أرشيف - غير مصنف

أين الموقف العربي من تطورات القضية الفلسطينية؟

د. أسامة عثمان- كاتب فلسطيني.
 
لا يتناسب الاهتمام العربي الرسمي وطبيعة التطورات الخطرة التي تشهدها القضية الفلسطينية, منذ إعلان محمود عباس عزمه إجراء الانتخابات في شهر يناير كانون ثاني القادم, ثم إعلانه عدم الترشح للرئاسة, لفترة جديدة, ثم إعلان السلطة نيتها التوجه إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار ملزم بإقامة الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران, والتهديدات المتكررة بحل السلطة. واللجوء إلى المقاومة الشعبية, أو المسلحة. 
 
مواقف فلسطينية متلاحقة تعبر عن عمق الأزمة, مثلما تشي بحالة الانسداد, ولا تعدم دلالات على التخبط الفلسطيني وانعدام الاستراتيجية التي تليق بمثل هذه القضية وتطوراتها.
 
لكن السؤال هو عن خفوت الصوت العربي الرسمي الذي يتناسب وهذه التطورات, وإن كان موقف السلطة الداعي إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة قد حظي بالدعم العربي في مجلس الجامعة العربية.
 
 لكن المفتقد هو الدعم العربي العلني, والمساندة, أو المجابهة التي تُشعر الكيان المحتل بوجود موقف عربي جماعي ينسجم ومقدار التحدي والصلف الذي باتت حكومة نتنياهو تعلنه, بغير تحفظ, أو مواربة, عن رفضها قيام الدولة الفلسطينية بغير إذن منها, بل التهديد بقصف الضفة الغربية, أو باحتلال أجزاء منها, وهي مناطق(ج) أو إلغائها لاتفاقية أوسلو؛ ما يعني التهديد بتصفية السلطة.
 
هذه التهديدات كأنها أثرت في الموقف الفلسطيني الذي بدا غير متعجل على إعلان الدولة, ومنهم من قال: إن ذلك لن يكون قبل 2011م بعد أن يستكمل سلام فياض بناء مؤسسات الدولة.
 
وبالطبع لا يبدو السعي لإقامة دولة دون موافقة دولة الاحتلال, ودون دعم أمريكي, أو عدم رفض, على الأقل, لا يبدو ذلك واقعيا, والسلطة مازالت تحت الاحتلال, ومازالت “إسرائيل” تهدد بمنع الأموال التي تستحقها السلطة من عائدات الضرائب، بل إنها هددت بالتضييق على الفلسطينيين في التنقل بين مدن الضفة وقراها.  
 
فكيف نفسر غياب الموقف العربي المرتقي إلى خطورة التطورات؟
 
قد يقال: إن هذا ينمُّ عن اعتقاد بلا جِدية كل هذه التحركات, وتداعياتها, وكأنها نوع من المشاغلة والتشويش على حكومة نتنياهو, ريثما تتفرغ الإدارة الأمريكية لهذا الملف, وقد أعلنت واشنطن أنها تفضل التريث والانتظار وتهيئة الظروف للسلام, على استئناف مفاوضات تفشل.
 
وقد يقال: إن دولا عربية مهمة باتت منشغلة في الحرب مع الحوثيين التي يعتقد أنها حرب بالوكالة مع إيران.
ومع هذا ثمة موقفان, أحدهما السوري, والثاني الأردني. أما السوري فيصب في الاعتقاد القائل بلا جدية التطورات الفلسطينية الأخيرة؛ إذ لم يرفض الرئيس السوري بشار الأسد استئناف المفاوضات مع “إسرائيل” ولكن برعاية تركية, بالرغم مما يعنيه ذلك من تجاهل لمساعي حكومة اليمين في اللعب على المسارات, والهروب إلى الأمام. وقد يكون الموقف السوري ينبني على توقع ردة الفعل “الإسرائيلية” إذ رفضت حكومة نتنياهو العودة إلى التفاوض, بوساطة تركية، مشككة بنزاهة الطرف التركي, وحياده, وهو ما أفاد الموقف السوري القائل يعدم وجود شريك “إسرائيلي” .
 
أما الموقف الأردني فقد كان أكثر حدة؛ إذ استمر الملك عبد الله في تحذيراته لحكومة اليمين في “إسرائيل” من تبعات تعنتها, وعدم استجابتها لمتطلبات السلام, وأن ذلك سوف يدفع المنطقة إلى عواقب وخيمة, تؤثر على أمن “إسرائيل” والمنطقة.
 
أمريكا المنشغلة بملفات أكثر سخونة, وإلحاحا, وليس أقلها الوضع في أفغانستان والباكستان, ليست في وارد الضغط على “إسرائيل” ولا هي في وارد السماح بتدهور في المنطقة ينسف كل ما أنجزته من مشروعها في فلسطين, والأرجح أن لا تسمح بأكثر من الضغط السياسي والديبلوماسي الذي تعمل عليه السلطة, ولا يبدو أن السلطة حينها, تتمرد على الإدارة الأمريكية, أو تهدد مشروعها, وإلا لكنُّا رأينا تحركات أمريكية مغايرة من السلطة, ومن قادتها.
 
وأما الموقف العربي فلا يليق به أن يبقى خافتا, وينبغي, بحسب المنطق الجاري, أن يجري التلويح بمواقف عربية أكثر خطورة وأهمية من قبيل سحب المبادرة العربية, وحتى التلويح بالتنصل من الاتفاقات المبرمة بين “إسرائيل” والدول العربية المعاهدة لها.
وقد يكون هذا الموقف الذي لا بد منه, حين يظهر أنّ كل هذه التحركات الفلسطينية لن تكون كافية؛ لانتزاع الحقوق الفلسطينية, أو بعضٍ منها. وأن الشعب “الإسرائيلي” يزداد تمسكا بحكومته كلما أمعنت في تشددها, وتغطرسها.
 
 

زر الذهاب إلى الأعلى