محمود عبد اللطيف قيسي
باتت أنظار وعيون الشعوب وقادتها ورجالات الصحافة وإعلامييها كلها متجهة صوب المقاطعة في رام الله أكثر من أي وقت مضى ، وصوب تحركات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبو مازن ) ، ترقبه بتحركاته وجولاته العربية والدولية وقلوبها تخفق أكثر وأكثر ، منتظرة وعلى أحر من الجمر الخطوات السياسية القادمة التي أفصح أنه سيتخذها في حينه بحال أقدمت حركة حماس على منع تنفيذ مرسومه الرئاسي القاضي بإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها الدستوري ، المقرر أواخر الفاتح من العام القادم ، والمتوافقة بمواقفها الرافضة للحلم والدولة الفلسطينية مع الرفض الإسرائيلي لتجميد بناء المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية ، والمتناغمة مع المناغاة الإمريكية لكليهما ، وكما هي قلوب أكثرية العالم تخفق حبا وخوفا على فلسطين وعلى مصير قضيتها ، كانت قلوب قادة حركة حماس التي استبدلت في مشافي وفنادق بعض العالم الساعي لمصادرة القرار الوطني الفلسطيني بقلوب بلاستيكية لا تخفق ولا تعقل ولا ترعوي ولا تخشى الله ، ولا تهتم حبا وعطفا بالشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلالين الأسودين البغيضين ، المنتظر من الله السميع البصير الفرج القريب ، ومن قيادته الشرعية السعي الجاد لتخليصه من كليهما ، ليعود الأمل لقلوب أبناء غزة المختطفين التي أخافوها بقوة السلاح الذي أرسل لغزة على عجل عبر أنفاق الموت لتخويف شعب غزة وكل فلسطين وقتلهم ولجم أفواههم ، لا كما خُدع المنخدعون الذين ظنوا خيرا بحماس وبسلاحها أنه أرسل إليها لتحرير فلسطين وتحرير رقاب الشعب الغزي ، فالسلاح الأرعن الجبان الذي انطلق باتجاه إسرائيل قبل حربها الدموية الأخيرة على غزة ، انطلق بهدف إخراج الوطنية النضالية الفلسطينية من قلوب شعب فلسطين وأهل الأرض جميعا إن استطاعوا بعد تخوين شعبها وكادرها وقادتها وتكفيرهم وتصويرهم شركات أمنية خاصة ، بعثت للحفاظ على حياة الإسرائيليين وتحقيق الأمن للمستوطنين ، وهو ذاته الذي لم ينطلق من بعد العدوان الهمجي الإسرائيلي على إسرائيل لأنّ مهمته انتهت ودوافعه توضحت ، والهدف الذي من أجله ارسل إليهم تحقق ، فلا وجهة حقيقية له إلا للداخل الفلسطيني ، ولا هدف محدد له إلا صدر الشعب الفلسطيني وأبناءه من حركة فتح ، وظهور المقاومين المتقدمين صوب المستوطنات الإسرائيلية اللذين منعوا من إطلاق صاروخ واحد باتجاه المحتل الإسرائيلي بعد سيطرة حماس بالقوة على غزة ، واللذين إن تمكنوا من إطلاقة بغفلة من مراقباتها المنسقة تماما مع زميلاتها المراقبات الإسرائيلية المتقدمة ، توصف صواريخهم من قبلها بالخيانية ، وصف لم يخرجه فتحاوي من فمه وعقله وقلبه لبشاعته ولتعارضه مع الوطنية الفلسطينية ، وإن وصف لضعفه البنيوي ولعدم تأثيره بالعبثي ، لأنه لم يكن بالسلاح الرادع كما أملت منه فتح والجميع المتعاطف مع الشعب الفلسطيني ، كما ودائما يبحث ملثمي حماس على مدار الساعة عن مطلقي الصواريخ إن استطاعوا لقتلهم ، وبأحسن الأحوال لسجنهم وتكسير عظامهم ، كما يفعل الشاباك في أقبية المخابرات الإسرائيلية ، وكما فعل الجيش الهمجي الصهيوني أمام العدسات والكاميرات الإعلامية أيام الانتفاضة الأولى وما بعدها ، فكم هي الأجسام الفلسطينية المقاومة المجاهدة المتجهة بمنصات صواريخ نحو المغتصبات اليهودية التي يعثر عليها مدرجة بالدماء ، تجد الرصاص الغادر أتاها من دُبر لا كما ارتضت هي أن يأتيها من قُبل من قبل العدو الإسرائيلي بعد إعلان التهدئة من قبل حماس ، والذي بعد كل المواقف الحماسية السلبية من القضية الفلسطينية بات الإسرائيلي أمن سربه ، فرح ومسرور شعبه بنصره وكأنما حيزت له الدنيا كلها ، حيث برهنت حماس عمليا أنّ همها الحكم والسلطة مع أنها لا تمتلك برامج واضحة ولا تستند لمعايير ثابتة ، بعد أن خادعت الجماهير العربية والشعب الفلسطيني سنوات عجاف طوال بعد تلحفها بالدين موهمة الجميع ، وضاحكة على ذقونهم ، بأنّ همها وعنوانها هو التحرير والمقاومة .
