنياً للمعلومات لرؤساء الشركات ومدراء المبيعات، والباحثين الإجتماعيين، والبلديات وإدارات التعليم، وحتى المهندسين الذين يعملون في مجال الإنشاء وتطوير المدن.
بيد أن العدد الصحيح والواقعي لأرقام الإحصاء يساعد حكومات الولايات الأميركية في الحصول على الإعانات المالية الفدرالية، والتي تبلغ قيمتها أكثر من 400 مليار دولار، وفي اتخاذ القرارت المهمة في عملية التطوير والتنمية وبناء المشافي، وتطوير التعليم بكافة مراحله، ومراكز التدريب المهني. وأهم من ذلك هو تحديد نسب التمثيل النيابي في المجالس التشريعية المحلية والتي تتناسب مع عدد السكان في كل ولاية، وكذلك عدد أصوات الكُلّية في الإنتخابات الرئاسية العامة.
وتعهدت لائحة التعليمات الخاصة بالإحصاء، والتي تم توزيعها على المواطنين في اعطاء الضمانات للمقيمين الشرعيين، والغير شرعيين على السواء، لتكون معلوماتهم سرية ولمدة 72 عاماً. ويأتي ذلك الحرص لأن ذلك المقيم يستفيد من الخدمات البلدية والمدرسية وحتى الصحية منها، ويشغل حيزا من هذا الوطن ولا يمكن لفظه وانكاره. وعليه ففي ولاية واشنطن في الغرب الأميركي مثالاً، والتي طرحت شعاراً مفاده أن على الجميع يجب أن يكونوا في قوائم التعداد Everyone needs to stand up to be counted
ثمة حزمة من الحقوق يتمتع بها المواطن الأميركي، لكن أدناها وابسطها ومهما كان وضع هذا المواطن وانتمائه الطائفي واختلافه الديني، هو حقه بالحياة والإعتراف بوجوده. لكن هذا الحق البسيط يكاد أن يكون معدوما لأبناء الوطن نفسه في بعض الدول العربية !
فهل مسحت اميركا شعبا، أو غيبّت طائفة، أو همشت فئة أو حتى مقيما غير شرعي على أراضيها من خلال هذا الإحصاء؟ وهل لنا أن نقارن ذلك بما يعانيه اليوم أصحاب “البدون” أي بلا هوية، وإخواننا الأكراد، والأمازيغ، وبعض الطوائف، وحجب الأطفال الغير الشرعيين والمغيبون والمحرومون قصراً من الدراسة على مقاعد وطنهم في جزء كبير من الوطن العربي؟
لكن نستطيع القول وبصوت عال، أن السؤال القرآني مازال حاضرا إلى الآن، والذي جاء عن حقبة ماقبل الإسلام، “وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت”، كأول بند في حقوق الإنسان بالتاريخ القديم يخص المرأة تحديداً. فمازالت تقتل طوائف وتهمش شعوب بهمجية أكثر من العصر الجاهلي، ويدفن مجازاً اليوم الكثير من النساء والرجال والإطفال في الحياة وهم أحياء. فهل يأتي يوم تعتبر فيه حكومات بعض الدول العربية أن شعبها هو حصن الوطن وهو ايضاً مداد قوته؟
http://www.census.gov/
http://www.census.gov/history/www/through_the_decades/fast_facts/1790_2.html
كاتب سوري مقيم في اميركا