لقد اتخذ الرئيس الفلسطيني خطواته الدستورية الأولى بدعوته للانتخابات والتي رفضت فورا من قبل حركة حماس ، بل واستخدمت كل قوتها لمنع التحضير لها بهدف إفشالها قبل إجرائها ، متذرعة أولا بفشل برنامج فتح السياسي دون أن تتقدم هي ومجموعة المقاومين والممانعين بأي برنامج سياسي أو عسكري محدد وواضح ، ثم بتقرير جولدستون وتوظيفه لموقفها السياسي الرافض للمصالحة الوطنية ، ثم وبعد تمريره وأخذ طريقه نحو الشرعية الدولية على عكس هواها ، تذرعت بالورقة المصرية واتهامها للمصريين الحريصين على الوحدة الوطنية الفلسطينية ومتانة الصف الوطني الفلسطيني بإنهم خانوا الإتفاق وأضافوا جمل وفقرات لم تناقش سابقا أو هي لم تحل عقدتها بعد ، الإتهامات التي ثبت زيفها تماما كما ثبت دائما زيف كل الإدعاءات المخطط لتمريرها حسب الظروف والحاجة للإساءة للشرعية الفلسطينية ، وإذا ماذا بعد ؟؟؟.
وكما قال الرئيس الفلسطيني أنّ أمامه خطوات دستورية كثيرة لتصويب الوضع الفلسطيني الذي خرج عن دائرة الإتفاق والسيطرة ، خطوات عملية مصيرية محسوبة وموزونة ومدروسة جيدا من قبله ، التي هي بالتأكيد لن تكون ولت تصب إلا بمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ، منها وأهمها وكما هو متوقع إلغاء السلطة الوطنية الفلسطينية قبل احتفالات فتح والشعب الفلسطيني بذكرى الإنطلاقة الرابعة والأربعين والتي جاءت وووفق عليها فلسطينيا كمرحلة ومقدمة لإعلان وبناء الدولة الفلسطينية ، وبديلها الدستوري والشرعي قيام منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين بتسلم وإدارة موجوداتها وإداراتها ومؤسساتها ، وبذات الوقت إعلان قيام دولة فلسطين من طرف واحد فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب سنة 1967م بما فيها القدس ، والتي وفور قيامها وكما هو متوقع ستنال إعتراف وتأييد جميع الدول قاطبة عدا دولة إسرائيل الكيان التي ستجابه الخطوة الفلسطينية بتصرفات حمقاء كثرة ، وإمارة حماس الظلامية التي ستجابه الخطوة بحملى تشهير وتخوين كبيرة ، الأولى التي ستجبر دوليا ورغم أنفها على تفريغ مستوطناتها وإزاحت مستوطنيها إلى ما وراء حدود السادس من حزيران عام 67م ، أو ما اصطلح على تسميتها بالخط الأخضر ، حيث الدعوة الفلسطينية والعربية مجلس الأمن لترسيمه وهدم الجدار ، فمسألة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس كما هي خيارا فلسطينيا لأنها أولى الثوابت الفلسطينية ، فهي باتت حاجة ومصلحة دولية لتصحيح بعض أخطاء الماضي من الأممي ، ولمحاولة حل كل القضايا الخلافية المعقدة المرتبطة بالقضية الفلسطينية ، وللخروج نهائيا من شبح صراع الحضارات وإمكانية تصادمها ، أما فيما يتعلق بالطرف الآخر المتوقع رفضه لقيام الدولة الفلسطينية فهي حركة حماس ، التي في حال رفضها أيضا لمنظمة التحرير الفلسطينية وإدارتها للدولة الفلسطينية ، ورفضها استغلال الدقيقة الأخيرة لقبولها بالمصالحة ستعلن مجموعة خارجة على القانون وسيعلن قطاع غزة إقليما متمردا .
والسؤال هنا حول المتوقع لتصيحح الوضع وتصويبه في قطاع غزة ، وحول السبل لتحرير شعب غزة المختطف من قبلها ، فمن غير المتوقع وكما هو ظاهر ويتوافق مع الأحداث والظروف والواقع ، أنّ تلجأ حركة فتح للسلاح للخروج من هذه المسألة مع قدرتها ومقدرتها على فعل ذلك ، إلا أنّ المأمول والمتوقع هو التدخل العربي والدولي الرديف لإجبار الجميع الفلسطيني للاحتكام للخيار الديمقراطي وبإشراف دولي وبوجود قوات عربية ودولية وبرقابة دولية ، ولتكن برئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي تحترمه حركة حماس أكثر من قادتها أنفسهم ، للخروج بقيادة فلسطينية جديدة لإدارة الدولة الفلسطينية بعد تسلمها من منظمة التحرير الفلسطينية .
أما إن رفضت حماس الخيار الديمقراطي الإلزامي وهذا هو المتوقع ، فإن الشعب العربي الفلسطيني وكافة الشعوب العربية وأحرار العالم ملزمين ومعنيين ومدعوين بعد أن يفيقوا من غفوتهم وغيبوبتهم ، وبعد أن تنجلي عن عيونهم الغشاوة للتحرك ، فعلى شعب غزة الحر الأبي أن ينتفض ويثور من داخلها لإسقاط المنفلتين الرافضين للصلح والوحدة ، وإن ترفد انتفاضتهم التي لن تواجه بالورود من قبل حماس بمسيرات جماهيرية مليونية سلمية من خلف الحدود وعبر البحار وحتى عبر أنفاق الموت ، للضرب على يد المعتدي لدفعه لتصويب أوضاعه ومواقفه ، إمتثالا لقول الله البصير النصير ( فقاتلوا التي تبغي حتىتفيء إلى أمر اللهفإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطواإن الله يحبالمقسطين الحجرات 9 ) ، حاملة أغصان الزيتون للمساهمة بإسقاط السلاح الأرعن وأعواده القتلة ، وخُشبه المتسلطة سياسيا ودينيا حتى على ذات حماس ، وتحرير شعب غزة الذي عانى الأمرين ، ويساهم جميع الأحرار بكل فخر واعتزاز برفع راية الحرية والحق والتحرير ، كما رفعها أجدادهم بعد المسيرة الخضراء التي انطلقت من كل مكان لتحرير الصحراء الغربية ( ساقية الذهب ) ، حتى وإن سقط من المصلحين الرياديين شهداء بالملايين برصاص القتل الإسرائيلي المتوقع أن يقتل ، أو من رصاص الغدر الجبان المتوقع أن يفتك ، بعدها ولأنّ الشعب الفلسطيني يستحق الحياة الفضلى الكريمة لأنهم الطائفة المنصورة ، تجرى الانتخابات الحرة والنزيهة ليخرج من بين الشعب الفلسطيني قادة ممن يرضونهم ، سواء من معتنقي فكر حماس بعد إعادة صياغته ليصبح فلسطينيا 100% ، أو من قيادات حركة فتح بعد تقييمها لكل فواصل المراحل السابقة والتي بدأت في هذه الأثناء ، أو من غيرهما بعد إعلان الكل الفصائلي أنّ ولاءه وانتماءه فقط لفلسطين وسيكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن القائد المبدع أول المهنئين إن لم يكن أول الفائزين .
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com